انطلقت أمس اجتماعات الحوار اللبناني حول «الاستراتيجية الدفاعية» وسط تباين لافت في مواقف الأطراف المتحاورة من قضية سلاح «حزب الله» ودوره، لكن من دون «تشنجات». وقالت مصادر مشاركة في الاجتماع الأول الذي يعقد بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي أفرزت طاولة حوار جديدة، إن الهدوء طبع مداخلات المتحاورين، على الرغم من التباين الواضح في المواقف. وبدا واضحا الفرز في المواقف من موضوع البحث الأساسي الذي تريده قوى 14 آذار بحثا في موضوع السلاح، والذي يريده حزب الله بحثا في «الاستراتيجيات» جازما بأن «السلاح ليس موضوع نقاش».
ونقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه لـ«الشرق الأوسط» وصفه الاجتماع بأنه «تحضيري»، مشيرا إلى أنه حضره مستمعا، مشيدا بالرؤية التي قدمها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، راعي الحوار، في مقاربة الموضوع. وقالت مصادر شاركت في اللقاء لـ«الشرق الأوسط» إن مشاركة الجامعة العربية في الجلسات المقبلة «ليست مطروحة»، مضيفة أن مشاركتها في الجلسات التي تلت اتفاق الدوحة في عام 2008 أتت بناء على توصيات اتفاق الدوحة، لكنها استغربت طرح الموضوع في هذا التوقيت بعد أن تمكن اللبنانيون من إدارة أمورهم بأنفسهم وشكلوا حكومة وحدة وطنية. وكررت المصادر ما قاله الرئيس سليمان في حواره مع «الشرق الأوسط» أول من أمس من أنه «لا مانع من حضور الجامعة لاحقا لمباركة ورعاية أي اتفاق قد يتوصل إليه المتحاورون».
وذكرت المعلومات أن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ركز خلال جلسة الحوار الوطني على السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، واعتبر أنه جزء من الاستراتيجية الدفاعية، وسأل عن مستقبل السلاح في داخل المخيمات ومسؤولية الدولة تجاه الفلسطينيين، مشددا - كما قالت مصادر المجتمعين لـ«الشرق الأوسط» - على ضرورة إنصاف الفلسطينيين إنسانيا.
وطالب رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميل، خلال مشاركته في جلسة الحوار الوطني في قصر بعبدا، بضرورة إبعاد لبنان عن لعبة المحاور، وسأل هل لبنان دولة مواجهة أم دولة مساندة، وسأل أيضا عن ورقة حزب الله للاستراتيجية الدفاعية، فيما قال جعجع، في دردشة مع الصحافيين، إن الحوار تمحور حول الاستراتيجية الدفاعية، مشيرا إلى أن الشرخ لا يزال نفسه، وهو لم يزد ولم ينقص. وأكد أن المعارضة لم تطرح توسيع البنود.
وقد افتتح الرئيس سليمان الجلسة بكلمة ذكّر فيها بـ«منطلقات جلسة الحوار الأولى وما آلت إليه من نتائج»، مستعرضا ما حصل من تطورات منذ الجلسة الأخيرة لطاولة الحوار. ولفت إلى «انتخاب لبنان للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن الدولي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية»، مؤكدا «الفائدة المرجوة من طاولة الحوار» وداعيا إلى «اعتماد مبدأ الحوار كثقافة». كما ذكّر سليمان بـ«ميثاق الشرف الذي سبق والتزم به أفرقاء الحوار»، مطالبا بـ«اعتماد عبارة (هيئة الحوار الوطني) عوضا عن عبارة (طاولة الحوار)». وعرض نظرته «للظروف التي رافقت تشكيل الهيئة، لا سيما ما يتعلق منها بالمعايير التي اعتمدت وبتوقيت إعلانها»، مؤكدا أن «هذا التوقيت غير مرتبط بأي اعتبار إقليمي أو دولي». وأشار سليمان إلى أن «الموضوع المطروح للنقاش والمعالجة هو الاستراتيجية الدفاعية التي تعني تضافر القدرات الوطنية للدفاع عن الوطن كافة، من دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، وبناء على ما تم استعراضه من خلال الأوراق التي طُرحت أو التي ستطرح في المستقبل»، طالبا تقديم الأوراق المتعلقة بالاستراتيجية من الأفرقاء الذين لم يقدموا بعد أوراقهم، وكذلك من وزارة الدفاع، قيادة الجيش اللبناني، لافتا إلى أن «المواضيع التي لها صلة بالاستراتيجية الدفاعية يمكن البحث فيها إذا ما تم طرحها وإذا ما تم توافق المجتمعين على مناقشتها».
