«الإجراءات الأمنية» تقطع حبل الوصل بين «القات» و«مخزّنيه» في جازان

حرس الحدود لـ«الشرق الأوسط»: عمليات التهريب من البر والبحر توقفت

TT

كتبت التطورات الأخيرة في الحدود الجنوبية للسعودية مع جارتها اليمن فصلا جديدا في علاقة بين الشبان المدمنين على «تخزين القات» في منطقة جازان وبين هذه النبتة، التي تفد إلى المنطقة عن طريق التهريب من اليمن، بسبب تشديد الإجراءات الأمنية، وتكثيف دوريات البرية والبحرية على طول الحدود الفاصلة بين البلدين.

الشبان الذين أدمنوا قضاء ساعات طويلة في «تخزين القات» عبر مضغ أوراقه واستخلاص عصارتها، استبدلوا بتلك الساعات جلسات سمر على شاطئ البحر الأحمر، أو في رحلات برية إلى المناطق السياحية التابعة لمنطقة جازان، بعد التشديد الأمني الذي تسبب في تراجع كبير لكميات القات المهربة، وارتفاع أسعارها بأرقام فلكية. وتعاقب الحكومة السعودية مهربي القات ومخزّنيه بالسجن لمدد متفاوتة تصل أحيانا إلى سنوات، بحسب طبيعة التهمة الموجهة إلى المهرّب أو المخزّن، لكن هذه العقوبات لم تحُل دون تحول تخزين القات إلى ظاهرة اجتماعية مقبولة لدى فئات كثيرة من الأهالي.

وتجدر الإشارة إلى أن مخزّني القات يرفضون تصنيف القات كمادة مخدرة لأنه لا يُذهِب بالعقل، فيما يرى آخرون أن القات من المواد المخدرة ويذهب بالعقل والمال والجسد والوقت.

ويوضح مصدر عسكري مسؤول في قطاع حرس الحدود لـ«الشرق الأوسط»، أكد أنه «بات من الصعب على المهربين تهريب القات وإدخاله إلى الأراضي السعودية». ويؤكد المصدر أن «عمليات التهريب، سواء من البحر أو البر توقفت، بعد تكثيف الدوريات البحرية من الزوارق السريعة على مدار الساعة في الإقليم البحري، إضافة إلى الدوريات السيارة على طول الشاطئ والشريط الحدودي، ولا توجد أي عمليات تهريب للقات على الإطلاق إلى داخل الأراضي السعودية، مضيفا أن «الشريط الحدودي مؤمَّن، ومن الصعب تجاوزه». ويضيف: «لعل الشح الحالي لنبات القات في منطقة جازان، يلفت أنظار كل شاب مدمن على شجرة القات إلى أن يتخذ القرار السليم في التوقف وعدم تخزين هذه الشجرة الخبيثة».

وفي المقابل، يكشف أحد باعة القات في منطقة جازان لـ«الشرق الأوسط»، أسباب ارتفاع سعر القات وكيفية وصول إليه، إذ قال البائع علي أحمد إن التشديد الأمني على الشريط الحدودي تسبب في ندرة وجود القات، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعاره بنسب تجاوزت 200 في المائة، وأصبح شراؤه عبئا على كثير من الشبان ذوي الدخل المحدود». ويضيف البائع: «بعد عناء طويل يمتد إلى عدة أيام، يصل القات لدينا عن طريق بعض المهربين المتمكنين في عمليات تهريب القات، ونحصل عليه منهم بسعر مرتفع جدا»، مشيرا إلى أن «كمية القات التي تصل إلى تكون محجوزة بالكامل سلفا، وبأسعار مرتفعة».

من جانبه، يقول عبده غالب، وهو أحد مخزّني القات، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأحداث الأخيرة وما نتج عنها من صعوبة شراء القات، عززت من رغبته في الإقلاع عن تخزينه. ويضيف: «في بداية الأحداث، حين ارتفعت أسعار القات في منطقة جازان، لجأت إلى خيار السفر إلى الجمهورية اليمنية لتخزينه، وحين تدهورت الأوضاع خفت على نفسي، ولم أسافر مرة أخرى إلى اليمن بحثا عن القات».

ويؤكد غالب أنه وفر أكثر من نصف دخله هذا الشهر بسبب ارتفاع سعر القات وانقراضه، كما ساعده الانقطاع عن تخزين القات في النوم والاستيقاظ المبكر، وعدم التأخر عن الدوام». مشددا على أن القات «يأخذ الكثير من المال، ويستقطع الوقت الطويل في السهر إلى آخر الليل»، مشيرا إلى أنه بدأ يرفّه عن نفسه بالخروج إلى البحر أو زيارة أحد المواقع السياحية في المنطقة.

ويوضح الدكتور عبد الرحيم محمد الميرابي الاستشاري النفسي في مستشفى الملك فهد بجازان، أن نبتة «القات» تتكون من مركبات عضوية، أهمها: «القاتين» و«الكاثينون»، وهما مادتان مشابهتان لتركيب مادة «الأمفيتامين» المؤثرة على الجهاز العصبي.

ويكشف الدكتور الميرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن القات «يعمل على تحفيز الخلايا العصبية، فيزيد النشاط، ويقلل الشعور بالإجهاد، ويجلب الرغبة في أداء بعض المهمات والواجبات، مع ميل إلى الكلام بكثرة، إما على هيئة آمال ووعود، أو تأملات وخواطر، أو على هيئة نتاج فكري أو فني، ولذلك يجد (بعض) الفنانين والأدباء في القات محفزا للعطاء، وخصوصا أولئك الذين يسكنون في المناطق التي يزرع أو يتوفر فيها القات».

ويستدرك الاستشاري النفسي في مستشفى الملك فهد بجازان بالإشارة إلى أن «الباحثين الأوروبيين وجدوا أن تأثير القات يقل عن تأثير الأمفيتامين بثمانية أضعاف، ولذلك يعتمد مخزّن القات على الجانب النفسي للجلسة الجماعية أو الفردية كعامل مساعد في الشعور بالسرور والارتياح، على غير طبيعة تعاطي حبوب الأمفيتامين، ولذلك نجد وجهات نظر علمية تعدّ القات منبها أكثر من تصنيفه على أنه مخدر».

ويخلص الدكتور الميرابي إلى الاعتقاد بعدم حاجة مخزّن القات إلى وجود بديل منبه أو منشط يحل محل القات، للأسباب المتعلقة بتركيبته التي يختص بها، وأهم من ذلك الكيفية أو الهيئة أو الطقوس التي يتم بها تخزين القات عبر الجلسات الجماعية وتبادل الأحاديث.

ويشير إلى وجود سبب آخر، يتمثل في أنه «لو غادر مخزّن القات البلدة التي اعتاد تخزين القات فيها وسافر إلى بلدة أخرى لا يتوافر فيها المجلس والجماعة والقات، لما شعر بالحاجة إلى تخزينه، بينما لو مكث في بلدته نفسها لما استغنى عنه إلا إذا أراد هو ذلك، أو لم يعُد قادرا على الحصول عليه، إما لعدم توفره، وإما لغلائه فوق قدرات المخزّن المادية، وقد يتركه لهذا السبب».