فيما أبلغ مسؤول ليبي رفيع المستوى، «الشرق الأوسط» بأن سلطات طرابلس باتت جاهزة لاستضافة أول قمة تعقد على أراضيها نهاية الشهر الحالي، وأنها أنهت الاستعدادات اللوجيستية والمادية كافة لضمان نجاحها، قالت مصادر عربية واسعة الاطلاع، لـ«الشرق الأوسط»، إن ليبيا لا تزال مدينة للجامعة العربية بنحو 20 مليون دولار، هي قيمة المستحقات المتراكمة عليها نتيجة عدم سداد حصتها في الموازنة السنوية للجامعة العربية، على مدى السنوات الأربع الماضية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ينوي مطالبة القمة العربية باتخاذ قرار فوري بوقف أي مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في ظل استمرار الدولة العبرية في الاستهانة بالمساعي العربية والدولية الرامية لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط.
وقال مسؤول ليبي بارز: «يرغب الأخ العقيد (القذافي) في أن تستعيد قمة طرابلس لاءات الخرطوم الثلاث الشهيرة، على اعتبار أن المشهد السياسي في المنطقة لم يتغير عما كان عليه في عقد الستينات من القرن الماضي».
وسيحصل العقيد القذافي، الذي يحمل ألقابا إقليمية ودولية عدة، على لقب الرئيس الحالي للقمة العربية عندما يتسلم رئاستها من أمير قطر، علما بأن القذافي، الذي يحمل لقبي عميد الحكام العرب والرؤساء الأفارقة، اعتاد أن يكون دوما نجم القمم بسبب أدائه السياسي المعروف.
وقالت مصادر عربية إن قمة طرابلس تظل محفوفة بالمخاطر في ظل الانقسام الحالي الذي يسود العلاقات العربية الثنائية، مشيرة إلى أنه من دون مصالحة حقيقية فإن قمة طرابلس لن تكون سوى استمرار لنهج مختلف القمم العربية الماضية في التغطية على هذه الخلافات وليس حلها.
وعلى صعيد ذي صلة، قال المسؤول ذاته لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إن بلاده لن توجه الدعوة إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أو خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، لحضور القمة العربية المقبلة، مشيرا إلى أن اجتماع القمة سيكون مقتصرا على الملوك والقادة والزعماء العرب، الذين تم توجيه الدعوة إليهم للمشاركة في فعاليات القمة.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه، أن طرابلس حريصة على أن تخرج القمة المرتقبة بمضامين تصب في مصلحة العمل العربي المشترك، لذلك لا تريد إفساد أي أجواء قبل التئام القمة.
وأضاف: «بعض أشقائنا العرب يعتقد أنه ليس لإيران أن تحضر القمة على اعتبار أنها اجتماع سنوي يخص رؤساء وقادة الدول العربية فقط، ومع إيماننا بضرورة تحسين العلاقات العربية - الإيرانية، وفتح حوار عربي معمق مع دول الجوار الجغرافي للنظام الإقليمي العربي، فإن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لن يكون مدعوا إلى هذه القمة».
وزاد قائلا: «مع ذلك، قد نوجه الدعوة إلى منوشهر متقي، وزير الخارجية الإيراني، لحضور الجلسة الافتتاحية للقمة»، مشيرا إلى أن طرابلس بصدد توجيه دعوات أيضا إلى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس ملاوي بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي، وملك إسبانيا، خوان كارلوس، الذي تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي.
ولفت المصدر ذاته إلى أن «هناك قائمة كلاسيكية لبعض المدعوين تم توجيهها في القمم العربية السابقة كلها، وهو أمر ستمضي السلطات الليبية على منواله».
وتدور تكهنات كثيرة حول احتمال تغيب بعض الزعماء العرب عن قمة طرابلس مثل الرئيس المصري حسنى مبارك، الذي أجرى مؤخرا عملية جراحية لاستئصال المرارة في ألمانيا، والرئيس اللبناني ميشيل سليمان، على خلفية الجدل الليبي - الشيعي بشأن مصير الإمام الشيعي المختفي، موسى الصدر، ومرافقيه منذ عام 1978.
