«بلاك بيري».. جهاز انتقل من أيدي السياسيين إلى المراهقين

موجة «بي بي» تجتاح السعودية على المستويات كافة.. وأحد أرقامه المميزة يتجاوز سعره 10 آلاف دولار

أحد أجهزة بلاك بيري (تصوير: إقبال حسين)
TT

يطلق الدكتور فهد آل خفير، وهو مستشار قانوني منذ 14 عاما، تنهيدة ارتياح عقب دوي رنين خفيف من هاتفه المحمول، نقر بعدها رده على المرسل، ثم اعتدل في جلسته، مبينا أن علاقته بزوجته باتت أقوى من السابق.

وقال الدكتور آل خفير، 39 عاما: «لعب جهاز البلاك بيري دورا في هذا الشأن». وهو يصر أن تكتب زوجته له كل ما يدور في ذهنها من طلبات أو «حكايات»، تتحول أحيانا إلى «نشرة الأخبار العائلية». مضيفا أنه ساعده كذلك على تذكر المستلزمات اليومية التي تحدّثها زوجته يوميا.

وكان الاتصال المستمر بالشبكة العنكبوتية على مدار اليوم سببا في انتقال أجهزة «بلاك بيري» من أيدي السياسيين وأصحاب المناصب العليا، التي تحتم عليهم التواصل المستمر مع الآخرين، إلى طبقة الشباب والمراهقين ذكورا وإناثا في السعودية تحديدا، وفي بقية دول الخليج عامة، كونهم يقضون معظم أوقاتهم على الإنترنت.

واجتماعيا، يعد التحديق إلى الآخرين أمرا يمارسه الناس في كل بقاع الأرض بشكل طبيعي، إلا أن كثيرا من سكان جدة أبَوا إلا أن يحدقوا إلى هواتفهم الجوالة فقط؛ إذ تشهد البلاد موجة واسعة في تداول أجهزة «بلاك بيري»، التي توصف بالموضة الأكثر انتشارا في عالم الأجهزة الجوالة في السعودية، بحسب «علي تيتو»، وهو «اسم حركي» لأحد الشباب الذين يعملون في برمجة الهواتف الجوالة في شارع فلسطين بجدة (غرب السعودية).

فالمشاهدة تبدأ ولا تنتهي، ففور إلقاء نظرة خاطفة داخل السيارات خلال التوقف عند الإشارات المرورية، وصولا إلى ردهات قاعات الانتظار في المستشفيات والمرافق العامة، وطاولات المطاعم، وجلسات المقاهي، وحتى عند مصعد المنزل، الكل يستخدم الـ«بي بي» - وهذه تسميته المختصرة؛ أول حرف من كلمتي «بلاك بيري» - من دون حصر.

وبين الأغطية الملونة وأنواعها المختلفة للجهاز، الذي راج في أميركا ما أن استخدمه الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء حملته الانتخابية، «تهافت الشباب والفتيات على اقتناء الـ«بي بي» - كما يحلو للشباب تسميته - من محال الهواتف الجوالة، ما دفعها - أي محال الهواتف - إلى جلب كميات أكثر، من مختلف الموديلات التي بلغ عددها حتى الآن في السوق السعودية أربعة موديلات تتراوح أسعارها بين 374 إلى 666 دولارا»، كما قال «تيتو».

ويضيف «تعتبر عملية إضافة أو إزالة البرامج إلى الـ(بي بي) صعبة في البداية، إلا أنها سرعان ما تصبح سهلة أكثر، وفي متناول نقرات أصابع مبرمجي الهواتف الجوالة، كمثيلاتها من الأجهزة الجديدة التي تدخل البلاد». صحافيا، قضى جهاز «بلاك بيري» على مسألتي الوقت والوجود داخل المكتب لإنجاز بعض المهام المتعلقة بالعمل؛ إذ يتمكن الصحافي من استعراض بريده الإلكتروني، أو إعداد مسودة لقصته التي يعكف على كتابتها أثناء وجوده في الميدان. كما يمكنه الرجوع إلى أرشيف الأحاديث الصحافية المسجلة على الجهاز نفسه إذا اقتضى الأمر ذلك، إضافة إلى الاستفادة من المهمات المعتادة المتوافرة في أي هاتف جوال، وهي إجراء المكالمات وإرسال الرسائل النصية ومتعددة الوسائط. كما يوفر الجهاز للمسؤولين في المؤسسات الصحافية فرصة مثالية لاستعراض صفحات عدد الصحيفة لليوم التالي، أو متابعة الأخبار العاجلة أو المتأخرة، كل ذلك وهم بعيدون عن صالات التحرير.

