رئيس المعارضة في كردستان: نحن مع توحيد الصف الكردي.. لكن ليس على طريقة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»

مصطفى لـ«الشرق الأوسط»: التقارب مع بارزاني فبركات إعلامية.. وتحالفاتنا مؤجلة لما بعد الانتخابات

نوشيروان مصطفى متحدثا لـ«الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط)
TT

أعرب نوشيروان مصطفى، رئيس كتلة التغيير المعارضة في إقليم كردستان العراق، عن أمله «في أن تسير العملية الانتخابية المقبلة للبرلمان العراقي بهدوء وسلام»، داعيا أنصار حركته إلى «الالتزام بقوانين الانتخابات وتعليمات المفوضية العليا ضمانا لسير العملية الانتخابية وفقا للمطلوب». وتأتي هذه الدعوة لتبديد المخاوف الشعبية من تجدد الجو المشحون الذي خيم على الانتخابات الأخيرة للبرلمان الكردستاني في مدينة السليمانية، ومخاوف تحول المنافسة الحزبية إلى صدام مسلح. وهذا ما دعا مصطفى، الذي كان يشغل منصب نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني، قبل أن يقود تيار المعارضة، إلى طمأنة الشارع الكردي بالقول إن «حركة التغيير، حركة مدنية غير مسلحة، لا تؤمن بامتلاك ميليشيات مسلحة، وهي لا تسيطر على أي مفصل من مفاصل حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية، وهي تدخل في منافسة سياسية غير متكافئة».وأردف أن «قادة الطرف المنافس مسؤولون عن سلامة المنافسة السياسية في كردستان، وضمان سيرها بشكل سلمي وهادئ ونزيه وديمقراطي، وهم القادرون على شن الحرب والاقتتال الداخلي، لا كتلة التغيير».

وحول توقعاته لشكل الخريطة السياسية لما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، أعرب مصطفى في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في مكتبه فوق أحد التلال المطلة على أحياء السليمانية عن اعتقاده بأنه «لا يمكن الحصول على منظر بانورامي للقوى السياسية العاملة في محافظات العراق»، لذلك فإنه لا يتوقع تغييرا في ثقل المكونات الثلاثة الأساسية، الشيعية والسنية والكردية داخل البرلمان، لأن الناخب العراقي في رأيه «لم يتحرر بعد من هاجسه المذهبي أو القومي، ولكننا نتوقع انشطارات وانشقاقات داخل هذا المكون أو ذاك».

وحول التكهنات بشأن تحالف كتلته مع قوى عراقية أخرى في بغداد، أكد مصطفى خلال الحوار أن «حركه التغيير تفضل تأجيل موضوع تشكيل التحالفات والجبهات والمحاور إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، حينذاك نحدد موقفنا من التحالفات أو حتى الاشتراك في ائتلاف حكومي واسع أو ضيق بناء على المشتركات في البرامج السياسية». مشيرا إلى أن «الحركة تؤكد على ضرورة توحيد الصف الكردي»، لكنه استدرك قائلا: «ولكن ليس على أساس الانتماء العرقي وفقا لمبدأ «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، إنما على أساس المشتركات في البرنامج السياسي، خصوصا المسائل المتعلقة بالقضايا المصيرية، سواء كانت كردية أو عراقية». وفيما يلي نص الحوار:

* من خلال تصريحات القيادات الكردية نلمس شعورا بوجود مخاوف كبيرة من سعي قوى عراقية لإضعاف الدور الكردي في بغداد، هل تشعرون أنتم في كتلة التغيير بهذه المخاوف، وما موقفكم من مساعي تلك القوى؟

- الكرد مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي لا يمكن تهميشه. والكرد أقوياء في العراق، والعراق قوي بالكرد. قد تكون هناك قوى تحاول إضعاف دور الكرد في بغداد، ولكن في المقابل هناك قوى عربية أساسية ومهمة حريصة على الشراكة الكاملة مع الكرد لبناء الدولة العراقية الجديدة ومؤسساتها المبنية على أسس العلاقات التاريخية المشتركة والمصالح المستقبلية المشتركة.

