خلال لقائه بالمثقفين السعوديين على هامش معرض الكتاب الدولي بالرياض أعلن وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة، عن عدم ممانعته في أن تتولى امرأة منصب رئيس تحرير إحدى الصحف السعودية في حال تم ترشيحها للمنصب من قبل مجلس إدارة الصحيفة.
وعلى الرغم من أن الوزير خوجة، هتف في جمهور المثقفين الذين التقاهم مساء أول من أمس في قاعة المحاضرات بمعرض الرياض الدولي للكتاب، طالبا منهم أن يتوجهوا بالنقد إلى وزارته التي كانت أكثر الوزارات حساسية تجاه النقد، فإن المثقفين الذين تقاطروا من كل أرجاء البلاد للالتقاء بوزيرهم تواطأوا على تمرير الجلسة بأقل مستوى من النقد، وأكثر قدرة على تضييع ما كانوا يعتبرونه «قضايا ملحة» وذات أهمية.
كما أن الوزير نفسه الذي أعلن أنه يرتدي في هذا اللقاء مشلح الثقافة حصرا، دون الإعلام، تبين من خلال اللقاء أن مشلح الوزير لم يكن سوى مشلح «الدبلوماسية» الذي جعله يتعاطى مع بعض الأسئلة الهامة والموضوعية بكثير من التنميق والاستيعاب دون أي إجابة مباشرة.
وكان الوزير خوجة أعلن في كلمته التي ألقاها، أنه لا يفكر نيابة عن أحد ولا يحب لوزارة الثقافة والإعلام أن تنفذ أمرا خارجا عن إرادة المثقفين. وفي رده على سؤال، أعلن الوزير مسؤوليته عن الأخطاء التي تقترفها لجنة مراقبة المؤلفات في الوزارة وما تسببه من تعطيل أو تعديل على المصنفات التي تقوم بإجازتها. كما أعلن الوزير أن «الحرية ليس لها سقف» فالحرية فضاء ولكنها أمانة، وقال للإعلاميين إنه يرحب بالنقد وخاصة الموجه لوزارته، وطمأنهم بأنه كلما كانت المهنية قوية وعميقة كانت كفيلة بحماية صاحبها.
وأعلن رفضه لثنائية المركز والأطراف، معتبرا أنها «ثنائية ظالمة.. وتنافي الحقيقة والتاريخ لأنها تخضع العمل الثقافي للمرجعيات السياسية ذات الطبيعة الآيديولوجية الخالصة».
وخلال إجابته على سؤال بشأن موقف الوزارة من فتاوى التكفير التي تطال المثقفين السعوديين، قال الوزير: «نؤمن بالتعددية الثقافية، كما نؤمن أن هناك مؤسسات رسمية هي التي نحتكم إليها، أما رأي الأفراد فهو رأي خاص ولكننا نحترمه أيضا».
كما أشار الوزير إلى أن تنظيما قريبا للإعلام البديل وخاصة المواقع الإلكترونية تتضمن خروجا على القوانين، وقال إن هذا الإجراء يأتي «لتنظيم العمل وليس مراقبته». كذلك أشار إلى أن الوزارة لا تهدف إلى وضع قيود أو مراقبة على محطات البث الإذاعي (إف.إم - FM ) التي تم منح رخصها قريبا، وقال إن الوزارة ستتخذ معها إجراءً شبيها بما تتعاطى به مع الصحف اليومية حيث لا تخضع لأي مراقبة. وفي رده على سؤال بشأن شح المخصصات لقطاع الثقافة، لمح الوزير إلى إمكانية أن تقوم وزارته بهيكلة تفصل بموجبها قطاع الإعلام عن الثقافة، وقال: «برأيي إن الثقافة يجب أن تكون وحدها دون شريك». وكان الوزير أعلن أن وزارة الثقافة والإعلام تمضي قدما في تحويل التلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية إلى هيئة عامة، كما تفكر في تخصيص وكالة بالمكتبات.
كما أعلن وزير الثقافة والإعلام عن عزم الوزارة تخصيص جائزة سنوية تحت اسم «جائزة معرض الرياض الدولي للكتاب» تمنح لأفضل ناشر وكتاب، اعتبارا من الدورة المقبلة.
وكشف عن تخصيص جانب من إنتاج مطبعة صحيفة «أم القرى» الحكومية لإصدار سلسلة تعنى بتراث الثقافة في الوطن. وتتيح هذه السلسلة التي تحمل عنوان «ذاكرة الثقافة في المملكة العربية السعودية» للأجيال الشابة الاطلاع على ما أبدعه أدباء ومثقفو الرعيل الأول في المملكة من إنتاج أدبي وفكري أثرى ثقافة ووعي المجتمع السعودي.