وينطبق الأمر نفسه على رجال الأعمال الذين استهدفتهم الخدمة في البداية، قبل أن تمتد لتشمل «فرق العمل» الميدانية، كالعاملين في مجال المبيعات أو أي مجال آخر، وصولا إلى المراهقين الذين أخذوا في تداوله فور توافره في الأسواق.

وما إن تدلف إلى محرك البحث واسع الشهرة «غوغل» وتكتب بالعربية «بلاك بيري»، سيُظهر لك المحرك نحو 117 مليون مادة موجودة في الشبكة تتحدث عن الجهاز. حيث شرع «الإنترنتيون» في مناقشة القضايا المتعلقة بالجهاز وبرمجياته وفوائده، فضلا عن مقارنته بالأجهزة الكفيَّة الأخرى، ولم يتجاهلوا مناقشة الإكسسوارات والكماليات للجهاز، إضافة إلى سرد قصصهم حول الشركات الأنسب المُقدمة للخدمة، والعمل على مقارنة الاشتراكات الخاصة بشركات الاتصال التي تقدم الخدمة، والتي هرعت مبكرا في اجتذاب العملاء مستخدمي «بلاك بيري».

كما يحرص كل من يقتني جهازا جديدا على نشر رقم «Pin» الخاص به في صفحته على «فيس بوك» أو «تويتر» أو «الماسنجر». لكن أحد الشبان، الذي كان يهم بإيقاف سيارته في موقف جانبي بالقرب من مستشفى الملك فيصل التخصصي أمام أحد المقاهي في شارع الروضة بجدة، يضع ملصقا صغيرا خلف سيارته، يشير إلى الرقم الخاص بجهازه، لمن يرغب في إضافته للتحدث عبر خدمة «bbm» المتوافرة في «بلاك بيري».

وقال الشاب العشريني، الذي رفض الحديث في البداية: «هي بالنسبة إلي مجرد موضة أجاري فيها (الصرعات) الجديدة التي يقتنيها الشباب»، معتبرا أن وضع رقم جهازه على زجاج السيارة مفيد.

وأضاف مبررا، مع أن تبريره قد لا يخرجه من دائرة استخدام التقنية بشكل خاطئ: «ربما أتعرض لبعض المفاجآت حين لا أكون موجودا بالقرب من السيارة، كأن تحجز سيارتي سيارة أحدهم، فعندما يضيفني عن طريق «Pin» يمكنه إخباري بأن سيارتي في مكان خاطئ من دون ضرورة الحصول على رقم هاتفي».

وتتيح تقنية «البلاك بيري»، التي لاقت انتشارا كبيرا في ظل العروض المغرية المقدمة من قبل شركات الاتصالات، فرصة التواصل مع الآخرين طيلة الوقت عبر جهاز جوال صغير، عوضا عن حمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة.

ويرى عبد العزيز السالم، ابن العشرين ربيعا والذي لا يزال يشق طريقه في مجال الهندسة، أنه من الضروري بالنسبة إليه مجاراة كل ما هو جديد في مجال التقنية والتكنولوجيا، عدا عن كون «بلاك بيري» يتميز بسهولة استخدام الإنترنت من خلاله، وتصفح البريد الإلكتروني والمواقع الأخرى وغيرها.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في استطاعتي استخدام (ماسنجر بلاك بيري) الذي يعتمد على رقم خاص لكل شخص مشترك في تلك الخدمة ليكون بمثابة عنوان إلكتروني شبيه بتلك التي يتم استخدامها في الماسنجر المعتاد»، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة معرفة رقم الهاتف الجوال للشخص المضاف لديه في قائمة «بلاك بيري».

