صحافيون يعيشون مشاهد دامية يوم هجمات الفنادق في بغداد

صحافية من فريق «واشنطن بوست»: حالفنا الحظ لأن أحدا من أعضاء فريقنا لم يمت

TT

تجاهلنا الانفجار الأول، الذي وقع قبيل الرابعة بعد الظهر بقليل، حيث بدا بعيدا. جلس رجل وابنته على أريكة داخل مكتب «واشنطن بوست» في بغداد، حاملا في يديه صورة لابنه المفقود. وكان يرغب في الحديث إليّ عن معاناة أسرته. بعد الهجوم، قال لي الرجل: «لا تقلقي، فهذا أمر معتاد في بغداد». ومضينا قدما في الحديث. إلا أن الانفجار الثاني، الذي وقع في غضون دقائق بعد الأول، تسبب في اهتزاز نوافذ المكتب، فنهضنا من مقاعدنا، وقام عزيز علوان، أحد مراسلينا العراقيين، بنقلي والضيوف وزميل من «هيئة الإذاعة الوطنية» إلى غرفة خالية من النوافذ خلف المطبخ. وحسبنا أن الأمر قد انتهى، وانتابني شعور بالحرج من إجبارنا الضيوف على المكوث في مثل هذا المكان الضيق. ثم نمت إلى مسامعنا أصوات طلقات وانفجار ثالث يصم الآذان، وبدا المنزل القائم داخل مجمع «فندق الحمراء» وكأنه على وشك الانهيار، وسمعنا صراخا في الخارج. سار مدير مكتبنا، أبو محمد، ماسكا رأسه الذي ينزف، وجرحت إحدى يدي علوان وظهرت كدمات على فخذيه، ومع ذلك، لم يخبر أحدا، وتجاهل الألم الذي ألم به ومضى في سحب الجميع إلى خارج الغرفة حتى انهار. في تلك اللحظات، لم تكن لدينا أدنى فكرة عمن كان حيا ومن كان ميتا. كانت إحدى زميلاتنا في الطابق العلوي وقد وصلت إلى بغداد قبل التفجيرات بساعات قليلة، وكانت تبدل ملابسها بعد الاستحمام، وعندما صعدنا إليها، وجدناها ملقاة على الأرض. وسارع أحد العاملين بالمكتب إلى إخراج معدات الإسعافات الأولية وشرع في ربط ضمادات حول رأس أبو محمد. وعانى زميل آخر، نصير فضل، أيضا من إصابة في الرأس. انتظرنا معا داخل الغرفة المظلمة، خشية وقوع مزيد من التفجيرات. وبعد عشر دقائق، خرجنا منها، وظل ذهني مشغولا بالصور الكثيرة الأسوأ بكثير التي كان يمكن أن يصبح عليها ذلك اليوم. انتشرت على الأرض شظايا الزجاج، التي اخترقت أيضا المقاعد الموجودة بجانب النوافذ التي عادة ما يجلس عليها زملاؤنا المراسلون. وكانت الأرائك التي كنا نجلس عليها مغطاة بقطع كبيرة من الزجاج من الباب الزجاجي الضخم المؤدي إلى الحديقة الملحقة بالمكتب.

في ذلك اليوم، كان الحظ حليفنا لأن أحدا من أعضاء فريقنا لم يمت. تجولت عبر حطام مكتبنا، الواقع قرب «فندق الحمراء»، باتجاه موقع التفجير مع صديقتي داليا حسن. عمل أفراد فرق الإنقاذ على البحث عن ناجين بين حطام مبنى سكني منهار يقع مباشرة أمام الحفرة الناجمة عن الانفجار، حيث تم تفجير شاحنة صغيرة طراز «كيا»، مما أسفر عن انهيار المبنى. كان الحطام الذي سرت عليه جزءا من منازل، بينما تفحمت السيارات المحيطة بالمكان. في الشارع الموجود أمام الفندق شاهدت يدا مبتورة أسفل سيارة متفحمة. وغطت بطانية بنية اللون جثة بلا رأس. غطت الدماء الشرفات الخاصة بفندق «أرض الزهور»، في الجهة المقابلة لـ«الحمراء». ربما كانت تلك الدماء من جثة سائق الشاحنة التي انفجرت في المجمع السكني الذي نقطنه، وربما أيضا كانت تخص عابرا لا ذنب له. سحب عمال الإنقاذ جثة سيدة من أسفل حطام المبنى السكني المؤلف من طابقين الذي كان الأكثر تضررا من الانفجار. وسرعان ما غطوها ببطانية بيضاء وتعالى صياح جندي عراقي قائلا: «توقفوا عن التقاط الصور. ألا ترون أنها ميتة؟». وهرولت امرأة باتجاه المبنى الذي كانت أسرتها بداخله والدماء تغطي وجهها وصرخاتها تملأ الجو، واضطرت مجموعة من الرجال إلى إيقافها والإمساك بها. صرخت امرأة أخرى: «لا أحد يشعر بألمنا». في ذلك اليوم، امتدت التفجيرات وأعمال القتل والعنف الذي يعصف بهذه المدينة إلى داخل مجمعنا السكني المحاط بأسوار خرسانية وحراس. وكثيرا ما يتحدث إليّ العراقيون بامتعاض حول كيف أن العالم يصدق أن دماءهم رخيصة. في الاثنين، حتى قبل مسح الدماء وجمع الركام وسحب الجثث من تحت الأنقاض، أقسم سياسيون بألا يقوض هذا الهجوم الانتخابات البرلمانية القادمة. لكن ذلك لم يخفف من لوعة من فقدوا أحباءهم. من جهتهم، وصف مسؤولون هذه الهجمات بأنها لا تعدو توترات مؤقتة على صعيد هذه المدينة الهادئة نسبيا. تلك هي الحياة داخل العراق. في أي لحظة، قد تنتهي حياتك، أو حياة طفلك أو قد ينهار منزلك. لدى عودتنا إلى المكتب، وجدت أبو محمد في انتظار فريق العمل كي يحملونه إلى المستشفى بجانب زملائنا الآخرين المصابين. لكن جميع الطرق القريبة كانت مغلقة. وهرعنا إلى الاتصال بمسؤولين أميركيين طلبا للمساعدة. وبعد قرابة أربع ساعات، وصل إلينا جنود أميركيون، وقالوا إن المرور المتعطل بشوارع المدينة هو الذي حال دون وصولهم مبكرا. وقف أحد سائقينا في البهو تغطي بقع من الدم قميصه، وكان قد نقل أسرته إلى داخل المجمع بعدما هددته ميليشيا شيعية وهددت أسرته خلال سنوات العنف الطائفي، وقال لي وهو يبكي: «أصيب ابني. أين يمكن لأسرتي أن تصبح بمأمن؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»