بخلاف انتخابات 2005 وانتخابات مجالس المحافظات في يناير (كانون الثاني) 2009، سجل الناخبون العرب السنة مشاركة واسعة في انتخابات الأحد الماضي.
وفي المحافظات السنية مثل محافظة الأنبار المترامية الأطراف التي شهدت بعد عام 2003 معارك دامية لإنهاء الوجود الأميركي يأمل الناخبون فيها الذين بدوا ساخطين على الحكومة الحالية أن تعوضهم نتائج هذه الانتخابات عن الحرمان الذي عاشوه خلال السنوات الماضية. وقال كمال فرحان، 66 عاما، في إحدى أسواق مدينة الرمادي «كل شيء الآن أصبح علينا حسرة. لا يوجد خدمات. نحن بدون عمل. الفقر قتلنا. ماذا ينتظرون.. يريدوننا أن نشحذ بالشوارع حتى نعيش. هل هذا الذي ينتظرون». وأضاف فرحان الذي قال إن اثنين من أولاده قتلا في ذروة العنف الذي اجتاح المحافظة قبل سنوات عندما أطلق مسلحون النار عليهما وعليه فأصابوه بجروح ما زالت آثارها على قدمه «والله إذا لم يحصل التغيير.. الدم سيصل إلى الركب وسيعود العنف والقتل مرة أخرى إلى هذه المحافظة».
وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، أظهرت نسبة الاقتراع في هذه المحافظة - التي تمتد على مساحة واسعة تصل حدودها بين بغداد في المركز، وصولا إلى الحدود السورية والأردنية غربا والسعودية إلى الجنوب الغربي - مشاركة كبيرة بعد أن أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية أن أكثر من 61 في المائة من الناخبين فيها صوتوا يوم الأحد، في حين أعلنت المفوضية أن نسبة الاقتراع لعموم البلاد بلغت أكثر من 62 في المائة. وتنافس المرشحون على 14 مقعدا برلمانيا خصصت للمحافظة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة. وسيكون عدد المقاعد في البرلمان القادم 325 مقعدا.
وإلى جانب محافظة الأنبار فإن نسبة المشاركة في المحافظات العراقية ذات الأغلبية السنية كانت عالية أيضا. فقد شهدت الموصل نسبة تصويت بلغت 66 في المائة ومحافظة ديالى 62 في المائة ومحافظة صلاح الدين مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين 73 في المائة.
وأسهم التحسن الأمني الذي باتت تنعم به الأنبار والذي تحقق بعد عام 2006 عندما شكلت عشائرها بدعم من القوات الأميركية مجاميع مسلحة من أبنائها سميت مجالس الصحوة تعهدت بمقاتلة التنظيمات المسلحة في المحافظة، وخاصة تنظيم القاعدة في زيادة الإقبال في هذه الانتخابات. وأظهر الناخبون في المحافظة ميلا كبيرا تجاه القوائم العلمانية وخاصة قائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي. وأظهرت قائمة وحدة العراق التي تضم الشيخ أحمد أبو ريشة وهو زعيم مجالس الصحوة تنافسا لقائمة العراقية في عدد من مراكز الاقتراع في المحافظة. وتضم قائمة أبو ريشة وزير الداخلية الحالي جواد البولاني. وقال تركي حماد وهو صاحب شركة نقل كان يجلس بين ما يقرب من ثمانية من أصدقائه أيدوا كلماته «علاوي هو الأفضل... هو صدام حسين آخر لكن بدون شارب». وتعكس كلمات حماد ميل أهالي هذه المحافظة إلى الشخصية القوية التي تظهر الكثير من الحزم، وهي صفات تجد الكثير من القبول لدى أبناء المحافظة ذات الطابع العشائري.
وصوت الناخبون السنة بقوة لصالح القوائم العلمانية في محاولة لإحداث تغيير في المشهد السياسي الذي ما زال تحت هيمنة الأحزاب الدينية بشكل كبير حيث يعتقد الكثير من الناخبين أن التصويت لصالح القوائم العلمانية التي تضم كثيرا من المرشحين السنة قد يساهم بشكل أو بآخر في عودتهم إلى السلطة التي فقدوها بعد عام 2003. وأظهرت نتائج غير رسمية لكثير من مراكز الاقتراع في المدينتين الرئيسيتين لهذه المحافظة وهما الرمادي العاصمة والفلوجة ذات الثقل السكاني الأكبر تقدما واضحا لقائمة العراقية التي تضم كثيرا من المرشحين السنة أمثال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. وفي المركز الانتخابي لمعقل الشيخ أبو ريشة والذي كانت كل التوقعات تشير إلى تقدمه بشكل كبير هناك صوت 750 ناخبا لعلاوي مقابل 1200 لأبو ريشة، فيما لم تحصل قائمة رئيس الحكومة نوري المالكي سوى على 129 صوتا. وفي مراكز انتخابية أخرى في الرمادي والفلوجة حققت قائمة علاوي تقدما ساحقا على بقية القوائم هناك.
وقال صالح عبد وهو وكيل عقارات في الرمادي «لم أصوت لصالح قائمة الحكومة لأنها لم تنفعنا بشيء». وأضاف «قررنا نحن في العشيرة أن نصوت لقائمة واحدة حتى لا تضيع الأصوات وتتفرق.. وحتى نحدث التغيير».
وفي وقت متأخر من مساء الأحد احتفل أبو ريشة في قصره بالرمادي بنتائج الانتخابات التي قال إنها أظهرت فوز قائمته. وأطلق أبو ريشة وهو محاط بعدد كبير من الأنصار ما يقرب من 20 طلقة في الهواء تعبيرا عن النصر. وقال وهو يطلق النار ممسكا ببندقيته بيد واحدة «لقد فزنا... وهذه تحية للنصر».