فرنسا تتسابق مع «غوغل».. من أجل صيغة رقمية للكتب

خصصت مليار دولار لحماية تراثها العلمي إنترنتيا.. ودعوات لواشنطن لتحذو حذوها

TT

بعد تخصيصها لميزانية ضخمة تصل إلى 750 مليون يورو (مليار دولار) لحماية تراثها الأدبي والعلمي المكتوب وتحويله إلى الصيغة الرقمية، شرعت فرنسا في تنفيذ مهمات تحويل كتبها ومطبوعاتها إلى كتب رقمية بهدف الحد من هيمنة «غوغل»، بوابة الإنترنت الأميركية العملاقة، على سوق الكتب الرقمية، ولمنع تحول «غوغل» إلى «أمين مكتبة رقمية عالمي».

وكانت «غوغل» قد نجحت في تصوير أكثر من 10 ملايين كتاب بأكثر من 100 لغة، وأعلنت أنها بصدد مسح 32 مليون كتاب، سواء من المطبوعة أو تلك التي نفدت من الأسواق، وقامت بالفعل بعقد اتفاقيات مع دور نشر لتحويل كتبها الورقية إلى رقمية، إلا أن مشروعها الضخم تعرض لحملة من الاعتراضات خصوصا في أوروبا التي لا تزال تدرس المشروع.

ويعكف العاملون في شركة «سافيج» الفرنسية، وهي واحدة من عدة مؤسسات أوروبية تعمل على تحويل الكتب المطبوعة إلى كتب رقمية، على تنفيذ الخطة الفرنسية لإنشاء مكتبة هائلة على الإنترنت، وتحسين موقف فرنسا أمام «غوغل»، وصرح كريستوف دانا المسؤول عن المشروع وهو يقف أمام أجهزة المسح الإلكترونية (سكانر) والأذرع الآلية التي تقلب صفحات الكتب، «إننا نمر في فترة تتسم بالحساسية السياسية، ومهما كانت النتيجة فإنها ستحدد مستقبل سوق الكتب».

ويرى المعجبون بخطة فرنسا لتحويل مكتباتها ومتاحفها نحو الصيغة الرقمية، أنها تمثل اتحادا بين الفخر الثقافي والاستراتيجية الصناعية، فيما يشير المتشككون إلى أن أي جهد فرنسي حتى الآن، مثل ذلك الذي يمثله التعاقد مع شركة «سافيج» ومدته 3 سنوات لمسح 300 ألف كتاب لحساب المكتبة الوطنية، يتضاءل بجانب الكمية الهائلة من الكتب الرقمية لـ«غوغل» أي 10 ملايين كتاب، إلا أن إحدى النتائج المحتملة للخطة الفرنسية هي التوصل إلى تسوية مع «غوغل» يمكن أن تسرع من عملية التحويل الجماعي للكتب لتصبح رقمية، وأضاف، دانا، أن ورش الشركة تعمل «مثل المصنع نوعا ما، إننا لا نصنع السيارات لكن هناك تشابه كبير»، كما نقلت عنه وكالة «رويترز»، وتحصل «سافيج» على أجورها مقابل الصفحة، بغض النظر عما إذا كانت تنفذ عملية مسح لرواية كلاسيكية أم لمجلدات النظم والتعليمات القانونية القديمة التي حال لون أوراقها إلى اللون الأصفر.

ويرى محللون تشابها ثانيا لما تقوم به فرنسا حاليا مع ما حدث في صناعة السيارات، إذ اتهمت فرنسا بالحمائية والعداء تجاه المؤسسات الأجنبية، وهي الآن تعيد تشكيل سوق النشر فيها، البالغة قيمتها 4 مليارات يورو، ويشار إلى أن مكتبة الكونغرس، وهي أكبر مكتبة في العالم، حولت الكثير من محفوظاتها المعتادة إلى الصيغة الرقمية التي ضمت أكثر من 7 ملايين صورة وخريطة وتسجيل صوتي وشريط مصور وصحيفة ورسالة ومفكرة يمكن الوصول إليها والاطلاع عليها في محفوظات المكتبة الرقمية على موقعها على شبكة الإنترنت.