* يؤكد قادة التحالف دائما على ضرورة توحيد الصف الكردي لخوض الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، أنتم ككتلة التغيير اخترتم العمل كقوة معارضة في كردستان، لكن هل أنتم مستعدون لدخول التحالف الكردستاني في بغداد لمواجهة التحديات القادمة؟

- نحن من جانبنا نؤكد أيضا على ضرورة توحيد الصف الكردي ولكن ليس على أساس الانتماء العرقي، وفقا لمبدأ «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وإنما على أساس المشتركات في البرنامج السياسي، خصوصا المسائل المتعلقة بالقضايا المصيرية، سواء كانت كردية أو عراقية.

* هناك دعوات كثيرة لتشكيل جبهات سياسية وطنية في العراق، آخرها دعوة عمار الحكيم الكرد لتشكيل جبهة شيعية كردية، ما موقفكم من تلك الدعوة، ومع أي قوة سياسية أو مكون عراقي تفضلون التعاون والتحالف السياسي بعد الانتخابات؟

- تفضل حركه التغيير تأجيل موضوع تشكيل التحالفات والجبهات والمحاور إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، لننتظر ما سيتمخض عنه الانتخابات المقبلة، حينذاك نحدد موقفنا من التحالفات أو حتى الاشتراك في ائتلاف حكومي واسع أو ضيق بناء على المشتركات في البرامج السياسية.

* يتوقع الكثير من المحللين السياسيين أن يجري تغيير كبير في المعادلات السياسية القائمة لفترة ما بعد الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، كسياسي كردي هل تتوقع حصول تغيير فعلي في الخارطة السياسية في المرحلة المقبلة، وما قراءتكم لتداعيات تلك التغييرات على الوضع العراقي؟

- لا يمكن الحصول على منظر بانورامي للقوى السياسية العاملة في 18 محافظة حتى نتمكن من تشكيل رأي معين، كما أنه لا توجد حتى الآن مراكز دراسات مستقلة يعتمد عليها. أنا شخصيا لا أتوقع تغييرا في ثقل المكونات الثلاثة الأساسية: الشيعية، والسنية، والكردية، داخل البرلمان. لأن المصوت العراقي إلى الآن لم يتحرر من الهاجس المذهبي أو القومي، ولكن نتوقع انشطارات وانشقاقات داخل هذا المكون أو ذاك. بشكل عام سيكون مجلس النواب القادم فسيفساء سياسية، لا يكون لحزب واحد ولا حتى لائتلاف واحد أغلبية برلمانية حتى وإن كانت بسيطة، ولذلك فإن الحكومة القادمة ستكون على الأرجح ائتلافية، صغيرة كانت أو متوسطة أو كبيرة.

* برزت في الفترة الأخيرة دعوات كثيرة لعودة حزب البعث إلى العملية السياسية، وهناك من يرحب بعودتهم بمن فيهم الرئيس جلال طالباني، بينما هناك من يرتعب من هذه العودة، أنتم ككتلة تغيير معارضة في كردستان ما موقفكم من تلك الدعوات؟

- نحن في كردستان على الرغم من كل شيء قمنا بإجراء المصالحة الوطنية مع المتعاونين مع سلطه البعث مرتين، وفي منعطفين تاريخيين، المرة الأولى، أثناء الانتفاضة الكردستانية الكبرى في مارس (آذار) 1991، والمرة الثانية، أثناء سقوط النظام البعثي في 2003. وفي كلتا الحالتين كانت التجربة ناجحة والنتائج مرضية على كل الأصعدة وجنبت المجتمع الكردي حالات الانتقام والتصفيات، واندمج الكثير منهم في الحالة السياسية والاجتماعية الجديدة، ولكن مع الأسف، هذه التجربة لم تعمم في العراق لأسباب مختلفة، وهناك مواد دستورية وقوانين عراقية تمنع عودة البعث للاشتراك في العملية السياسية، خصوصا البعثيين الذين ارتكبوا جرائم في حق العراقيين، وهؤلاء من المفروض أن يقدموا إلى المحاكم، ولكن هناك الآلاف من البعثيين لم يرتكبوا جريمة ولا تشملهم هذه القوانين، إذن ما المانع من اشتراكهم في العملية السياسية. من حيث المبدأ نحن مع تحقيق العدالة، وليس مع الانتقام، نحن مع المصالحة الوطنية ولسنا مع تسييس القضية.

