فرنسا: لجنة برلمانية تقترح منع ارتداء النقاب في الدوائر الرسمية والنقل العام

ساركوزي يزور مقبرة المسلمين العسكرية.. وممثلو الجالية يشيدون بالبادرة «الرمزية»

TT

اختار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم أمس الثلاثاء لزيارة مقبرة «نوتردام دو لواريت» العسكرية الواقعة قريبا من مدينة أراس (شمالي فرنسا)، لتكريم ذكرى الآلاف من الجنود المسلمين من دول المغرب وأفريقيا الذين سقطوا دفاعا عن التراب الفرنسي، في اليوم الذي قدمت فيه لجنة برلمانية تقريرها حول ارتداء النقاب في فرنسا.

ورأس ساركوزي احتفالا في المقبرة العسكرية التي تضم مربعا مخصصا للجنود المسلمين. وكان المربع شهد ثلاث مرات، عمليات تدنيس قامت بها مجموعة يمينية متطرفة آخرها قبل نحو عام.

وقال «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» إن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفرنسي بادرة «قوية» وتحمل «شحنة رمزية عالية»، خاصة أنها تعد «تكريما لذكرى الجنود المسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا، حيث إن مدافنهم دنست أكثر من مرة بكتابات عنصرية ومعادية للإسلام». ورأى المجلس في ما قام به الرئيس الفرنسي تذكيرا بالمساهمة الكبرى للجنود المسلمين «المنسيين» في تحرير فرنسا من النازيين، مذكرا بأن مليونين ونصف المليون جندي مسلم من أفريقيا وبلدان المغرب العربي ساهموا في تحرير فرنسا.

تأتي بادرة الرئيس الفرنسي فيما الشعور السائد لدى فئة واسعة من مسلمي فرنسا أنهم مستهدفون؛ إما عبر النقاش الدائر منذ أشهر حول الهوية الوطنية وهو الذي أطلقه إريك بيسون وزير الهوية الوطنية وشؤون المهاجرين، أو عبر الجدل غير المنقطع حول ارتداء النقاب على الأراضي الفرنسية، علما أنه ظاهرة هامشية ولا يعني، وفق أرقام وزير الداخلية بريس هورتفو، سوى أقل من ألفي امرأة.

وأمس، كشفت اللجنة البرلمانية التي انكبت على دراسة الموضوع لستة أشهر، عن تقريرها والتوصيات التي يتضمنها بعد التصويت داخلها على صيغة التقرير. لكن على الرغم من التصويت على التقرير، فإن الانقسامات بقيت حادة داخل اللجنة وداخل معسكري اليمين واليسار الممثلين فيها. ومع أن الجنة المشكلة من خمسين نائبا أجمعت على إدانة ارتداء النقاب ورأت فيه «ثمرة انغلاق طائفي وراية للحركة السلفية والمتطرفة»، فإنها لم تنجح في الاتفاق على التوصيات المرفوعة بسبب الخلاف بين تيار «متشدد» يدعو إلى منع ارتداء النقاب منعا تاما بما في ذلك في الشوارع والأماكن العامة، بينما التيار «المعتدل» اكتفى بالمطالبة بمنعه في الدوائر الرسمية ووسائل النقل العام ومداخل المدارس وغيرها.ويدعو التقرير البرلمان الفرنسي إلى التصويت على قرار يدين ارتداء النقاب ويعتبره «مخالفا لقيم الجمهورية الفرنسية» ويؤكد أن «كل فرنسا ترفض النقاب» ويندد بالممارسات «التمييزية» التي تتعرض لها النساء. غير أن قرارا كهذا ليس ملزما لا للبرلمان ولا للحكومة؛ إذ يكتفي بتأكيد المبادئ العامة. لذا، فإن اللجنة توصي باستصدار قانون يمنع ارتداء النقاب من غير أن يسميه لتفادي تهمة التعرض للديانة الإسلامية بالدعوة إلى أن ينص القانون على مادة تمنع «تغطية الوجه» أي تمنع ارتداء النقاب في مكاتب الخدمات العامة (الإدارات، والمستشفيات، والنقل العام، ومداخل المدارس..) على أن تصدر تعميمات تنفيذية لهذا الإجراء. ولن يعكف البرلمان على دراسة قانون كهذا قبل الانتخابات الإقليمية التي ستجرى في مارس (آذار) القادم. وحسب التقرير، فإن القانون لا يكتفي بطلب الكشف عن الوجه على مداخل الدوائر والمقرات الرسمية، بل أن يبقى الوجه مكشوفا طيلة فترة الوجود في هذه الدوائر. وفي حال الرفض، يحق للدوائر المعنية حجب الخدمات عن المرأة المخالفة. ويترك التقرير الباب مفتوحا أمام حرمان المرأة مرتدية النقاب وزوجها من الحصول على الجنسية الفرنسية في حال كانت أجنبية كما لا يستبعد مستقبلا تحريم النقاب في المحلات التجارية والبنوك. ويدعو التقرير إلى إدخال تعديلات على القانون المدني تعد بموجبه الممارسات الدينية الجذرية مثل ارتداء النقاب دليلا على العجز عن الانخراط في المجتمع الفرنسي. كذلك يشدد على أهمية تعديل قانون دخول وإقامة الأجانب للتأكيد على مبدأي العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة. غير أن مجموع هذه الإجراءات لم يشف غليل من يريد منعا مطلقا لارتداء النقاب في الأماكن العامة كافة، وهو ما برز عند التصويت على التقرير. ويوجد مثل هذا التوجه لدى اليمين واليسار على السواء. غير أن الأمر اللافت أن اللجنة النيابية لم تنجح في إقرار مقترحين طالب بهما المسلمون، ويتناولان إنشاء «معهد وطني للدراسات الإسلامية» وإطلاق لجنة برلمانية تنكب على دراسة مظاهر معاداة الإسلام في فرنسا.

على أية حال، سيطول النقاش حول النقاب، خاصة أن بعض اليمين يرى فيه بابا لاستجلاب الدعم السياسي بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الفرنسيين تعارض ارتداءه. وينوي جان فرنسوا كوبيه، رئيس مجموعة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم تقديم اقتراح قانون لمنع النقاب منعا تاما في الأماكن العامة. ويؤكد كوبيه أنه يحظى بدعم 200 نائب، وهو يقترح تغريم المرأة المخالفة مبلغ ألف دولار.