وأضاف: «هناك من يبحث عن أرقام بلاك بيري مميزة وسهلة والتي تباع في المزادات، غير أنه في النهاية سيتم استخدامها كغيرها من الأرقام»، مبينا أن رقم «بلاك بيري» يتكون من ثماني خانات، تتخللها أحرف هجائية باللغة الإنجليزية.

وهنا يشير متعاملون إلى أن أسعار الـ«بلاك بيري» المميزة، التي يتم من خلالها إضافة الآخرين عبر الماسنجر، تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات؛ إذ يؤكد متعامل في هذا المجال أن أسعار بعض هذه الأرقام تصل إلى 40 ألف ريال (10.66 ألف دولار)، مفيدا بأنه قرأ في إحدى المجلات الخليجية أن أحد الأشخاص يرغب في بيع رقمه بهذا السعر، موضحا أن هناك أسعارا تتحكم فيها درجة التميز.

وهنا يعود السالم ليذكر أن أجهزة «بلاك بيري» الموجودة في السعودية حاليا تقتصر على ثلاثة أنواع، تتمثل في «كيرف» و«بولد» و«ستورم»، تختلف أسعارها باختلاف مميزات كل منها، لتتراوح ما بين 1900 و2400 ريال.

وأشار إلى أن استخدام هذه التقنية من شأنه أن يساعد على إضاعة أوقات الفراغ التي وصفها بأنها «ضائعة أساسا»، موضحا أن قائمة «بلاك بيري» الخاصة به تحوي نحو 21 إضافة جمعها في غضون شهر ونصف الشهر، كونه مشتركا فيما يقارب 16 مجموعة.

ودفع الإقبال الشديد على تلك التقنية مهند قزاز، الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، إلى إنشاء مجموعة عبر موقع «فيس بوك» الشهير تحمل اسم «بلاك بيري»، والتي شهدت انضمام نحو 300 عضو منذ إنشائها قبل أسبوعين.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «فضلت تقديم خدمة (بلاك بيري) للشباب عوضا عن استخدام الإنترنت في المنازل وغيرها، الأمر الذي يسهل على الأعضاء إضافة بعضهم بعضا عن طريق ذلك القروب»، لافتا إلى وجود «فئة من الشباب استخدمت هذه الخدمة بشكل سلبي، إلا أنها تعد مناسبة لمجالات العمل المختلفة».

وأضاف: «استطعت من خلال (بلاك بيري) تكوين صداقات عدة، والالتقاء بأصدقاء قديمين موجودين عن طريق المصادفة»، مبينا أن عدد أصدقائه قد وصل إلى نحو 60 شخصا خلال أسبوعين.

وأكد على أنه لا يسعى إلى إضافة أي شخص، وإنما يكتفي بما تأتيه من إضافات، إلا أنه قرر وضع رقم «بلاك بيري» الخاص به عبر صفحته الشخصية في موقع «فيس بوك» وذلك من باب «الطفش» على حد قوله.

بينما أبان نجيب فلفلان، أحد المهتمين ببيع أجهزة «بلاك بيري» عبر مواقع المزادات الإلكترونية، أن عدم المصداقية في التعامل مع مثل تلك المزادات كان سببا في اكتفائه بعرض جهاز واحد فقط.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حددت سعر الجهاز بألفي ريال، غير أن البيع يكون لأعلى سعر وفق مواصفات الجهاز ومزاياه»، مشيرا إلى أن فئة الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 25 و36 سنة أكثر إقبالا على ما يعرضه من أجهزة.

وأضاف: «لا يزال (بلاك بيري) تقنية جديدة في السعودية، غير أنها متداولة بشكل كبير خارجها، إضافة إلى أن استخدامها خاص برجال الأعمال وأصحاب السفر الكثير باعتبارها بديلا عن أجهزة الجوال».

وأردف قائلا: «أصبحت أجهزة (بلاك بيري) سببا في تجاهل المراهقين لأفراد المجتمع من حولهم فور الإمساك بها، كونها تتيح لهم التحدث على مدار الوقت عبر الماسنجر».

وكعادة كل صرعة تشهدها البلاد، سيجيء اليوم الذي سيخفت فيه ضوء «البلاك بيري» ويبرز سؤال جديد: ما القادم؟