مؤتمر اليمن في لندن اليوم.. وعلماء ومشايخ يمنيون يرفضونه

السفير البريطاني بصنعاء ينفي وجود جدول اعمال خفي.. ومنظمات تضع أمامه مطالب

شرطية يمنية تدرب زميلتها على استعمال المسدس خلال مسابقة داخلية في اكاديمية الشرطة في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط جدل بين القوى السياسية في صنعاء, ينعقد اليوم في لندن مؤتمر حول اليمن، يهدف إلى تقديم الدعم للحكومة اليمنية في جهودها الرامية إلى تثبيت الأمن في البلاد، ويرأس المؤتمر الذي لن يستمر أكثر من ساعتين، وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، ويمثل اليمن برئيس الوزراء علي محمد مجور ووزير الخارجية أبو بكر الكربي، ومن المفترض أن يعقد ميليباند والكربي مؤتمرا صحافيا مشتركا مساء اليوم للإعلان عن نتائج المؤتمر.

ويشارك في المؤتمر عدد من وزراء خارجية الدول العربية، إضافة إلى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مصحوبة بوفد مرافق، ومن بين الدول العربية المشاركة في المؤتمر، دول التعاون الخليجي (السعودية، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، والكويت والبحرين)، إضافة إلى مصر وتركيا والأردن، كما تشارك فرنسا وكندا وألمانيا واليابان وروسيا وهولندا، إضافة إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي الجديدة كاثرين آشتون، وممثلين عن الأمم المتحدة، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي صنعاء، نفى السفير البريطاني لدى اليمن، تيم تورلوت، وجود أي نوايا لدى بلاده للعودة لاستعمار اليمن بعد أن غادرت القوات البريطانية جنوب اليمن قبل أكثر من 130 عاما، كما نفى أن يكون لدى بريطانيا أي جدول أعمال خفي في مؤتمر لندن الذي ينعقد اليوم.

وقال إنه لا أساس من الصحة لما تناولته بعض التقارير في الإعلام اليمني التي تقول «إننا نخطط لتقسيم اليمن أو إعادة استعماره أو بناء قواعد عسكرية أو احتلاله»، وأضاف تورلوت في مقال صحافي، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه وينشر اليوم في الصحافة اليمنية، أن العلاقة الحالية بين بريطانيا واليمن هي «بين دولتين مستقلتين ذواتي سيادة» وأن بلاده لا تتدخل في شؤون الآخرين، لكن «في بعض الأحيان قد تتداخل المصالح فنعمل مع بعض بعضا كأصدقاء وكشركاء».

وأثار انعقاد مؤتمر لندن المقرر اليوم بمشاركة دولية واسعة، جدلا في اليمن، خاصة لدى رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني التي تخشى من استخدام الحكومة اليمنية للحرب على الإرهاب والمساعدات التي ستحصل عليها من المجتمع الدولي، كورقة ضد المعارضة والخصوم السياسيين بوصفهم بالإرهابيين أو إلصاق تهم الإرهاب بـ«الحراك الجنوبي»، إضافة إلى التوجس المحلي من دخول قوات أجنبية إلى اليمن، وهو ما يرفض رسميا وشعبيا بصورة كبيرة.

وعقد العشرات من علماء ووجهاء القبائل اليمنية، أمس، اجتماعا حاشدا في صنعاء، وذلك لمناقشة التطورات المتلاحقة في اليمن من حرب على الإرهاب و«القاعدة» وحرب مع الحوثيين وتطورات «الحراك الجنوبي» المطالب بـ«فك الارتباط» للوحدة بين الشمال والجنوب، وفي مقدمة ذلك مؤتمر لندن، الذي اعتبروه، بصورة غير مباشرة، ضمن «المؤامرات التي تحاك ضد اليمن»، ومحاولة لـ«تدويل مشكلات الوطن الداخلية».

وعلى العكس من موقف العلماء والمشايخ الرافضين بصورة مباشرة لانعقاد المؤتمر، فإن منظمات المجتمع المدني التي عقدت منتدى موازيا لمؤتمر لندن، ترحب بانعقاد المؤتمر، لكنها في الوقت نفسه تطرح أمامه جملة من المطالب، لخصت في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون وإلى الدول المشاركة في المؤتمر. وطالبت الرسالة المشاركين في المؤتمر بتحديد و«ضبط مفهوم الإرهاب» بشكل واضح، وذلك لتلافي الالتباس القائم في هذا الشأن وكي لا يكون غياب تعريف محدد للإرهاب «وسيلة لتوظيف مشروعات الحرب على الإرهاب في اليمن في المعارك مع الأحزاب السياسية والجماعات المطلبية والمدنية والحقوقية»، واتهمت الرسالة الحكومة اليمنية بالقيام، خلال السنوات الأخيرة، بـ«التحايل على الشركاء الدوليين في الحرب على الإرهاب»، وذلك بـ«تقديم خصوم سياسيين على أنهم إرهابيون مع التراخي في القيام بإجراءات جديدة تجاه المجموعات الإرهابية».