وأعلن أن الوزارة تستعد لعقد الملتقى الثاني للمثقفين والمثقفات السعوديين. كما أشار إلى أن الوزارة تدرس وبالتنسيق مع المثقفين إمكانية دمج الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون في مراكز ثقافية. وكذلك الحال بشأن المكتبات التي وعد بتطويرها وربطها تقنيا مع مصادر المعلوماتية.
وخلال كلمته ذكر خوجة المثقفين بكلمة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في افتتاح أعمال مجلس الشورى التي قال فيها إن «الكلمة أشبه بحد السيف بل أشد وقعا منه»، مهيبا بأن يدرك الجميع أن «الكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات والغمز واللمز وإطلاق الاتهامات جزافا، كانت معول هدم لا يستفيد منها غير الشامتين بأمتنا».
وأعتبر أن «معارض الكتاب هي مادة للدرس والتحليل وقياس اتجاهات الرأي والنظر في الصحف والجامعات ومراكز البحث وقياس اتجاهات الرأي العام».
وتحدث عن حركة الثقافة في السعودية مؤكدا أنها «تقوم على مبدأ الحوار» وقال إن «الثقافة بصفتها نشاطا مجتمعيا فعل إنساني، أي أنها تأخذ شكلها وجوهرها من الإنسان، وتعكس رؤيته للعالم من حوله، ومن تنوع تلك الرؤى والأفكار تتكون ثقافة المجتمع في مرحلة ما من مراحله».
وقال إن «تجربة الثقافة في المملكة تستحق النظر والتأمل فأن تكون هناك وزارة للثقافة فهذه تجربة حديثة جدا وقد يكون من حظ الثقافة فيما مضى أنها كانت فرعية لوزارات ومؤسسات حكومية مشغولة بمهامها الأساسية، وهذا ما سمح للعمل الثقافي أن ينمو رويدا رويدا».
واعتبر أن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون مؤسسات تنتمي إلى المجتمع المدني فهي نتاج الحراك الثقافي والاجتماعي في البلاد فسلمت هذه المؤسسات من تقاليد المؤسسة الحكومية البيروقراطية وكانت في تأرجحها قوة وضعفا نتاج المجتمع الثقافي وحراكه.
وأكد أن أصل الحراك الثقافي هو ما ينتجه المثقفون والمثقفات بمختلف فئاتهم واتجاهاتهم من إنتاج ثقافي وإبداعي يصب في تراثنا الثقافي الوطني مشيرا إلى أن برامج وزارة الثقافة والإعلام هي استجابة واعية لما يدور في الساحة الثقافية السعودية.
وخلال اللقاء بالوزير، أبدت المثقفات السعوديات «شراسة» في انتزاع حقوقهن في المشاركة على قدم المساواة مع الرجال. النساء طالبن أن يضع الوزير حدا لاستئثار الرجال بالمراكز القيادية في وزارة الثقافة والإعلام.
وردّ الوزير على المطالبات المتكررة للسيدات بأن عددا من أفراد وزارته يشتكون من طغيان العنصر النسائي في العمل داخل التلفزيون. مما دفع الكاتبة ليلى الاحيدب لمطالبة الوزير أن يحسم الجدل بشأن موقف وزارته من وضع المرأة بين «الثابت والمتحول»، أسوة بوزارات أخرى كوزارة التربية والتعليم، فردّ الوزير بأن النساء موجودات في المناصب القيادية في الأندية الأدبية، مضيفا أن ما يحكم تعيين الأشخاص هو الكفاءة وليس الجنس. في ذات السياق قال الوزير إنه لن يمانع إذا تقدم مجلس إدارة أي صحيفة محلية باختيار سيدة لمنصب رئيس تحرير. مشاركات السيدات لم تخل من شد وجذب، إحدى المشاركات عرضت أمام المثقفين أن زميلتها النمساوية الموجودة في الشرفة مع المثقفات لاحظت أن الوزير يرد على أسئلة المثقفين الرجال بكثير من الجدية والصرامة، بينما يتعاطى مع أسئلتهن بابتسامة.. فقال الوزير: إنه «يبتسم للنساء أدبا واتباعا للحديث النبوي (رفقا بالقوارير)». إحدى المثقفات سألت الوزير إلى متى يبقى دور المسؤول الثقافي شبيها بـ«عمدة الحارة» الذي يقتصر دوره على فض المنازعات بين المتخاصمين، فقال خوجة إن «ثقافتنا هي ثقافة عمدة حارة».. لكن الوزير أعلن في رده على سؤال لسهيلة زين العابدين اتخاذ إجراء فوري بشأن الرقابة على المصنفات التي تتسبب في تعطيل وتغيير محتوى المؤلفات وتعتبر تدخلا في الحقوق الأدبية للمؤلف. وقال الوزير إنه يتحمل المسؤولية حتى وإن غاب عنه هذا الإجراء وسوف يعالجه.