دائما ما كان شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، يفاخر بأن مثله الأعلى هو الشيخ محمد الغزالي الذي سبقه إلى الآخرة قبل 14 عاما، كيف لا والرجلان انطلقا من الأزهر في نفس المسيرة، قبل أن تقود الأقدار إلى أن يتشاركا في ذات مكان الرحيل وقرار المثوى الأخير. في مقابلة لمجلة «المجلة» في فبراير (شباط) 2005، قال شيخ الأزهر طنطاوي في نص إجابته على من ينظر إليه من العلماء كمثل أعلى: «كنت أنظر إلى العلماء الذين سعدت أن أكون تلميذا لهم، لكن على أي حال على رأس العلماء الذين كنت أحبهم وأتأثر بهم فضيلة الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله، وفضيلة الشيخ أحمد الكومي الذي درسني في كلية أصول الدين وقت أن كنا في الجامعة». حديث الطنطاوي، عن الغزالي، واعتباره «مثلا أعلى»، قد يكون له ما يبرره، على اعتبار أن الأول كان يعتبر نفسه «تلميذا» للأخير، يتعلم منه، ويسير على خطاه، ويجعله قدوة له في كل شؤونه. لكن المصادفات اللافتة للنظر، أن «التلميذ الطنطاوي» و«الأستاذ الغزالي»، توفيا في السعودية، لا بل في العاصمة الرياض، وفي ذات الشهر، والاثنان دُفنا في البقيع.
فالشيخ محمد الغزالي، المولود في عام 1917م، توُفّي في 9 مارس (آذار) 1996، في العاصمة الرياض، في قاعة الملك فيصل في فندق «إنتركونتيننتال»، في أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر تزامن عقده مع فعاليات مهرجان الجنادرية.
وقتها، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أيام كان وليا للعهد، بتأمين طائرة خاصة لذويه ومحبيه وتلامذته لحضورهم من القاهرة حيث دُفن الشيخ الغزالي بالبقيع بالمدينة المنورة، وكان قبلها صرح بأن أمنيته أن يدفن في البقيع وتحقق له ما تمنى. دفن بين ضريح إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ضريح الإمام مالك رضي الله عنه. ذات المعطيات التي رافقت وفاة الشيخ الغزالي، كانت حاضرة في وفاة الشيخ طنطاوي، الذي رحل عن الدنيا أمس عن عمر يناهز 82 عاما. فالغزالي توفي في الرياض في 9 مارس 1996، فيما توُفّي الطنطاوي في المدينة نفسها في 10 مارس 2010، وتم دفنهما في مقابر البقيع بالمدينة المنورة بحسب وصيتهما قبل مماتهما، وكأن السيد طنطاوي يسير على خطى مثله الأعلى الغزالي.. حتى في الموت.