تونس: مهن جني التمور.. الشباب يعزفون عن العمل فيها

تجود في مناطقها الصحراوية الجنوبية

جني التمور في الجنوب التونسي («الشرق الأوسط»)
TT

في بداية موسم جني التمور تكون المناطق الصحراوية الواقعة في الجنوب التونسي قد بدأت سلسلة من الاحتفالات العائلية. فبعض العائلات الصحراوية لا تمتلك غير بضع شجيرات في الواحة تنتظر ثمارها طوال الموسم، وهي التي توفر لها السيولة الممكنة لقضاء حاجياتها وتسديد جزء من ديونها المخلدة في انتظار ما يعرف بـ«جمع الصابة».

موسم جني التمور في الولايات الجنوبية من تونس، وهي تحديدا توزر وقبلي بالأساس، ثم قفصة وقابس بدرجة ثانية، يجلب الأيدي العاملة المتخصصة الآتية من الولايات المجاورة. كما يتدفق على مناطق إنتاج التمور سماسرة يغتنمون فرصة الموسم لتحقيق بعض الأرباح المتأتية من جلبهم التمور من الجنوب نحو مناطق الاستهلاك في مدينة تونس، العاصمة، وكبريات المدن والولايات المجاورة. وقد حافظت مناطق إنتاج االتمور على مجموعة من المهن المرتبطة بالنخلة، وهي متعددة تتماشى والفترة التي تتطور فيها ثمار التمر. وخلال فترة الجني التي عادة ما تنطلق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام وتستمر حتى شهر يناير (كانون الثاني)، وتتوزع «الصابة» على بقية المناطق.

بالنسبة لموسم التمور الحالي، تتوقع الدوائر الزراعية التونسية ارتفاع إنتاج تونس من التمور خلال الموسم الحالي بنسبة 11% مقارنة بالعام الماضي. إذ من المنتظر أن يبلغ الحجم الإجمالي للإنتاج في الموسم الحالي نحو 155 ألف طن، مقابل 145 ألف طن في الموسم الماضي.

وينتظر الخبراء والمسؤولون أن يسهم هذا الارتفاع في تطور الصادرات التونسية من هذا المنتوج، مع الإشارة إلى أن صادرات تونس من التمور تتراوح ما بين 80 و85% من إجمالي الإنتاج المحلي. وبلغ حجم هذه الصادرات نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي أكثر من 66 ألف طن بلغت قيمتها 155.38 مليون دولار أميركي. وللعلم، تحتل تونس المرتبة الأولى عالميا من حيث العائدات المالية المتأتية من صادرات التمور، والمرتبة الرابعة من حيث حجم صادراتها منها، والمرتبة الـ12 من حيث الإنتاج، وهو ما يجعل آلاف العائلات التونسية على ارتباط وثيق بالنخلة وإنتاجها.

من جهة أخرى، تقدر المساحة الإجمالية لواحات النخيل في تونس بنحو 32 ألف هكتار تتوزع على ولايات (محافظات) قبلي وتوزر وقفصة وقابس، في جنوب البلاد وجنوب غربيها. ولقد حافظت العائلات التي تعيش في واحات الجنوب التونسي على تراتبية اجتماعية صارمة متصلة بملكية النخيل وإنتاج التمور. فالمنزلة الاجتماعية على ارتباط مباشر بمقدار المساحة المملوكة من قبل العائلة ونوعية تمورها. وبالتالي، لا يتساوى في كل الأحوال مالك غابة النخل مع الأجير العامل فيها، سواء بحساب الأجرة اليومية أو بحساب النسبة المئوية.

حول المهن المرافقة لموسم جني التمور، أوضح أحمد مخلوف، وهو من أبناء ولاية توزر، خلال حوار مع «الشرق الأوسط» قائلا: «أغلبية العمال المتخصصين في الجني يأتون من ولايتي القصرين وقفصة المجاورتين. وعدد المهمات المرتبطة بموسم التمور ومن بينها (القطّاعة)، أي الذين يقطعون شماريخ التمور، و(اللّقاطة)، الذين يجمعون التمور ويصنفونها، و(الخرّافة)، الذين يعملون في غابات النخيل خلال موسم الخريف، و(الرّقاية)، الذين يتسلقون النخلة ويتسلمون العراجين من (القطّاعة)، و(القيّالة)، الذين يمضون فترة القيلولة داخل الواحة ويحرسون المنتوج. و(الذّكارة)، الذين يلقّحون النخيل خلال فصل الربيع لضمان صابة الخريف. إلى جانب (الخمّاسة)، الذين يهتمون بالواحة طوال السنة ويحصلون على خمس أو20 في المائة مما تنتجه الواحة، وهي فئة سائرة نحو الاضمحلال».

مهنة «القطّاع» هي الأصعب - حسب مخلوف - باعتبار أن ممتهنها يتعرض لوخز شوك النخل، ولذا لا تقل أجرته اليومية عن 15 دينارا تونسيا، أي نحو 11 دولارا أميركيا ونصف الدولار. وتابع مخلوف: «إن كثيرين من شباب اليوم يعزفون عن العمل في هذه المهن ويعتبروها دونية، كما أن عددا قليلا من (الخمّاسة) دربوا أبناءهم على مهن الواحة». وأردف: «إن بعض مالكي غابات النخيل أصبحوا يتعاقدون مع العمال بالجملة ويجري الاتفاق على أجرة محددة قد تكون ما بين 300 و400 دينار تونسي لمجمعة من النخيل مقدرة بما بين 70 و80 نخلة».

وقال عبد الملك العثماني، وهو فلاح من توزر إن «النخلة تتطلب جهود قرابة 12 شخصا من مرحلة جني التمور أعلى شجرة النخيل إلى مرحلة تسلم المنتوج أسفل النخلة». وأكد على صعوبة الحصول على الأيدي العاملة المتخصصة خلال فترة الجني، مشيرا إلى أن «معظمها يأتي من مناطق قفصة والقصرين، ويتقاضى العامل المختص ما لا يقل عن 17 دينارا تونسيا (نحو 13 دولارا) في اليوم». في حين شرح عمار بن عثمان، وهو تاجر تمور، «إن نوعية التمور هي التي تحدد كيفية التعامل معها. فبعد الجني مباشرة تجري تعبئة العراجين والتخلص مما سماه (البصرة الحمراء) التي تقلل من قيمة المنتوج». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن طريقة التعامل مع التمور «تطورت بين الماضي والحاضر، إذ كانت العائلة تضع جزءا من ذخيرتها في الخوابي وتتزود بالتمور طوال السنة. أما في الوقت الحاضر فإن (العولة) (أي المؤونة، أو المدخرات السنوية من التمور) يحتفظ بها في أكياس تسمى (البطانة)، وهي قادرة على استيعاب ما بين 6 و10 كيلوغرامات من التمور».