الجيش الأميركي يدعم سيدات الأعمال الأفغانيات.. بالتدريب والعقود

مشروعات بمئات ملايين الدولارات لإنتاج ملابس ومعدات لقوات الأمن الأفغانية

TT

وقف الكابتن إدغار فلوريس القائد في سلاح الجو الأميركي، في مقدمة عربة مقطورة ذات نوافذ مغطاة استخدمت كقاعة اجتماعات في قاعدة «كامب إيغرز» العسكرية يقدم شرحا للحاضرين على عينة قميص (تي شيرت) بني وهو يؤشر عليه بمسطرة. قال الكابتن بلغة بطيئة حتى يتمكن مترجمه من نقلها إلى اللغة الدارية لتفهمها سيدات الأعمال الجالسات حول المائدة الخشبية الطويلة: «الأمر في غاية البساطة. ما عليكن سوى قياسه، فإذا لم يبلغ عرضه 18 بوصة فهو غير موافق للمعايير». هزت السيدات رؤوسهن وقمن بتسجيل الملاحظات لينتقل الكابتن فلوريس إلى الموضوع التالي في الجلسة التعليمية التي استغرقت أربع ساعات في كيفية إنتاج مستلزمات للجيش الأميركي ذات مواصفات خاصة. تعد هذه الجلسة، التي عقدت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، جزءا من مبادرة لاستخدام القوة الشرائية للجيش الأميركي في تحقيق هدفين: الأول، تعزيز قدرة الشركات التي يمتلكنها الأفغانيات، والثاني تشكيل سلسلة إمداد محلية لدعم القوات الأفغانية التي يتوقع أن تزداد بنسبة كبيرة في نهاية العام الحالي في ظل استراتيجية الرئيس باراك أوباما الجديدة بشأن أفغانستان.

اضطلع بهذه الجهود التي بدأها الجيش الأميركي العام الماضي مركز التعاقدات الإقليمي في كابل التابع للبنتاغون الذي خصص مبلغ 365 مليون دولار للتعاقدات على مدى 5 سنوات لإنتاج الملابس والمعدات للشرطة والجيش الأفغاني. ونظرا لتعهد المجتمع الدولي في عام 2001 بإعادة بناء القوات الأمنية والمسلحة الأفغانية، أبدت الولايات المتحدة التزامها بتخصيص 26 مليار دولار لتدريب وتسليح الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية، وهو ما يشكل ما يقارب من نسبة 55% من إجمالي المساعدات الأميركية لإعادة إعمار أفغانستان حتى اليوم.

ويرى مسؤولو التعاقدات العسكرية المشرفون على المشروع أن دعم سيدات الأعمال الأفغانيات وتعزيز الاقتصاد الأفغاني جزء من استراتيجية مكافحة التمرد المتنامي. ويقول الميجور تشك سيدل بالقوات الجوية الأميركية، ورئيس لجنة المشتريات المحلية الذي يدير ميزانية تبلغ نحو مليار دولار لشراء الإمدادات المحلية مثل الملابس والأحذية والقمصان والمستلزمات الأساسية الأخرى للقوات الأفغانية: «تشكل النساء 50% من المجتمع الأفغاني. وإذا أردنا أن نحدث فارقا فعلينا أن نسهم في خلق فرص عمل. يجب أن نوجد لديهم الأمل».

يبدو أن سيدات الأعمال يوافقن على ذلك؛ فالفائدة الكبيرة التي نتجت عن جلسات التدريب، التي أقامها الميجور سيدل والكابتن فلوريس وزميلتهما باتريسيا بابيدا الضابطة المتعاقدة مع القوات الجوية الأميركية، لفريق المشتريات أدت إلى الإعداد لجلسة تدريب أخرى في الأسبوع الذي يليه التي اكتظت بالحضور من جانب الأفغان.

