اغتيال عالم نووي إيراني بدراجة مفخخة.. وواشنطن تصف اتهامات طهران بالسخيفة

المعارضة تؤكد أنه ضمن قائمة من 240 أستاذا بجامعة طهران أيدوا موسوي.. والإعلام الرسمي: كان مؤيدا لنجاد

العالم النووي الإيراني مسعود علي محمدي (إ.ب.أ)
TT

اكتفت الولايات المتحدة بالرد على الاتهام الإيراني بتورطها في مقتل العالم النووي الإيراني، مسعود علي محمدي، الذي اغتيل، أمس، بدراجة مفخخة في طهران بالقول: «هذه الاتهامات سخيفة». وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، في تصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رأينا هذه التقارير وأي ادعاءات بتورط أميركي سخيفة».

واستخدم نائب الناطق باسم البيت الأبيض، بيل بورتون، العبارة نفسها، قائلا: «هذه الاتهامات سخيفة». وردا على سؤال حول الربط بين محمدي والمعارض الإيراني مير حسين موسوي، قال بورتون: «لا أريد أن أستبق أي معلومات حول ما حدث، كل ما أريد قوله هو أنه مثلما قال الرئيس (الأميركي باراك أوباما) من قبل، نحن نقف من هؤلاء الذين يحاربون من أجل حقوقهم في إيران وحول العالم، وسنواصل ذلك».

وتأتي الاتهامات الإيرانية للولايات المتحدة لتزيد من التوتر بين الطرفين، وبعد اتهامات إيرانية سابقة لواشنطن بأنها وراء اختفاء عدد من العلماء النوويين منهم شهرام أميري، وهو باحث جامعي يعمل لحساب هيئة الطاقة الذرية الإيرانية خلال أدائه العمرة في يونيو (حزيران) الماضي.

وقالت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية إن مجلس الوزراء الإيراني اتهم عملاء للولايات المتحدة باغتيال عالم نووي في طهران أمس.

ونقلت الوكالة عن بيان لمجلس الوزراء الإيراني القول «قام عملاء الجاسوسية والمخابرات الأميركيون من جانب باختطاف بعض المواطنين الإيرانيين... وعلى الجانب الآخر اغتال عملاؤهم الخونة مواطنا إيرانيا داخل البلاد».

وتضاربت المعلومات بين الإعلام الحكومي والمعارضة الإيرانية حول العالم المقتول وانتماءاته السياسية إذ قالت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إن العالم النووي مسعود علي محمدي قُتل بقنبلة تعمل بالتحكم من بعد. وحملت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل المسؤولية عن الاغتيال.

ووصفت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية مسعود علي محمدي بأنه أستاذ ملتزم وثوري، مؤكدة تأييده لحكومة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.

ونقلت وكالة «فارس» للأنباء شبه الرسمية عن أحد تلاميذه قوله إنه عمل مع الحرس الثوري حتى عام 2003. كما نقلت عن ميليشيا الباسيج الموالية للحكومة قولها إنه عمل في جامعتين مرتبطتين للحرس الثوري. لكن مواقع المعارضة الإيرانية قالت إنه أحد المؤيدين لزعيم المعارضة الذي خسر الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، ونشرت المواقع المؤيدة للإصلاح على شبكة الإنترنت اسم علي محمدي في قائمة من 240 من أساتذة جامعة طهران يؤيدون موسوي. وكان علي محمدي قد غادر لتوه منزله في طريقه للعمل عندما انفجرت عبوة ناسفة جرى التحكم فيها من بعد، حسبما أعلن التلفزيون الحكومي. وتسبب الانفجار في تحطيم نوافذ منزله الواقع بحي قيتارية في شمال طهران، وغطت الدماء الرصيف والحطام المتناثر. وأوردت وكالة أنباء «إيسنا» شبه الرسمية تأكيد مدعي طهران، عباس جعفري دولاتابادي، نبأ القتل، مضيفا أنه لم يتم إلقاء القبض على أي شخص على خلفيته.

وذكرت قناة «برس تي في» الإيرانية الناطقة بالإنجليزية أن علي محمدي البالغ من العمر 50 عاما وكان يعمل محاضرا للفيزياء النووية بجامعة طهران قُتل صباح أمس قرب منزله في شمال العاصمة الإيرانية عن طريق دراجة نارية ملغومة.

ووقع الانفجار في وقت يتزايد فيه التوتر في إيران بعد سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية المتنازع على نتيجتها والتي أغرقت البلاد في حالة من الفوضى.

كما يتزامن مع وقت حرج متعلق بالخلاف بين إيران والغرب بشأن طموحاتها النووية إذ يُتوقع أن تلتقي قوى كبرى في نيويورك يوم السبت المقبل لمناقشة إمكان فرض عقوبات جديدة على طهران لرفضها وقف أنشطتها النووية.

ووقوع مثل هذه الهجمات التفجيرية نادر في العاصمة الإيرانية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) قتل مفجر انتحاري العشرات في جنوب شرق البلاد من بينهم ضباط كبار في الحرس الثوري. وأدان المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمان باراست اغتيال علي محمدي «الذي خطفته يد الغدر والإجرام صباح أمس في اعتداء ضده».

وأفادت وكالة أنباء «فارس» نقلا عن الدائرة العامة للإعلام والصحافة التابعة لوزارة الخارجية أن مهمان باراست حمّل «عملاء أميركا وكيان الاحتلال الصهيوني مسؤولية الاعتداء علي هذا العالم الإيراني».

واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية اغتيال هذا العالم والمفكر الإيراني الخالد بأنه يعكس نهجا معاديا للإنسانية ويتنافي مع جميع القوانين والقرارات الدولية.

وقال المسؤول إن «التحقيقات الأولية خرجت بنتائج تظهر خبث الثالوث الصهيوني الأميركي والعملاء الذين اقترفوا هذه الجريمة البشعة». وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية أن «مثل هذه الإجراءات الإرهابية التي تتمثل في إلغاء العلماء النوويين للحيلولة دون إحراز الجمهورية الإسلامية الإيرانية التقدم العلمي الذي يزداد يوما بعد آخر لا تحقق ما يتصوره الأعداء، حيث يشهد التقدم العلمي يوما بعد آخر المزيد من الازدهار». في الوقت ذاته نقلت وكالة «فارس» عن علي شيرزاديان المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قوله إن علي محمدي لم يكن يعمل لصالح الهيئة. وأظهر الموقع الإلكتروني لجامعة طهران أن آخر أبحاثه كان حول طبيعة «الطاقة المعتمة» وهي إحدى النظريات الخاصة بعلم الكون.

ونقلت «رويترز» عن مارك فيزباتريك كبير محللي انتشار الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن إسرائيل قتلت في السابق أشخاصا يعملون في برامج نووية تعتقد أنها معادية، لكنه قال إن «من غير المرجح أن تكون حادثة أمس جزءا من استراتيجية إسرائيلية أو أميركية لحرمان إيران من عقول عملية التخصيب النووية، وهناك حاليا الكثير جدا من العلماء والمهندسين ممن لديهم الخبرة المطلوبة».

ونقلت وكالة «فارس» عن جماعة مقرها في الخارج تُدعى «الرابطة الملكية الإيرانية» إعلانها المسؤولية عن الهجوم. ولم تذكر الوكالة كيف حصلت على بيان الجماعة.

وكانت الجامعات الإيرانية مسرحا لمظاهرات كل من أنصار المعارضة وأنصار الحكومة منذ انتخابات يونيو (حزيران) التي تقول المعارضة الإصلاحية إنه جرى التلاعب فيها لضمان إعادة انتخاب أحمدي نجاد. ويمثل النشطون من الطلاب ركيزة حركة الإصلاح الإيرانية.

وقالت وكالة (أ.ب) إن علي محمدي، الذي ألف عدة مقالات حول الكمية والفيزياء النظرية في دوريات علمية، لم يكن من الشخصيات الشهيرة في إيران.

كما أنه لم يكن من المناصرين البارزين لحركة المعارضة الإيرانية خلال شهور الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات، رغم ظهور اسمه بقائمة أساتذة الجامعة المؤيدين لموسوي قبل عقد الانتخابات. وكانت هذه القائمة نُشرت في الكثير من المواقع على شبكة الإنترنت المناصرة للإصلاح خلال الأسابيع السابقة لعقد الانتخابات.

من جانبها أشارت وكالة أنباء «مهر» شبه الرسمية إلى تأكيد مسؤول بجامعة طهران أن علي محمدي لم يكن مشاركا في أي نشاط سياسي.

ونقلت الوكالة عن علي موقري رئيس قسم العلوم بالجامعة قوله: «البروفسور القدير لم يكن شخصية سياسية ولم يكن له نشاط في الحقل السياسي». وأكد المتحدث الرسمي باسم وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، علي شيرازديان، لوكالة «أسوشييتد برس»، أن علي محمدي لم تكن له صلة بالوكالة. وقال إن البروفسور «لم يكن مشاركا في البرنامج النووي الوطني»، مضيفا أن نشاطه اقتصر على المجال النظري في جامعة طهران. كما كان علي محمدي كان عضوا ببعض الاتحادات الأكاديمية المعنية بالعلوم التجريبية. ووصف موقع إخباري حكومي على شبكة الإنترنت يُدعى «بورنا» علي محمدي بأنه عالم نووي بارز، من دون تقديم معلومات أخرى. وقد نال علي محمدي شهادة الدكتوراه الأولى داخل إيران عام 1992 في الفيزياء النووية من جامعة شريف للتكنولوجيا بطهران.

من جهة أخرى قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أمس، إن مواقف الولايات المتحدة إزاء البرنامج النووي الإيراني تُعتبر عودة إلى الوراء.

وخلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي أضاف مهمان باراست أن «تصريحات قائد القيادة الوسطى الأميركية دافيد بترايوس بشأن تعامل الولايات المتحدة مع البرنامج النووي الإيراني غير بنّاءة. وكان بترايوس أشار في تصريحاته إلى أن خطط ضرب المواقع النووية الإيرانية جاهزة.

كما أكد مهمان باراست أنه في حال لم تردّ الدول الغربية على عرض إيران بشأن تبادل الوقود النووي فستنتج طهران الوقود بقدراتها الذاتية. وأشار مهمان باراست إلى محطة بوشهر النووية، وأوضح أن صيانة هذه المحطة تتم وفق المعايير الدولية وليس هناك ما يدعو للقلق، مؤكدا أن «أنشطتنا النووية قانونية وهي للأغراض السلمية وتخضع لرقابة الوكالة الدولية». وحول مستجدات التفاهم الإيراني العراقي أثر سوء الفهم الأخير بخصوص الحدود المشتركة بين البلدين، أكد مهمان باراست أنه سيتم تشكيل لجنة إيرانية - عراقية مشتركة لبحث ترسيم الحدود وفق معاهدة 1975.

وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده لن تتدخل في شؤون العراق، و«ما نريده لهذا البلد هو الاستقرار والأمن والازدهار».