ولم تسجل أي مصافحة لافتة بين رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع وخصومه كرئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، أو بين رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميل وحردان. أما رئيس الحكومة سعد الحريري فحرص على مصافحة الجميع من دون استثناء.
وأوضحت دقائق ما قبل انعقاد الاجتماع الفرز في صفوف المتحاورين، إذ عقدت على هامش الاجتماع لقاءات جانبية عدة أبرزها لقاء رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ووزير الدفاع نائب رئيس الحكومة إلياس المر دام لفترة غير قصيرة، انضم إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد والنائب أسعد حردان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون، وعندما وصل النائبان فرنجية وطلال أرسلان انضما إلى هذا اللقاء. أما المجموعة الثانية فتألفت من الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة وجعجع ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وما لبث أن انضم إليهم الوزير جان أوغاسبيان واختتمت بوصول الرئيس سعد الحريري الذي انضم إلى المجتمعين، في حين تنقّل النائب هاغوب بقرادونيان بين المجموعة الأولى والثانية. ولدى دخولهم إلى القاعة تحدث عدد من الأطراف إلى الصحافيين، فقال جعجع إن «حرارة الجو انعكست على الحوار». أما الرئيس بري فقال: «جئنا اليوم لنستمع»، وكذلك قال حردان. وبُعيد انتهاء جلسة هيئة الحوار الوطني، التقى الرئيس سليمان والرئيس الحريري في قصر بعبدا، وعرضا لآخر التطورات على الساحة المحلية. تم التوافق على عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل لاستكمال التعيينات.
وفي بيان صدر بعد الاجتماع، أكد المشاركون في هيئة الحوار وجوب تطبيق المقررات السابقة لمؤتمر الحوار الوطني ولطاولة الحوار، والتنويه بما تم إحرازه من إنجازات في هذا المجال، مشددين على ضرورة مواصلة البحث في موضوع الاستراتيجية الوطنية للدفاع والعمل من خلال لجنة الخبراء التي تم تعيينها في جلسة سابقة على إيجاد خلاصات وقواسم مشتركة بين مختلف الأوراق والأطروحات. كما اتفق المشاركون في الهيئة، وفق بيان أصدره المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، على الالتزام بالاستمرار في نهج التهدئة السياسية والإعلامية والحوار والالتزام بهذا السياق بميثاق الشرف الذي سبق أن أقرته هيئة الحوار السابقة، وتم تحديد الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس الواقع في 15 أبريل (نيسان) 2010 موعدا للجلسة المقبلة في قصر بعبدا.
وأكد رئيس المجلس السياسي في حزب الله إبراهيم أمين السيد «أن حزب الله منفتح على الحوار والنقاش بكل وضوح لموضوع الاستراتيجية الدفاعية». وقال «إن هيئة الحوار الوطني عقدت للبحث في الاستراتيجية الدفاعية وكيفية الدفاع عن لبنان أمام التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، وليس كما تحاول بعض الأصوات القول إنها للبحث في آلية لإسقاط سلاح المقاومة»، وأضاف «أن هذا السلاح لم يعد سلاح الحزب، بل هو سلاح كل لبناني يريد أن يدافع عن أرضه وكرامته ووطنه». وفي الإطار نفسه أكد عضو كتلة حزب الله النائب حسن فضل الله أنه «ليس واردا مناقشة سلاح المقاومة أو المقاومة نفسها إنما سبل حماية لبنان بالاستفادة من تكامل المقاومة والجيش والشعب».