صيادو طيور وغزلان خليجيون يفجرون جدلا جنوب العراق

اتهامات بـ«انتهاكهم» محمية طبيعية.. وآخرون اعتبروا القضية شاغلا للرأي العام عن الاحتلال الإيراني لبئر الفكة

TT

لم تكن شواخص العلامات الحدودية الموجودة في بحر الصحراء الذهبي الممتد بين العراق وجيرانه من الدول العربية يوما عقبة أمام هواة صيد طيور البرية، حيث يلتقي عند أطرافها الشاسعة الممتدة من البصرة إلى الناصرية والسماوة والنجف وحتى أقاصي الرمادي أبناء معظم المحافظات وحتى الأكراد منهم والأشقاء من دول الجوار، يعبقون برائحة العشب البري ويمارسون صيد القطا والحبارى والصقور في فسحة تراثية لها معانٍ جميلة تتناغم ووجدان كل صياد منهم.

وفي الوقت الذي أثارت فيه أصوات سياسية ضجة إعلامية طيلة الأيام الماضية من الأسبوع الحالي حول انتهاك مجموعات من هواة صيد الطيور الخليجيين حرمة البادية الجنوبية، ترى أصوات أخرى أن البادية كانت ومنذ أزمان بعيدة مسرحا عفويا للصيد يلتقي فيه الهواة من العراقيين والعرب في كل موسم، حين يبدأ من منتصف الشتاء وحتى الخريف من كل عام.

ويعزو البعض إثارة الأوساط السياسية لقضية الصيد الآن إلى نقل اهتمام الرأي العام المحلي من حدود محافظات الجنوب الشرقية بعد أن احتلت إيران منطقة الفكة النفطية إلى غربها حيث البادية الجنوبية التي هي امتداد للجزيرة العربية.

ويتساءل البعض عن تداعيات التركيز على الصياديين القطريين دون غيرهم، وهل أنجزت مجالس المحافظات هموم الأهالي ومعاناتهم كي تلتفت إلى حماية الطيور فيما تتعرض لإبادة بشعة من قبل الصياديين المحليين! غير أن مديري دوائر البيئة بالمحافظات الجنوبية أكدوا عدم اكتراثهم بحيثيات إثارة قضية الصياديين القطريين بقدر اهتمامهم بالحفاظ على نقاء البيئة. وأكدوا أن «الصيد الجائر لمكونات البيئة العراقية يعد من المحرمات التي يعاقب عليها القانون العراقي، سواء كان مصدرها عراقيا أو غيره»، وشددوا على ضرورة العمل على إيجاد محميات طبيعية تحافظ على الأقل على الأصناف النادرة وحمايتها من الانقراض.

وأشار طه القريشي، مدير بيئة البصرة، إلى أن «البيئة العراقية إضافة إلى معاناتها الكبيرة من ويلات التلوث نتيجة الحروب المتوالية، يسعى البعض إلى إكثار مواجعها باستخدام المبيدات في صيد الطيور والأسماك وفي مواسم التكاثر وقدوم جماعات من دول الخليج العربي لممارسة هواياتهم في الصيد بعد أن فرضت دولهم إجراءات صارمة داخل أراضيها التي جعلتها محميات طبيعية»، مشددا على «ضرورة العمل للحد من تلك الممارسات الخطيرة».

وقال توفيق سنافي، صقار، إن «منطقة البادية الجنوبية تشكل مكان جذب لهواة الصيد من العراقيين ودول الخليج العربي، ويشكل صيد الصقور بالنسبة للعراقيين، إضافة إلى كونه هواية، مصدر رزق كبيرا من خلال بيع صيدهم إلى صيادي دول الخليج وبأسعار عالية وحسب نوع الطائر، ومن أهمها صقر الباشق الذي يعتبر من أمهر الطيور الصائدة بعد تدريبه، والعوسج الذي يتميز أيضا بسهولة التدجين وقدرته الفائقة على التعامل مع الطرائد في الصحراء، أما الخليجيون فيفضلون الشاهين والحر».

وأضاف سنافي: «ليس دفاعا عن الصياديين الخليجيين، لكن المعروف عنهم اهتمامهم بتربية الصقور ومعالجتها في مستشفيات خاصة لدى بلدانهم، وبعضهم يطلقه في الهواء عند انتهاء موسم الهجرة ليعود إلى موطنة الأصلي، وخصوصا التي فيها إشارات مثل (الخلخال)، والتي تضعها المنظمات الدولية المهتمة بالطيور».

ومن جانبه قال عباس الجوراني، عضو اللجنة المحلية للحزب الشيوعي، إن «الأصوات التي صمتت إزاء احتلال إيران لحقل نفط الفكة النفطي في محافظة العمارة التي ما زالت تمكث على مقربة منه منذ ما يقارب الشهر نشطت بشكل محموم إزاء إثارة قضية الصياديين الخليجيين لإظهار حميتهم الإنسانية على الطيور المهاجرة». وأضاف: «لدى العراقيين ما يكفيهم من المشكلات الداخلية، وليس من المعقول أن تتحول قضية مثل تلك إلى موضوع سياسي يأخذ حيزا من الاهتمام».

وأوضح مصدر في شرطة جمارك المنطقة الرابعة برتبة مقدم، طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المؤكد أن الأجهزة الأمنية في المنافذ الحدودية تمنع دخول أي مواطن عربي إلى العراق بغية ممارسة الصيد لكونه من الممنوعات، لكن بما أن البادية عبارة عن صحراء شاسعة لها امتدادات مع أربع دول عربية مجاورة من جهة الغرب، فمن السهولة التسلل عبرها». وأضاف أن «الصياديين الخليجيين يأتون على شكل جماعات وبسيارات حديثة ويمكثون في مخيمات بقلب البادية، فمن الصعب على شرطة الجمارك بإمكاناتها المحدودة أن تجوب تلك الصحراء لمنع الصيد فيها، بقدر ما يكون اهتمامها منصبا على الجوانب الأمنية ومطاردة التهريب»، مشيرا إلى أن «شرطة الجمارك لم تتصادم مع مجاميع كهذه».