* حققتم في الانتخابات البرلمانية الكردستانية الأخيرة نتائج غير متوقعة بحصولكم على ربع عدد مقاعد البرلمان الكردستاني، ولكنكم رفضتم المشاركة في الحكومة الإقليمية، على الرغم من طلب رئيسها المرشح برهم صالح، هل أنتم نادمون على عدم المشاركة في تلك الحكومة، وما كان أسباب مقاطعتكم لها؟

- دخلنا الانتخابات بقائمة مستقلة وهي تحمل لائحة سياسية مختلفة عن اللائحة السياسية للتحالف الكردستاني، ولائحتنا تقدم البديل في كيفية إدارة الحكومة، ومكافحة الفساد المالي والإداري والسياسي والأخلاقي، وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتحقيق الشفافية في ميزانية الإقليم وفي العلاقات السياسية، والحد من التدخل الحزبي في الإدارة اليومية لدوائر الحكومة، وفي السوق والجامعة والمحاكم والمساجد، وتحويل قوات البيشمركة والأسايش «قوات الأمن المحلية» من قوات حزبية إلى مؤسسات حكومية محايدة في الانتخابات والنزاعات الحزبية وتكريسها لحماية المجتمع. جرى تشكيل حكومة الإقليم الحالية بنفس المقاييس القديمة لمواصلة نفس السياسات القديمة، وهي تحمل سلبيات الماضي، ولذلك لم نشترك فيها، ولسنا نادمين على عدم مشاركتنا، بل أعتقد أننا حسنا فعلنا بذلك.

* تعمل كتلتكم داخل البرلمان الكردستاني ككتلة معارضة، هل أنتم راضون عن أداء كتلتكم داخل البرلمان لحد الآن؟

- أرادت الأحزاب المحسوبة على السلطة تعطيل دور البرلمان الكردستاني لحين إجراء الانتخابات العراقية، حتى لا يعطى المجال لإبراز دور كتله التغيير في البرلمان وفي الحياة السياسية، حيث أدخل البرلمان في عطلة شتوية دون أن ينجز أي قانون. مع كل ذلك، نعم، نحن راضون عن أدائهم. فقد خلقوا تقاليد برلمانية جديدة، فيما يتعلق بالمعارضة الإيجابية تحت قبة البرلمان، والاختلاط اليومي بالشرائح الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع.

* هناك خطوات اتخذتها حكومة برهم صالح مؤخرا تدشن البناء المؤسساتي، وعلى سبيل المثال، كشف الميزانية السنوية للحكومة، وإدراج تخصيصات الأحزاب في إطار القانون، وكذلك خطتها لتوحيد قوات البيشمركة، ما موقفكم من هذه الخطوات؟

- في تقديرنا تدخل كل هذه القرارات ضمن الحملة الدعائية للانتخابات المقبلة، وهي للاستهلاك المحلي وتضليل الناخب الكردي، على الأرض لم ينفذ منه شيء، بل بالعكس إجراءاتهم اليومية وسلوكهم الإداري يتناقض ما يدعونه. ولا نعلم عن أي شفافية يتكلمون وهم لم يكشفوا تفصيلات ميزانية حكومة الإقليم، وما يأخذه الحزبان (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) شهريا من الميزانية العامة، وهم لم يضعوا حدا لاستحواذ الحزبين الحاكمين على واردات الإقليم. ولم يضعوا حدا للتدخل الحزبي اليومي في شؤون الحكومة، والجامعة، والسوق، ومنظمات المجتمع المدني، والمساجد. وهم لم يحولوا قوات البيشمركة والأسايش من قوات تابعة للحزب إلى قوات محايدة تابعة للحكومة؟ فعن أي دولة مؤسسات يتكلمون؟ وهم خلال وبعد إجراء انتخابات برلمان كردستان قاموا بمعاقبه أكثر من ألفي شخص من أنصارنا بقطع الراتب الشهري عنهم، أو بالفصل من الوظيفة أو بنقلهم من مكان إلى آخر عقابا على عدم تصويتهم لصالح قائمة التحالف الكردستاني، أي قائمه السلطة، وهم مستمرون على هذا النهج الخاطئ.

