تَعرّضت الحكومة الإسرائيلية، ورئيسها بنيامين نتنياهو، لانتقادات داخلية واسعة وعنيفة جراء الأزمة التي انفجرت مع الإدارة الأميركية إثر الإعلان عن مشروع استيطاني استفزازي في القدس الشرقية المحتلة خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لإسرائيل. ومع أن الإسرائيليين بدوا مقتنعين بصدق راوية نتنياهو بأنه لم يكن على علم بالنية لإعلان المشروع، فقد أشاروا إليه بإصبع الاتهام على أنه «يفقد السيطرة على حكومته».
واعتبر الإسرائيليون هذه الأزمة عابرة، لكنهم أكدوا أنها ستترك أثرا بالغا على العلاقات بين نتنياهو وحكومته وبين إدارة الرئيس بارك أوباما ونائبه بايدن بشكل خاص. وأعربوا عن قلقهم من لهجة الرد الأميركي عليها، حيث إن بيان بايدن استُخدم لأول مرة تعبير «الإدانة» في ما يتعلق بالاستيطان.
وكانت لجنة التنظيم والبناء اللوائية في منطقة القدس، التابعة مباشرة لوزارة الداخلية الإسرائيلية، قد قررت إيداع مشروع لبناء 1600 وحدة سكنية جديدة للاستيطان في المنطقة الشمالية من القدس الشرقية المحتلة. وكُشف عن هذا المشروع، في فترة ما بين لقاء بايدن مع نتنياهو ومأدبة العشاء التي أقامها نتنياهو على شرف ضيفه. وبدا واضحا أن المسألة كانت محرجة لبايدن، خصوصا وأنها ليست الاستفزاز الأول له ولمبعوث الرئاسة الأميركي جورج ميتشل، وفقط قبل أربعة أيام قررت بلدية القدس بناء 112 وحدة سكنية في موقع آخر من المدينة.
وتلعثم بايدن ولم يعرف كيف يتصرف إزاء هذا الاستفزاز. وطلب من مساعديه أن يبلغوا نتنياهو أنه سيتأخر قليلا عن العشاء. وتوجه إلى فندقه وأجرى اتصالات مع البيت الأبيض، فيما راح مسؤولو البيت الأبيض يستوضحون سبب الاستفزاز. وحسب مصادر إسرائيلية، راح نتنياهو يتصرف بهلع للتخفيف من حدة الأزمة وحرص على إبلاغ الأميركيين أنه لا يعرف شيئا عن القرار ويوضح أن لجنة التنظيم والبناء اللوائية ليست تابعة لرئيس الحكومة. ثم اتصل نتنياهو بوزير الداخلية إيلي يشاي، موضحا له خطورة الموقف فادعى هذا أيضا أنه لا يعرف بالقرار، مع أن وسائل الإعلام الإسرائيلية دحضت ادعاءه وأكدت أنه يعرف تفاصيل المشروع وكان قد أعطى تعليماته بالمصادقة عليه. وطلب نتنياهو من يشاي أن يصدر بيانا توضيحيا في المسألة. وأصدر يشاي بيانا يقول فيه إنه لا يتابع شؤون لجنة التنظيم بشكل يومي وإن توقيت المشروع جاء بالصدفة متزامنا مع زيارة بايدن ولم يكن مقصودا. وفي الوقت نفسه، أرسل نتنياهو مساعده للمفاوضات مع الفلسطينيين يتسحاق مولخو، ليكلم مساعدي بايدن ويشرح لهم أن نتنياهو فوجئ مثله بالقرار.
لكن بايدن رفض المرور بشكل عادي على الموضوع وأصدر بيانا اعتبره الإسرائيليون شديد اللهجة وغير مسبوق، وجاء فيه: «إنني أستنكر القرار الإسرائيلي بالتخطيط لبناء وحدات سكن في القدس الشرقية. إن مضمون القرار وتوقيته يشكلان محاولة للمساس بالثقة التي نحتاجها اليوم ويتناقض بشكل قاطع مع المحادثات البنّاءة التي أجريتها في إسرائيل». وفي واشنطن صدر بيان مماثل عن البيت الأبيض أيضا. وبعد ساعة ونصف الساعة من الموعد، وصل بايدن إلى بيت رئيس الحكومة الإسرائيلي لتناول طعام العشاء.
وعلى مأدبة العشاء اعتذر نتنياهو عن المشكلة وحاول التوضيح بأنه لم يعرف بالموضوع وأن المسألة مجرد خطأ تقني بيروقراطي. ووجهت أوساط سياسية في الحكومة انتقادا لاذعا للوزير يشاي على هذا الاستفزاز. وحاولت تبرير الموقف بأنه نوع من كلح المشاعر تجاه الأميركيين. ولكن مصادر مقربة من نتنياهو أشارت إلى أن المسألة قد سُوّيت، وأنها لن تلحق ضررا بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية. إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والسياسيين في المعارضة هاجموا القرار ولاحظوا أن الحكومة تعتذر عن الأمور الشكلية في القرار لا عن المضمون. وكتب عكيفا الدار في «هآرتس» يقول: «من الصعب أن يقرر المرء ما هو أسوأ، هل نتنياهو قصد التخريب بأي ثمن على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين حول التسوية الدائمة بما في ذلك التسبب في أزمة مع إدارة الرئيس أوباما، أو أن يكون نتنياهو قد فقد السيطرة في أحد أكثر المجالات حساسية في الشرق الأوسط. لكن النتيجة واحدة. فنائب الرئيس الأميركي، الذي جاء لملاطفة خدّ نتنياهو، تَلقّى منه صفعة بلغت أصداؤها مسامع المسؤولين في واشنطن. وقد وضع نتنياهو البيت الأبيض أمام خيارين: إما أن يعطي الخد الثاني وبهذا يفقد نهائيا ثقة الفلسطينيين ويبعث الاغتباط لدى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وإما أن يردّ عليها بصفعة مدوية. وقد اختارت واشنطن الخيار الثاني».
الى ذللك, لم يحلف الحظ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع. ففي الوقت الذي كان يستقبل فيه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مقره، وكان يبدو كالطاووس فرحا ومبتهجا ومنتعشا، توالت عليه الإخفاقات. ليس فقط بسبب الأزمة في قضية بناء حي استيطاني في القدس المحتلة، فقد أراد تقديم هدية رمزية إلى بايدن، هي عبارة عن شهادة تدل على غرس شجرة في حرج إسرائيلي على اسم كاترينا جين بايدن، وهي والدة جو بايدن. وتم وضع هذه الشهادة داخل برواز من الزجاج المرسوم بشكل فني. وعندما بدأ نتنياهو في الشرح عن الهدية متباهيا بالفكرة الجميلة المؤثرة، وضع كوعه بالخطأ على البرواز فحطم زجاجه وسط ضحك الحاضرين.
لكن مساعدي نتنياهو لن يسمحوا بتخريب الفكرة، فكانوا قد احتفظوا بنسخة أخرى من الشهادة، من دون برواز. فسارع أحدهم إلى المكتب المجاور وأحضرها. وبما أن الهدية الأصلية كانت ممهورة بتوقيع نتنياهو وبجملة إهداء رقيقة، قرر نتنياهو إعادة كتابة الإهداء. ولكنه فتش في جيوبه فلم يعثر على القلم، فتطوع بايدن لإنقاذه من هذه الورطة، وقدم له قلمه.