وكان أكثر من 60 من رجال الأعمال الأفغان، غالبيتهم من النساء، من 35 شركة أفغانية قد توجهوا إلى المحاضرات التعليمية في قاعدة «كامب إيغرز». كانت هذه المرة الأولى بالنسبة لكثيرات منهن التي يدخلن فيها إلى قاعدة عسكرية. كانوا على وشك ألا يحظوا بالفرصة هذه المرة أيضا، فقد كان البرنامج على وشك الإلغاء في أغسطس (آب) الماضي عندما قدمت الشركات، التي تملكنها سيدات أعمال أفغانيات، والتي تقدمت بعروض أولية لتوريد متطلبات الجيش والشرطة الأفغانيين، عينات خاطئة وناقصة. فقد كانت نماذج المنتجات مثل الـ«تي شيرت» الذي عرضه الكابتن فلوريس تحمل أخطاء في اللون أو المقاس أو نوعية القماش أو ربما في الثلاثة جميعا.

وتقول بابيدا وزميلاتها إنهن أدركن سريعا أن سيدات الأعمال لم يفهمن ما كان يسعى إليه الأميركيون؛ إذ لم يطلب منهن من قبل إنتاج مثل هذه المواصفات الدقيقة. بيد أنه بدلا من التخلي عن فكرة التعاقدات اعتقدت بابيدا، صاحبة شركة هي الأخرى وتؤمن بأهمية نجاح هذه المحاولة، أن سيدات الأعمال قد يشعرن برهبة أقل إذا سألن سيدة أخرى كل الأسئلة المتعلقة بعيناتهم. ومن ثم وافقت هي وزملاؤها من فريق التعاقد على المحاولة مرة أخرى، وكانت هذه المرة عبر عقد جلسات معلومات حول التفاصيل الصعبة للعينات التي تتطلب دقة كبيرة.

وعلى الرغم من الحماسة الكبيرة لدى خبراء التعاقد التابعين للجيش الأميركي والشركات في هذه الجلسات يظل السؤال المتعلق بإمكانية بقاء البرنامج هو: هل ستمتلك الشركات التي تملكنها سيدات أفغانيات القدرة على الوفاء بمتطلبات العقود الضخمة لعميل ملح؟

المكافآت للجيش والشرطة الأفغانية من الملابس يتوقع أن تصل إلى 35 مليون دولار في السنة الأولى وحدها، بحد أدنى 300.000 دولار لكل شركة تفوز بعقد. وعلى الرغم من تنامي النجاحات والأعداد، فإن أعداد السيدات اللاتي فزن بعقود لإنتاج هذه الكميات الضخمة لا تزال قليلة. ويتعين على الشركات المتنافسة على العقود، سواء كانت شركات مفردة أو شركات متحدة، أن تقدم عينة لإنتاج واحد من مجموعتين من الأشياء؛ إما قمصان (تي شيرتات) وملابس داخلية، أو معاطف واقية من المطر وأكياس نوم. وكلتاهما تحتوي على مكونات معقدة. عدد قليل جدا من النساء يملكن مصانع في أفغانستان. وكما أظهرت المحاولة الأولى لتقديم العينات فإن غالبية اللاتي صنعن المنسوجات قمن بحياكتها في المنازل أو في ورش صغيرة تستخدم لإنتاج المصنوعات اليدوية، وإن معايير الجودة لهذا النوع الذي اعتاد عليه الجيش الأميركي غير موجودة على الإطلاق. بيد أن أولئك العاملين مع سيدات الأعمال الأفغانيات يحذرون من بخس تقييم قدرات أو إمكانيات الشركات. وأشاروا إلى أن عدد الشركات التي يملكها الرجال فازت بالفعل بتعاقدات لتزويد الجيش وقوات الأمن بالأحذية والملابس العسكرية بموجب قانون المشتريات المحلية الذي بدأ قبل عدة سنوات. من جانبهن، تبدو النساء المتقدمات للحصول على العقود متحمسات وغير خائفات من حجم التعاقدات، ويقلن إنهن سعيدات بالفرصة وواثقات من أنهن قادرات على المنافسة. وتقول حميراء أيماق، الأم الأرملة التي سجلت شركتها للصناعات اليدوية والتفصيل قبل أربع سنوات بعد عقود من الحياكة لجاراتها من النساء: «هناك الشركات الكبرى التي لديها الإمكانات، لكني لن أتخلى عن الأمل. غالبية النساء الأفغانيات بلا عمل. وإذا استطعت الفوز بالعقد فبإمكاني توفير المزيد من العمل لهن».

* خدمة «نيويورك تايمز»