زرداري يتحدى خصومه.. بتكثيف الزيارات الميدانية في مدن باكستان

يريد رفع شعبيته لتجاوز خلافاته مع المؤسسة العسكرية والحقوقيين

آصف علي زرداري
TT

للمرة الأولى خلال شهور يقوم الرئيس الباكستاني، آصف على زرداري، بالمهام الرئاسية المعتادة التي يمارسها نظراؤه في مختلف دول العالم، حيث قام بجولة شملت الأقاليم الباكستانية الرئيسية، وألقى عددا من الخطابات الحماسية حاول فيها تعزيز مكانته أمام الباكستانيين كمسؤول أول في البلاد.

هذا السلوك غير المألوف بالنسبة لقائد نادرا ما يترك قصر الرئاسة إلا للسفر إلى الخارج، كسر الصمت الذي ساد في أعقاب حملة الانتقادات التي امتدت على مدار شهور في وسائل الإعلام خلال العام الماضي، والتي دفعت بالكثير من المحللين إلى الاستنتاج أنه يفقد سيطرته على الحكم، لكن صحيفة «دون» اليومية الصادرة بالإنجليزية رأت عكس ذلك، فقالت في مقالها الافتتاحي «لم ينجح سيناريو يوم الحساب الذي أعدته المعارضة لزرداري». ويبدو من المرجح الآن أن زرداري سيتمكن من الاستمرار في السلطة، لكنه في الوقت ذاته سيظل فاقد القوى، ولا يحظى بشعبية كبيرة، ما سيترك تساؤلا كبيرا لباكستان لم يتغير: متى سيتمكن قادتها المنتخبون من حل مجموعة المشكلات الضخمة بدءا من الاقتصاد المتداعي والأمن والمشكلات الاجتماعية التي تواجه البلاد؟

يشكل هذا السؤال أهمية خاصة بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تعتمد على التعاون الباكستاني، للمساعدة في تنفيذ استراتيجيتها الحربية الجديدة في أفغانستان.

وفي الوقت الذي كان فيه زرداري منفتحا على العروض الأميركية وأيد الحرب ضد مقاتلي «القاعدة» سابقا بذلك خصومه السياسيين، فإن ضعف موقفه السياسي أضعف من قدرته على الدفاع بفاعلية عن السياسات الأميركية التي يدعمها، مثل اتفاقية المساعدات الأميركية الضخمة التي وقعت العام الماضي.

ونتيجة لهذا الضعف الذي يعاني منه زرداري على الجبهة الداخلية، واصلت الولايات المتحدة الاعتماد بقوة على المؤسسة العسكرية القوية في البلاد، وهو تقليد يعود إلى عقود سابقة، لكنه في الوقت ذاته لا يعمل إلا على تقويض هدف إدارة أوباما من تعزيز الديمقراطية في باكستان.

بدأ زرداري جولته في 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي في إقليم السند ثم سافر إلى بلوشستان (غرب) ثم اتجه هذا الأسبوع إلى البنغاب الإقليم الأعلى ارتفاعا في نسبة عدد السكان، ثم بعد ذلك سيتجه إلى بيشاور عاصمة إقليم الحدود الشمالي الغربي الذي مزقته الحروب.

تناولت الصحف خبر هذه الزيارات بصورة سلبية، فقالت صحيفة «ديلي نيوز» الصادرة بالإنجليزية، في مقالها الافتتاحي يوم السبت: «لقد تحطمت كل آمال زرداري»، لكن في الوقت الذي ربما يكون فيه زرداري قد استعاد بعضا من الفضاء السياسي وبعضا من شعبيته التي تدهورت على مدى الشهور الماضية بين أنصار حزبه حيث تصدر عناوين الصحف التي كانت قبل شهر مضى تناصبه العداء، يرى الكثير من المحللين أن هذه الجهود تأتي كمحاولة أخيرة لمواجهة خصومه السياسيين وإنقاذ رئاسته. وقال حسن عسكري رضوي، المحلل الباكستاني: «بات على يقين أن المؤسسة القضائية أو العسكرية إذا رغبتا في الإطاحة به فهم قادرون على ذلك، لكنه يرغب في الصمود وهو ما منحه دافعا جديدا للحياة، لكن مشكلته الرئيسية تظل كما هي».