وانتقدت الرسالة «الضربات الاستباقية» عبر الغارات الجوية وما سمته «القتل خارج القانون»، مع التأكيد على أن عمليات مكافحة الإرهاب «يجب أن تستمد وتخضع للمشروعية الدستورية باتباع الإجراءات القانونية اللازمة»، وكذا تقديم المشتبه بهم في قضايا الإرهاب إلى القضاء مع «ضمان حقهم في محاكمة عادلة وفق المعايير الدولية»، ورفض إجراءات الحكومة اليمنية «الاستثنائية» ومنها، حسب المنظمات الموقعة على الرسالة، «الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وترحيل الأجانب، والتعذيب، والتنكيل بالأهالي وخضوعهم لمحاكمات استثنائية».

وضمن ما طرحت الرسالة مطالبة الدول المشاركة في مؤتمر لندن بحث الحكومة اليمنية لإجراء «عملية إصلاح شاملة»، تتجاوز «الإجراءات الأمنية والعسكرية، إلى تقديم حلول جذرية للأوضاع الاقتصادية والأزمات السياسية»، وشددت المنظمات اليمنية على «استبعاد معالجة الإرهاب عبر التدخل العسكري»، لأن أي تدخل سيتسبب في «مفاقمة الأوضاع المضطربة والهشة» وربما يحول البلاد إلى «ساحة للصراع الدولي والإقليمي».

كما طالب أعضاء المنتدى الموازي بضرورة اتخاذ «الإجراءات والتدابير اللازمة التي تحول دون استمرار تدفق الجماعات المتطرفة والعناصر المشتبه بصلتها بالإرهاب إلى اليمن، خاصة من دول المحيط الإقليمي»، إضافة إلى مطالب بإجراء اليمن لإصلاحات تشريعية وقانونية واحترام حقوق الإنسان والحريات الصحافية وإصلاحات قضائية وربط القيام بذلك بتقديم المساعدات المالية للحكومة اليمنية.

في الجنوب، واصلت قوى «الحراك الجنوبي» مظاهراتها، أمس، وذلك في إطار برنامجها الزمني للفعاليات الذي حددته من أجل لفت أنظار المشاركين في مؤتمر لندن إلى «القضية الجنوبية»، وعلمت «الشرق الأوسط» أن ضابطا يمنيا قتل وجرح عدد من المدنيين في اشتباكات بين أنصار «الحراك» وقوات الأمن في محافظة المهرة الجنوبية، قرب الحدود اليمنية - العمانية، وخرجت مظاهرات في عدد من مدن ومحافظات الجنوب أبرزها الضالع ولحج وأبين، فيما تعد هذه هي المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا في مواجهات بمحافظة المهرة، وكان جمع غفير من العلماء عقدوا مؤتمرا الأسبوع الماضي، دعوا فيه إلى «الجهاد»، في حال دخلت قوات أجنبية إلى اليمن.

وكان السفير البريطاني، خاطب اليمنيين في مقالته التي ستنشر اليوم بقوله: «إننا بحاجة إلى التعاون في ما بيننا لحل مشكلاتنا التي تؤثر علينا جميعا»، التي أورد منها موضوع التغيير المناخي الذي قال إنه «يهدد إمدادات المياه الثمينة والنادرة في اليمن»، وكذا «الأوضاع الاقتصادية العالمية التي كان لها تأثير كبير على الأسعار العالمية لمواردكم الثمينة كالنفط والغاز، وطبعا الإرهاب الذي يهدد بتدمير اقتصادكم وتقويض أسس مجتمعكم».

وأضاف سفير لندن في صنعاء في مقاله، أن الحكومة والشعب اليمني لن يتمكنوا بمفردهم من حل هذه المشكلات وأنهم بحاجة إلى دعم وتعاون «الأصدقاء والشركاء داخل اليمن وعلى المستوى العالمي»، وفي محاولة لطمأنة المواطن اليمني وإزالة المخاوف لديه بشأن المؤتمر، قال السفير البريطاني إن الترتيب للمؤتمر جرى بصورة مشتركة بين الحكومتين اليمنية والبريطانية وإن بلاده لم تفرض برنامج عمل المؤتمر أو تحدد موضوعات النقاش وإن رئيس الوزراء اليمني هو من «سيحدد أسلوب ومحاور الاجتماع، والنقاشات ستدور حول ورقتي عمل يمنيتين تغطيان احتياجات التنمية لبناء دولة المؤسسات وتحقيق الاستقرار والأمن».