شكوك حول ضلوع المافيا في شغب طال مهاجرين بإيطاليا

حقوقيون ينتقدون المعاملة غير الإنسانية.. والسكان منقسمون

TT

وُضع أكثر من ألف عامل إفريقي في حافلات وقطارات في منطقة كالابريا بجنوب إيطاليا، ورُحّلوا إلى مراكز للمهاجرين في أعقاب أسوأ أعمال شغب تشهدها البلاد منذ أعوام. كانت المصادمات قد بدأت ليلة الخميس في مدينة روزارنو، وهي مدينة عمالية تقع وسط بساتين الحمضيات في كالابريا، بعد أن أصيب مهاجر شرعي من توغو بجروح خفيفة خلال هجوم أطلقت فيه أعيرة نارية داخل مدينة مجاورة. ولم يتضح مَن أشعل هذه المصادمات، ولكن من المؤكد أن لها تبعات خطيرة، وتقول السلطات إنها تجري تحقيقا لتعرف هل تقف عصابات الجريمة المنظمة وراء أعمال العنف هذه. وبعد الإشارة إلى أن تمييزا عنصريا يقف وراء الهجوم، قام عشرات المهاجرين بإضرام النيران في سيارات وتحطيم نوافذ محلات تجارية في مدينة روزارنو خلال أعمال شغب استمرت يومين. وقاموا أيضا بإلقاء الحجارة على سكان محليين وحدثت احتكاكات مع الشرطة. وجُرح أكثر من 50 مهاجرا وضابط شرطة. وألقي القبض على 10 مهاجرين وسكان محليين قبل بدء السلطات إرسال المهاجرين إلى مراكز للمهاجرين في مكان آخر داخل جنوب إيطاليا. وأظهرت صور قادمة من منطقة كالابريا، وكانت بينها صور لسيارات محترقة ومهاجرين أفارقة ثائرين ويقذفون الحجارة، تصاعد التوترات العرقية داخل إيطاليا. وتعتمد الاقتصادات الرسمية والسرية بصورة متزايدة على المهاجرين، وتنقسم إيطاليا ما بين مرحّب بالأجانب وكاره لهم. وألقت أعمال الشغب الضوء على جانب من البلاد نادرا ما يظهر في أدلة الرحلات السياحية. فقد بدأت السلطات أخيرا إزالة المخيمات المؤقتة المقامة خارج مدينة روزارنو حيث يعيش مئات المهاجرين في ما تصفه منظمات حقوقية بأنه أوضاع غير إنسانية. وغالبا ما يحصل هؤلاء المهاجرون على أقل من 30 دولارا في اليوم مقابل قطف ثمار الفاكهة، وهو العمل الذي ينظر إليه الكثير من الإيطاليين على أنه دون المستوى. ومن المعروف أن عصابات الجريمة المنظمة تحكم قبضتها على مستويات الوضع الاقتصادي كافة داخل منطقة كالابريا.

ويقول فلافيو دي جاكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة داخل إيطاليا: «لقد أزاح هذا الحدث الستار عن شيء نعرفه جيدا، نحن العاملين في هذا القطاع، ولكن لا يتحدث عنه أحد، حيث تعتمد الكثير من الجوانب الاقتصادية الإيطالية على استغلال العمالة الأجنبية المنخفضة التكلفة التي تعيش في ظروف غير إنسانية ولا تتمتع بحقوق إنسان». وأضاف أن العمال يعيشون في أوضاع تشبه أوضاع العبيد، مشيرا إلى أنه «من المخجل أن يحدث ذلك في قلب إيطاليا».

وقد خرج البابا بنديكت السادس عشر عن النص المعد له مسبقا خلال رسالته يوم الأحد وأدان أعمال العنف التي وقعت في كالابريا. وقال البابا: «المهاجر إنسان له أصول وثقافة وتقاليد مختلفة، ولكنه إنسان يجب أن يُحترم، وله حقوق وعليه واجبات». وانتقد الباب «استغلال» المهاجرين.

وليس واضحا بصورة كاملة هل ذهب جميع المهاجرين طواعية إلى مراكز المهاجرين أم أُجبر بعضهم على الرحيل. وتقول الشرطة إنها تحمي المهاجرين من المعتدين المفترَضين، حيث لوّح واحد على الأقل بمسدس. وقال بعض المهاجرين لوسائل إعلام إيطالية إن سكان كالابريا أطلقوا الرصاص ناحيتهم وأوسعوهم ضربا بالعصي خلال أعمال الشغب. وشبّه مقال افتتاحي نشر في الصفحة الأولى من صحيفة «لا ريبوبليكا» الوضع بأعمال عنف «كو كلوكس كلان» التي نشبت داخل الولايات المتحدة في الستينات من القرن الفائت. ولكن تشير تقارير إخبارية أخرى إلى أن عددا كبيرا من المهاجرين هربوا من المخيمات على عجل قبل أن تبدأ الشرطة إزالتها باستخدام الجرّافات.