* في الشق المتعلق بميزانية الأحزاب التي ستوزع من الآن فصاعدا ضمن إطار قانون الميزانية، هناك مخاوف من أن يتحول تمويل كتلتكم إلى مصدر قوة وجذب جماهيري، أو استخدامه بهدف تكوين قوة عسكرية، هل أنتم مستعدون لتقديم الضمانات للالتزام بالعملية الديمقراطية، خصوصا مع المخاوف الشعبية بتجدد صفحة القتال الداخلي؟

- حركة التغيير، حركة مدنية غير مسلحة، لا تؤمن بامتلاك ميليشيات مسلحة، ولا تسيطر على أي مفصل من مفاصل حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية، وهي تدخل في منافسة غير متكافئة. فقادة الطرف المنافس، أحدهم يتربع على كرسي رئاسة الجمهورية العراقية ببغداد (طالباني)، والثاني هو رئيس إقليم كردستان (بارزاني)، وهما قادة قوات البيشمركة والأسايش والإدارات الحكومية، وبالتالي هم مسؤولون عن سلامة المنافسة السياسية في كردستان، وضمان سيرها بشكل سلمي وهادئ ونزيه وديمقراطي، وهم القادرون على شن الحرب والاقتتال الداخلي، لا كتلة التغيير.

* يوجه قادة الاتحاد الوطني اتهامات لك شخصيا بالمبادرة في شن حملة إعلامية مبرمجة ضدهم، نريد أن نعرف أسباب تحول خلافاتكم إلى حد القطيعة والعداء الذي تحول مؤخرا إلى محاولة «كسر العظم»؟

- كل من تابع الأجهزة الإعلامية التابعة للاتحاد الوطني خلال الأشهر الستة المنصرمة، خصوصا إعلامهم باللغة الكردية، يعرف أن الاتحاد بدأ بشن حملة إعلامية يومية ومركزة ضد قادة ورموز حركة التغيير، حتى وصل الأمر إلى حد التخوين. أرادوا بذلك جرنا إلى نبش الماضي وسرد حكاياتها وشخصنة الخلافات، بدلا من مناقشة البرنامج السياسي الحالي والمستقبلي لإقليم كردستان والعراق. كنا نمارس حقنا في النقد السياسي بمنتهى الموضوعية بعيدا عن التشهير، لم نرد على هجماتهم الإعلامية إلا بقدر الدفاع عن الحقيقة وتنوير الرأي العام. القيادة السياسية في كردستان تعودت على المدح والثناء، ولكنها لم تتعود إلى الآن على قبول النقد السياسي والرأي المخالف.

* تسربت أنباء عن لقاء السيد مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، أحد ممثليكم في كتلة التغيير، ونسب إليه قوله بتفضيله التفاهم معكم على التفاهم مع طالباني، ما مدى صحة هذه الأنباء؟

- تصدر الكثير من الصحف والمجلات في السليمانية، وينشر قسم منها تصريحات وتلفق بعض الأخبار لتروج لصحيفتها كي تبيع المزيد من النسخ وتنافس نظيراتها. هذا الخبر يدخل ضمن هذا النوع من الفبركة الصحافية.

* أثناء الانتخابات البرلمانية الكردستانية كانت أجواء الحملة الانتخابية مشحونة ومتوترة للغاية خصوصا في السليمانية، وأنتم مقبلون على انتخابات برلمانية عراقية، هل لديك رسالة معينة لأنصار حركتكم للالتزام بالضوابط والتعليمات الانتخابية؟

- نطلب من كل الأطراف المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما طلبنا من كل ناشطي الحركة الالتزام بقوانين الانتخابات وتعليمات المفوضية. ونأمل أن تمر عملية الانتخابات بسلام.

* أعلن رئيس حكومة إقليم كردستان برهم صالح أنه وجه إليك رسالة كرئيس لكتلة التغيير بشأن الموقف المتوتر في السليمانية ومحاولة تهدئتها معا، هل أنت مستعد للجلوس مع رئيس الحكومة بهذا الشأن؟

- التوتر كان من جانب واحد، حيث تعرض بعض ناشطي التغيير في الأسابيع الماضية إلى اعتداءات شخصية، بدءا من قطع الرواتب، وتطورت إلى إطلاق الرصاص على الأشخاص وعلى البيوت وكسر الرؤوس حتى وصلت الأمور إلى حد الاغتيال.. جرت اعتداءات علينا ولكننا لم نقم بأي مقاومة سوى باللجوء إلى الشرطة والمحاكم. بيد أننا إلى الآن لا نشعر بأي جدية في تعقب المعتدين.