أكد علماء من الأزهر أن التعايش بين الشعوب قولا وعملا، فرض يقره الشرع والدين، فضلا عن أنه ضرورة حياتية.. ودعا العلماء في لقاءات متفرقة مع «الشرق الأوسط» إلى تفعيل الحوار بين العالم الإسلامي والغرب بأشكاله المختلفة «الديني والحضاري»، لتوضيح المفاهيم المغلوطة لدى كل طرف عن الآخر، بهدف ترسيخ مفهوم التعارف والتعايش بين الشعوب، لكن ما جدوى الحوار في ترسيخ مفهوم التعايش بين الشعوب قولا وعملا؟ سؤال طرحته «الشرق الأوسط» على طاولة العلماء، فجاءت إجاباتهم كالتالي:
بداية، يقول الدكتور جعفر عبد السلام، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية ونائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، إن الإسلام قد دعا في نطاق إقامة صرح دعائم العلاقات الإنسانية إلى التسامح، فالإسلام يبني العلاقات الإنسانية، سواء كانت بين الأفراد أو الجماعات على التسامح، انطلاقا من قول الله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»، مؤكدا أن الإسلام منذ ظهوره قد تبنى الدعوة إلى الحوار بين الأديان والتعايش السلمي بين البشر، وأنه وضع دستورا حاكما لهذه العلاقة، ليحافظ على استمرارها إلى الأبد، فقد تحاور النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الأديان الأخرى، ونادت تعاليم الإسلام بالتعارف والتآلف والتعاون المشترك بين الناس أجمعين على مختلف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم.
كما طالب الدكتور عبد السلام وسائل الإعلام في البلاد الغربية بالتخلي عن سياسة الكراهية الثقافية والحضارية نحو الإسلام والمسلمين، وعدم الحكم على الإسلام والمسلمين من خلال التصرفات الفردية الشاذة، التي لا يقرها الإسلام في صورته الحقيقية السمحة، داعيا المؤسسات الدينية الرسمية في الدول الإسلامية أن تدعم أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في البلاد الغربية بشأن البرامج المخصصة للتعريف، وذلك بمدها بالمعلومات الصحيحة عن الإسلام، بالإضافة إلى أهمية قيام البلاد الإسلامية بتعزيز برامجها الثقافية، التي تستهدف التعريف بالإسلام من خلال قنواتها الفضائية.
أما الدكتور محمد الدسوقي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، فيؤكد أنه لا بد أن ينطلق أساس الحوار الإسلامي من المبدأ الإسلامي في الدعوة إلى الكلمة السواء، عملا بقول الله تعالى: «قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»، ولا بد أن ينطلق الحوار من أن العنف والقوة لم يكن عاملا في انتشار الإسلام، الذي اعتمد على الدعوة والحوار الحر النزيه، كما أمر القرآن بذلك في قول الله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - رسله ومبعوثيه بقوله عليه الصلاة والسلام: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، لأجل ذلك كان الحوار الإسلامي شاملا.
ومن جانبه، قال الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إن عالمنا في القرن الحادي والعشرين يعاني الكثير من المحن والفتن، وقد ساعد ذلك على ترسيخ أسباب التخلف والجهل في كثير من بلاد العالم الثالث، وانتشار ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب في الكثير من مناطق العالم، وإذا كان هذا هو حال عالمنا المعاصر وكانت هذه صورة واقعه، فلا مخرج منها إلا باستلهام رسالات السماء، ولما للأديان من أثر عظيم في ضبط التوازن النفسي والفكري والسلوكي للإنسان، كان من الضروري بعث وتنشيط أسباب التعاون بين أتباع الأديان جميعا بالدعوة إلى الحوار البناء بين أتباعها، ليحددوا معا معالم الطريق لحماية الإنسان من الأخطار، التي تهدد مستقبل الإنسانية كلها.
وأضاف الدكتور السايح أن الحوار ضرورة، لأنه وسيلة للتعارف، الذي يزيل الغشاوة والجهل عن النفوس والعقول، ومن ثم فلا بد أن يرتكز الحوار الإسلامي على مبدأ حفظ الدين بجانب حفظ النفس والنسل، مع السماح بالتعايش مع الأديان الأخرى وترك الحرية لممارستها، قال تعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، و«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ».
ومن جانبه، يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إن اختلاف الناس سنة الله في الحياة، لقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»، وبالتالي فقد أصبح الحوار ضرورة للتواصل البشري والتعاون الإنساني، ولتحقيق السلام بينهم، فالإنسان مدني بطبعه، وبالتالي فهو محتاج إلى توثيق روابطه بالآخرين، وذلك من خلال التفاهم، الذي يؤدي إلى التعايش السلمي المحقق للتقدم الحضاري، فلا يمكن أن يعيش الإنسان منعزلا عن الآخرين، فضلا عن أن يعيش معاديا لهم أو متخاصما معهم، ولهذا كله دعا الإسلام إلى الحوار، وحث على مد جسور التعاون مع الآخرين، ورسم لهذا الحوار معالم، أساسها الرفق والود وكفالة الحرية التي تسمح بالاختلاف دون عداء ودون كراهية، وتابع الشيخ عاشور قائلا، لا بد أن يكون الحوار بين الأديان للتأكيد على القيم المشتركة بينها، وعلى رأسها الإيمان بالله، والأخلاق الفاضلة، وتكريم الإنسان والاعتراف بحقوقه، وهذا بدوره يؤدي إلى نبذ ثقافة الكراهية بين الأديان والتعصب لبعضها دون بعضها الآخر، مما يؤدي بدوره إلى العنف والإرهاب، وبذلك تتهيأ السبل إلى غرس الاحترام المتبادل بين الأديان، مما يحقق إمكانية التعايش بينها، فتحل ثقافة التسامح الديني محل الكراهية والتعصب، فقد نص القرآن الكريم على كثير من القيم الخُلقية التي يجب أن تتمسك بها الإنسانية لتوطيد العلاقات الإنسانية، وتحقيق معنى التعايش بين الشعوب قولا وعملا، فمن أهم هذه القيم، التسامح والتعارف والبر، مثل قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا».
وأضاف، أن الله سبحانه وتعالى قد جعل التعارف بين الشعوب والأمم ومختلف الجماعات الإنسانية من أهم أسباب خلقهم وإيجادهم، وهذا التعارف لا يمكن أن يتم إلا باتخاذ طريق التعاون كما قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، وهنا يطلب الله سبحانه وتعالى من البشر أجمعين أن يتعاونوا على الخير، ويتجنبوا أو يبتعدوا عن الاشتراك في أعمال الشر، حتى يكتب لهم الصلاح والاستقرار والحياة الكريمة، ولذلك فالإسلام كخاتم للشرائع السماوية يعتبر كل البشر أمة واحدة، وأنهم وإن اختلفوا وتشعبوا يجب أن يتلاقوا من خلال التعاون الإنساني حتى يتحقق لهم الخير بصرف النظر عن عقائدهم الدينية.