سريلانكا الخارجة للتو من حرب 4 عقود تنتخب رئيسها

وسط توتر وتشكيك في أهلية أحد المتنافسَين الرئيسيين لخوض السباق

سكان من أقلية التاميل ينتظرون في طابور للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة السريلانكية في بلدة فافونيا (230 كلم شمال كولومبو)، أمس (أ.ب)
TT

أدلى الناخبون السريلانكيون أمس بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية في أعقاب الحرب الأهلية، وسط أنباء عن وقوع أعمال عنف ومضايقة الناخبين بعد حملة انتخابية مريرة اتخذت طابعا شخصيا بين المتنافسَين الرئيسيَّين، فبعدما كانا حليفين في محاربة حركة «نمور تحرير إيلام التاميل» الانفصالية المسلحة، أصبح رئيس الدولة ماهيندا راجاباكسي ورئيس الأركان السابق الجنرال سرات فونسيكا على طرفَي نقيض في هذه الانتخابات التي تحولت إلى معركة محتدمة بينهما يسعى كل منهما فيها للفوز بأكثرية أصوات الناخبين البالغ عددهم نحو 14 مليون ناخب.

وقال مراقبو الانتخابات إن نسبة المشاركة، بلغت 80 في المائة في جنوب الجزيرة، ولكنها كانت أضعف بكثير في المنطقة الشمالية التي تسكنها غالبية من التاميل التي شهدت سلسلة من التفجيرات قبل فجر أمس. وتوقع كل من المرشحين فوزه، فيما ألقى كل منهما باللوم على الآخر في أعمال العنف التي شهدتها الانتخابات في الكثير من المناطق والتي أثرت سلبا على حكم المراقبين على هذه الانتخابات.

وصرح د.م. ديساناياكي المنسق القومي في «مركز مراقبة العنف في الانتخابات» المستقل: «لا نستطيع أن نقول إن الانتخابات حرة ونزيهة بسبب وقوع عدد من الحوادث في أنحاء البلاد كافة». كما أثارت مجموعة «حملة الانتخابات الحرة والنزيهة» بعض الشكوك وتحدثت عن تعرض الناخبين للمضايقات ووجود عراقيل إدارية منعت الناخبين في المناطق الشمالية من الإدلاء بأصواتهم.

ولم يتمكن فونسيكا نفسه من الإدلاء بصوته لأن اسمه لم يكن موجودا في السجل الانتخابي. وعلى أثر ذلك أعلنت الحكومة السريلانكية أنها ستطعن في شرعية فونسيكا للترشح للرئاسة. وصرح وزير الخارجية روهيثا بوغولاغاما للصحافيين: «نحن نسعى للحصول على أمر من المحكمة حول أهلية هذا المرشح، لأنه غير مؤهل لترشيح نفسه».

إلا أن مفوض الانتخابات المستقل داياناندا ديساناياكي قال إن «عدم وجود اسم الشخص على القائمة الانتخابية لا يعني عدم تأهله للانتخابات». ومن المرجح أن تثير حدة الحملة الانتخابية إضافة إلى العداوة الشخصية بين المترشحين والمخالفات التي يتردد أنها وقعت في الانتخابات، مخاوف من رفض الخاسر للنتيجة مما قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف جديدة. وقبل الانتخابات اتهم فونسيكا الحكومة بالسعي لتزوير الانتخابات واستخدام العنف لترهيب الناخبين. وقال إنه تم تحضير كل من الجيش والتلفزيون الرسمي والشرطة لتنفيذ انقلاب من أجل إبقاء راجاباكسي في السلطة. وصرح خلال آخر مؤتمر صحافي له قبل الانتخابات: «هناك مؤشرات إلى انقلاب عسكري».

وفي معسكر «مينيك فارم» الذي يجبر التاميل الذين شردتهم الحرب في الشمال على العيش فيه، اصطفّ الناس لساعات للإدلاء بأصواتهم. واصطف نحو 5000 رجل وامرأة، بعضهن كُنّ يرضعن أطفالهن، تحت الشمس الحارقة أمام مدرسة في المعسكر المكتظ الذي يضم أكواخا مؤقتة ومباني ذات أسقف من الصفيح، وبلغ عدد سكانه نحو 300 ألف شخص العام الماضي. وقالت فيجايا ليتشتشامي (60 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية بعد انتظارها أربع ساعات للإدلاء بصوتها: «أنا عطشانة ومتعبة للغاية، ولم يكن طعامنا كافيا، لكنني هنا لأصوت. أنا أصوت لحكومة جديدة».

وكانت سريلانكا أعلنت في مايو (أيار) 2009 انتصارها على جبهة «نمور تحرير إيلام تاميل»، التي تعتبرها كولومبو والدول الغربية منظمة إرهابية، وذلك بعد نزاع مسلح استمر نحو أربعة عقود وأوقع ما بين 80 و100 ألف قتيل. وصرح راجاباكسي للصحافيين إثر إدلائه بصوته في إحدى مدارس دائرة مولكيريغالا في جنوب الجزيرة: «سنحقق نصرا مبينا. علينا الاستعداد لمواجهة تحديات كبرى بعد هذه الانتخابات». وكان راجاباكسي، وهو قومي متشدد ينتمي إلى الأكثرية السنهالية، دعا إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة قبل عامين من انتهاء ولايته، في محاولة منه للاستفادة من الدعم الشعبي الجارف الذي حصل عليه جراء الانتصار على المتمردين التاميل. وقبيل ساعات من بدء العملية الانتخابية التي يتنافس فيها 22 مرشحا، انفجرت قنبلتان على الأقل أمام منزل أحد المسؤولين المحليين في الحزب الحاكم دون أن تسفرا عن ضحايا، في حين وقعت أربعة انفجارات أخرى في شبه جزيرة جافنا (400 كلم شمال كولومبو) معقل التاميل.

وكلا المرشحين أيضا متهم بارتكاب جرائم حرب وبانتهاك حقوق الإنسان في المرحلة النهائية من الحرب على المتمردين التاميل. لكنهما تحولا من حليفين مقربين في أرض المعركة إلى عدوين لدودين، بعد أن قرر فونسيكا (59 عاما) القليل الخبرة بالسياسة، تحدي رئيسه في صناديق الاقتراع على أجندة تدعو إلى مكافحة الفساد.