وكان الرئيس نيكولا ساركوزي قد تعهد بألا تسمح فرنسا لنفسها بأن «تجرَّد» من كنوزها الأدبية بينما انتقد مثقفون فرنسيون إحدى المكتبات في ليون لتوقيعها اتفاقا مع «غوغل» لتحويل الكتب إلى رقمية ووصفوه بأنه «تحالف مع الشيطان».

ويشعر كثير من الفرنسيين بأن مسرحيات موليير وقصائد بودلير كنز قومي له أهمية أكبر من صناعة السيارات، وأن الدولة محقة في أن تعطيها اهتماما خاصا.

ويعزز موقف فرنسا هذا، الدعوات العالمية لحماية التراث الوطني، إذ قال، روبرت دارنتون، مدير مكتبة جامعة هارفارد الأميركية، إنه يريد أن تحذو الولايات المتحدة حذو فرنسا، وقال للصحافيين على هامش مؤتمر بباريس «إن التكنولوجيا موجودة وربما الأموال موجودة لخلق جمهورية الحروف من جديد»، وأضاف: «يجب أن تدعم الدولة تكلفة تحويل ما تطلق عليه (التراث)، أي ممتلكاتنا التي تملكها الأمة بأسرها، إلى كتب رقمية».

وكانت فرنسا قد أبدت استعدادها للحديث مع «غوغل» بشأن مشروع مشترك لكنها تريد الحصول على شروط أكثر سخاء بكثير من تلك التي حصل عليها شركاء آخرون، وعلى سبيل المثال تبادل الكتب مجانا، ويمثل هذا الموقف تحولا بعد أن ترك جان نويل جانيني منصب مدير مكتبة فرنسا الوطنية عام 2007، وكان جانيني من أشد منتقدي «غوغل»، بل إنه ألف كتابا يهاجم فيه مشروع الكتب الذي أقامته الشركة الأميركية بوصفه تهديدا لكل ثقافة غير إنجليزية، وبموجب الاتفاق المقترح يمكن أن تسمح المكتبة الوطنية الفرنسية لـ«غوغل» باستخدام كتبها الرقمية، وفي المقابل يتاح لها استخدام مجموعة «غوغل» الأكبر بكثير، مجانا. وقال سايمون موريسون المتحدث باسم «غوغل»، إننا نرحب بروح الاقتراح ويسعدنا الحوار، وباتت المسألة ملحة بعد تزايد الاهتمام بتحويل الكتب إلى كتب رقمية على مدار العام المنصرم، ومع اكتساب أجهزة القارئات الإلكترونية شعبية، سيكون قطاع الكتب القطاع التالي الذي تشمله ثورة الإنترنت بعد الموسيقى والأفلام، وتقدر شركة «فورستر» لأبحاث التكنولوجيا مبيعات القارئات الإلكترونية في الولايات المتحدة وحدها بـ3 ملايين وحدة عام 2009، وتتوقع أن يتضاعف هذا العدد ليصل إلى أكثر من 6 ملايين عام 2010، ويخشى البعض من أن يقتل هذا التحول الكبير الكلمة المطبوعة بكل ما فيها من سحر، بينما يتلذذ البعض بفكرة أن يستكشفوا على شاشاتهم جواهر الكتب التي نفدت طبعاتها والتنقيب في «وثيقة الحقوق» البريطانية أو الطبعات الأولى من رواية «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير.

ويستمتع العاملون في المشروع الفرنسي بما يرونه من الكلمات المطبوعة التي تصورها أجهزة المسح الإلكتروني كل يوم، ويتحدثون عن الإثارة التي ينطوي عليها تحويل سجلات الأديرة المكتوبة بخط اليد إلى الصيغة الرقمية أو الصدمة التي يشعرون بها عند إخراج رسوم كاريكاتيرية عنصرية قديمة من أعماق المكتبة الوطنية.

وقال كولان كليمان (25 عاما) وهو يشرح عمل الماسحات الإلكترونية المختلفة، «إن تحويل الكتب إلى كتب رقمية أمر جيد لحماية الأعمال الأصلية من الاستخدام المفرط، وإتاحتها ليطلع عليها الجميع، لكن النسخ الرقمية أقل (تأثيرا) بكثير من ناحية المشاعر، وخصوصا المشاعر التي تصاحب لمس كتب الأعمال الأصلية».