غواصو جدة وقصص يشوبها الحزن

ينتشلون الموتى.. ويمكثون أسبوعا دون شهية للطعام

فرق الغوص التابعة للدفاع المدني في إحدى البحيرات خلال محاولات لانتشال جثث مفقودين («الشرق الأوسط»)
TT

أن يُفسد عليك منظر مؤثر شهيتك لتناول الطعام ليوم واحد أمرٌ غير مستبعد، لكن أن تُضرب عن تناول الطعام لأسبوع وربما أكثر، فهذه مشكلة. وهو الأمر الذي لا يواجهه سوى غواصي الدفاع المدني القائمين على أعمال البحث وانتشال الجثث، في البحيرات ومخازن الصرف الصحي، على خلفية سيول الأربعاء 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. إذ تبقى رائحة الجثة «داخل جوف الحلق لفترة قد تزيد عن أسبوع» كما وصف لـ«الشرق الأوسط» نواف العتيبي، وهو أحد مدربي الغوص، حالة الغوّاص عند انتشاله جثة ما.

ويموج الغوّاصون في نهاية شارع جاك بحي «قويزة» أقصى شرق جدة، في بحيرة تكوّنت بعد السيول يبلغ عمقها نحو 6 أمتار، وتُسمى «الصواعد» نظرا للمنطقة القريبة منها. تدفعهم آمال ذوي المفقودين الذين بلغ عددهم نحو 32.

وبجانب البحيرة، يحكي نواف العتيبي (33 عاما) قصصا غمرها الضحك تارة، وساد عليها الحزن تارات أخرى. يقول العتيبي: عندما انتشلنا مؤخرا جثة فتاة تبلغ نحو التاسعة من العمر، خيم حزن على اليومين اللذين قضيتهما بعدها، إذ تجول ذاكرتي حول الطفلة التي دل عليها أحد أصابعها؛ إذ كانت مدفونة تحت عمق البحيرة، ولا يظهر منها سوى «إصبع النجاة».

وأضاف العتيبي: «وهذا من المواقف الشديدة التي صادفتني منذ بداية شروعي في أعمال البحث»، مستطردا: «بينما كان موقف الغوّاصين الراغبين في التطوع هو ما أضحكني كثيرا».

وزاد: «عندما بدأت مجموعات التطوع في الانتشار، ظهرت مجموعة ترغب في المساهمة عن طريق الغوص، وتلقيت اتصالات عن طريق الإنترنت والهاتف، تفيد برغبة الانضمام، ولما دخلنا في مرحلة التنفيذ، لم يأت سوى ثلاثة غواصين». مضيفا أنهم تراجعوا عندما رأوا منظر البحيرة.

انتقل العتيبي بعدها إلى مخاطر البحيرة قائلا «إن تسرب مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية ساهم في تعدد مصادر المياه المتدفقة إلى البحيرة، مما جعل مسألة الغوص داخلها، مخاطرة تتمثل في التلوث الناتج عن مياه الصرف الصحي، والنشوب في العوالق المتناثرة حول أعماق البحيرة، وأخيرا: النقطة الجوهرية ذات التحدي الواسع الذي يواجهنا وهي انعدام الرؤية».

وهنا يصف نواف العتيبي عمل الغواصين بـ«الحَذِر» انطلاقا من المقولة الشهيرة «الحي أبقى من الميت». ويقول: «لا بد من الحذر عند النزول لإجراء عمليات البحث، حيث استخدمنا الوسائل التي تتوفر دائما في عمليات الإنقاذ من أطواق النجاة والحبال التي يُربط بها الغوّاص، إضافة إلى اللباس الخاص بالغوص في المناطق الملوثة وهو يغطي الرأس والأذن». وأكمل: «إلا أن بعض الأطقم الخاصة بالغوص لم تحتو على الحامي الموجود في الرأس». وأكمل ضاحكا «أحد الغواصين استخرج من أذنه حشرة، كانت قد (عشعشت) داخل أذنه في إحدى النزلات السابقة».

من جانبه، بيّن العميد محمد القرني وهو مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالة الطوارئ في جدة، أن مهمة الغواصين في الدفاع المدني هي البحث والإنقاذ المائي في المناطق غير البحرية، إذ تعتبر مهمة الإنقاذ في البحار تابعة لمهام حرس الحدود.

وقال العميد القرني لـ«الشرق الأوسط» «أهّلنا جميع العاملين في أعمال الإنقاذ المائي منذ برهة، وشددنا على ضرورة إجادة السباحة لكل الأفراد الذين انضموا للدفاع المدني منذ أربع سنوات، فيما استقطبنا أكثر من 3500 فرد على هذا الأساس في السنوات الأربع الأخيرة».

وتابع: «شرع الدفاع المدني في تأهيل العاملين في مجال الإنقاذ عن طريق دورات وبرامج تدريبية في مجال الإنقاذ المائي للأفراد والضباط الميدانيين القائمين على هذه الأعمال، داخل وخارج البلاد في كل من إيطاليا وفرنسا ومصر».

وفي ما يتعلق بالكارثة، قال مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالة الطوارئ في جدة: «وفر مركز المساندة لمواجهة حالة الطوارئ في جدة، نحو 421 غواصا قدموا من خارج منطقة مكة المكرمة، بهدف المساعدة والدعم للفرق الموجودة في محافظة جدة».

وأشار إلى اكتمال التجهيزات اللازمة لأعمال الإنقاذ المائي، وأهمها قوارب الإنقاذ واللباس الخاص بعمل الإنقاذ في البحيرات، فضلا عن اللباس الخاص بالبحث داخل أنابيب ومخازن الصرف الصحي. مختتما تصريحه الخاص لـ«الشرق الأوسط» بـ«إن نحو 600 قارب استخدمها الغواصون في انتشال العديد من الجثث، وهي مجهزة بحبال وأطواق ووسائل إنقاذ أساسية».