وقال وزير الداخلية روبرتو ماروني خلال مقابلة تلفزيونية أُجريت معه أول من أمس إنه لا يبدو أن جميع المهاجرين قد غادروا المدينة، وهؤلاء الموجودون داخل مراكز المهاجرين ولديهم تصاريح إقامة منتظمة أو طلبوا اللجوء السياسي يتمتعون بحرية التحرك. وأشار إلى أنه سيتم تحديد هوية الآخرين وترحيلهم.

تعد أعمال الشغب في مدينة روزارنو حادثة فريدة أغرق المدينة بالكامل في أعمال عنف مرتبطة بالمهاجرين. وفي سبتمبر (أيلول) 2008، أرسلت إيطاليا 400 عضو من الحرس الوطني إلى كاستلفولتورنو، خارج نابولي، بعد أن نشبت احتجاجات عنيفة بسبب مقتل 6 مهاجرين أفارقة خلال مصادمات مع الكامورا، المافيا النابولية. وفي فبراير (شباط) الماضي، أضرم مهاجرون النار في مركز للمهاجرين داخل جزيرة لامبيدوزا، حيث كان كثيرون في انتظار عملية ترحيل. ويوجد في إيطاليا 4 ملايين مهاجر قانوني، وسط عدد السكان البالغ 60 مليونا. وهناك عدد أكبر من المهاجرين غير الشرعيين. ورغم أن الكثير من الإيطاليين يعتمدون عليهم في العمل داخل الأنشطة التجارية والإشراف على رعاية الأطفال أو كبار السن، ينظر الكثير من الإيطاليين إلى الوافدين الجدد على أنهم تهديد خطر. وخلال مقابلات تلفزيونية، قال بعض سكان مدينة روزارنو إنهم كانوا يعيشون في سلام إلى جانب المهاجرين، وحاولوا أن يوفروا لهم العمل والطعام. لكن كان البعض الآخر أكثر عدائية. وصاح رجل في مقابلة تلفزيونية على «سكاي تي جي 24» قائلا: «لقد تحملناهم على مدى 20 عاما».

يُذكر أنه خلال الأعوام الأخيرة أصدرت حكومة رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني تصريحات قوية معادية للمهاجرين. ولم يُدلِ برلسكوني بتعليق حول أعمال الشغب حتى الآن، علما أنه يقضي فترة نقاهة بعد أن ضربه في وجهه مختل عقليا بتمثال لكاتدرائية ميلانو الشهر الماضي. ولكن خلال المقابلة التي أجراها أول من أمس، وصف وزير الداخلية ماروني الوضع في مدينة روزارنو بأنه «نتيجة النوع الخطأ من التسامح». وقبل يوم نُقل عنه أنه قال إن أعمال الشعب نتيجة «التسامح بدرجة مبالغ فيها». ودافع ماروني، العضو في حزب رابطة الشمال والمعروف بكلامه المعادي للمهاجرين، عن مقترح قدمه حزبه الأسبوع الماضي لوضع حد على عدد الطلاب المهاجرين داخل المدارس العامة يقف عند 30 في المائة. وقال ماروني: «في بعض الأحيان يتحدثون لغات مختلفة، ولا يكون داخل الفصل الدراسي توازن مشترك».

وتقول مؤسسات حقوقية إن الكثير من المهاجرين الأفارقة يأتون إلى إيطاليا من خلال عروض عمل يبدو أنها قانونية داخل قطاع الزراعة في الجنوب، ويدفعون إلى الشخص الوسيط أكثر من 10 آلاف دولار للحصول على فرصة. وعندما يصلون إلى إيطاليا، حسب ما تقول المؤسسات الحقوقية، يجد المهاجرون أن المؤسسات الزراعية ترفض الوفاء بالتعاقد وتجبر المهاجرين بدلا من ذلك على العمل مقابل أجور زهيدة. وغالبا ما تكون هناك علاقات تربط المؤسسات التي تستعملهم بعصابات الجريمة المنظمة.

وقال ماروني في الماضي إن مافيا كالابريا تعد أقوى كيان جريمة منظمة داخل إيطاليا لأن أعضاءها مرتبطون بصلات نسب، وهو ما جعل من الصعب إيجاد عملاء بينهم. والأسبوع الماضي، عُثر على قنبلتين داخل محكمة ريجيو كالابريا، ونُظر إلى ذلك على أنه رسالة من مافيا كالابريا إلى المدعين الذين يحاولون تفكيك العائلات. ويقول ماروني إن القول إن مافيا كالابريا هي التي استثارت أعمال الشغب «افتراض محتمل» تدرسه السلطات. وخلال مقابلة مع صحيفة «لا ريبوبليكا» وصف روبرتو سافيانو، مؤلف كتاب «عمورية» الذي حقق أفضل مبيعات ويتناول الجريمة المنظمة بالقرب من نابولي، المهاجرين داخل مدينة روزارنو بالشجعان. وقال: «دائما ما يكون المهاجرون أكثر شجاعة منا في مواجهة العائلات».

* خدمة «نيويورك تايمز»