ولعل أكثر المشكلات التي يعاني منها زرداري هي علاقته المضطربة بالمؤسسة العسكرية الباكستانية، والتي حكم قادتها ما يزيد على نصف عمر باكستان البالغ 62 عاما، وعندما تولى زرداري الحكم عام 2008 تبنى لغة تصالحية مع الهند التي تناصبها المؤسسة العسكرية العداء، لكنه عاد ليتخلى عن هذه المواقف، وحاول خلال الشهر الحالي التخفيف من حدة التوتر حيث امتدح المؤسسة العسكرية، كما أزال عقبة أخرى الشهر الماضي عندما سلم مسؤولية الترسانة النووية الباكستانية لرئيس وزرائه يوسف رضا جيلاني القائد الأكثر مرونة والأكثر قبولا لدى المؤسسة العسكرية، لكن هناك احتمال للمواجهة يبدو في الأفق هذا العام، حيث تنتهي مدة خدمة قائد الجيش هذا العام والقوة المخولة لتعيين هذا الشخص هو زرداري. ربما يأتي التهديد الأكثر آنية لزرداري، كما يقول المحللون، من كبير قضاة المحكمة العليا، افتخار محمد شودري الذي اكتسب شعبية كبيرة عبر تبنيه قضايا حقوق الإنسان ومحاربة الفساد، ففي ديسمبر الماضي ألغت المحكمة العليا العفو الذي شمل مئات السياسيين الباكستانيين من المحاكمات بالفساد، ومن بينهم زرداري نفسه وعدد من حلفائه، وفتح الباب أمام قضايا الفساد ضده، ويقول مناصرو زرداري، إن الرئيس يملك حصانة بموجب الدستور. ويقول منتقدو كبير قضاة المحكمة العليا، وبينهم ناشطون كبار في حقوق الإنسان، إنه تجاوز نطاق صلاحياته ويستغل شعبيته للخوض في السياسة، وهي تهم ينفيها، ومن المتوقع أن يقع صدام آخر في الآونة الأخيرة حول تعيين قضاة المحكمة العليا. وقال نجم سيثي رئيس تحرير صحيفة «ذا فريداي تايمز»: «بدأت القوى القضائية تظهر كقوة حقيقية ذات طموحات شعبية، ما خلق أزمة كبيرة، ومن المتوقع أن يظهر هذا النزاع بين زرداري والهيئة القضائية في القريب العاجل».

أحد التأثيرات المتوقعة أن يحاول زرداري تقليص سلطاته بصورة كبيرة، عبر التخلي عن السلطات الواسعة التي ورثها عن سلفه برويز مشرف، الأمر الذي وعد بالقيام به خلال حملته الانتخابية. وقد أثبتت تلك السلطات أنها عائق أكثر منها ثوابت يمكن التعويل عليها، وأصبحت أداة في يد خصوم زرداري وبينهم رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، الذي طالب بتخلي الرئيس عنها واستعادة النظام البرلماني لباكستان.

وإلى الآن، لم ينضم نواز شريف إلى الأصوات المطالبة باستقالة زرداري، لكن أخاه شهباز شريف، الوزير الأول بإقليم البنغاب، اتخذ موقفا متشددا، وكان أفراد عائلة شريف أبرز الغائبين خلال زيارة زرداري للبنغاب، وأصدرت مجالس الشعب في الأقاليم الباكستانية المختلفة قرارات تأييد لزرداري عدا مجلس البنغاب. وعلى عكس القضايا الأخرى في باكستان يبدو من غير المتوقع، على الأقل بالنسبة الآن، أن يكون خصوم زرداري السياسيون سببا في استقالته، في دولة بهذا التاريخ الطويل من الانقلابات، حتى أكثر منتقديه شدة يرغبون في العيش في ظل حكومة مدنية.

والغريب أن ضعف زرداري نفسه يمكن أن يخدمه في نهاية الأمر، حيث يبدو الجيش غير راغب في العودة مرة أخرى إلى السياسة بصورة مباشرة، بعد أن تشوهت صورتها خلال سنوات الحكم العسكري لمشرف، وفي الوقت نفسه، فإن القائد السياسي الضعيف لا يشكل أي تهديد لقادة المؤسسة العسكرية.

* خدمة «نيويورك تايمز»