وسبق للرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيلة، أن هدد خلال يناير (كانون الثاني) الماضي بمقاطعة قمة ليبيا، بسبب رفض طرابلس الموافقة على تمرير مشروع قرار يدين السياسية الاريترية ضد الصومال، وهو ما اعتبرته جيبوتي مؤشرا على خلل في العلاقات العربية بصفة عامة.
لكن مصادر عربية وليبية قالت في المقابل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الزعيم الليبي، الذي ستنتقل إليه رئاسة القمة للمرة الأولى، يأمل في حضور عربي فعال، وتميز لاجتماعات القمة العربية المقبلة، لتتويج عودة ليبيا الناجحة إلى المجتمع الدولي بعد حقب من العداوات مع الغرب والولايات المتحدة.
وقال مسؤولون ليبيون إنهم يأملون في أن يتمكن الرئيس مبارك من التعافي بسرعة وحضور القمة العربية، بالنظر إلى العلاقات الثنائية الحميمة بين البلدين، وبين مبارك والعقيد القذافي.
ولم تعلن القاهرة رسميا ما إذا كان الرئيس مبارك، الذي يخضع حاليا لفترة نقاهة في ألمانيا، سيشارك في القمة، أم سيوفد الدكتور أحمد نظيف، رئيس الحكومة المصرية، أو الدكتور مفيد شهاب، وزير المجالس النيابية، لرئاسة وفد مصر في حال تغيب الرئيس مبارك.
وقال مسؤول مصري: «ما زال الأمر مبكرا لحسم الأمر، المسألة كلها تعتمد على وضع الرئيس، بعد العملية الجراحية، ذلك أنه قد لا يتمكن من الحضور لأن القمة تتطلب مجهودا بدنيا وإرهاقا جراء سلسلة الاجتماعات التي تعقد على هامشها». وتغيب الرئيس المصري عن القمتين العربيتين السابقتين، اللتين عقدتا على التوالي في سورية وقطر، حيث ترأس الوفد المصري في هاتين القمتين الدكتور مفيد شهاب، الذي ترشحه دوائر مصرية لخلافة عمرو موسى، الأمين العام الحالي للجامعة العربية عندما تنتهي فترة ولايته الثانية في النصف الأول من العام المقبل.
وفيما يتعلق بالرئيس اللبناني، قال مسؤول في الحكومة الليبية إن ليبيا ترحب بحضوره في حال قرر المشاركة، مشيرا إلى أنه يتعين على الدولة اللبنانية أن تدير علاقاتها مع ليبيا بعيدا عن «المماحكات السياسية والإعلامية» لبعض الدوائر الشيعية في لبنان.
وأضاف: «نفهم أن صاحب القرار هو (الرئيس اللبناني) سليمان نفسه، وإذا ما قرر الحضور فهذا سيكون أمرا جيدا، والمسألة تخص الحكومة اللبنانية فقط، ولسنا طرفا في أي سجال مع أي طرف لبناني».
في المقابل، قال مسؤول جيبوتي لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تلقت ترضية مناسبة من ليبيا، على نحو قد يمكن الرئيس جيلة من المشاركة في القمة المقبلة، وأضاف: «تلقينا بالفعل دعوة لحضور القمة خلال استقبال ديليتا محمد رئيس الحكومة الجيبوتية لسليمان الشحومي، مسؤول الشؤون الخارجية في البرلمان الليبي».
واعتبر أن الخلاف بين جيبوتي وليبيا أصبح من الماضي، وأن الطرفين يتطلعان إلى صفحة جديدة قوامها الاحترام المتبادل، والحرص على المصالح العربية العليا والمشتركة.
إلى ذلك، كشف مصدر في الجامعة العربية لـ«الشرق الأوسط»، النقاب عن أن ليبيا مدينة بنحو عشرين مليون دولار للأمانة العامة للجامعة العربية، مشيرا إلى أن هذه المديونية هي إجمالي متأخرات ليبيا المستحقة عليها للجامعة العربية بسبب امتناع طرابلس عن دفع مساهمتها في الموازنة العامة للجامعة العربية التي تقدر بنحو 35 مليون دولار.
وأوضحت المصادر أن الأمين العام للجامعة العربية طلب أكثر من مرة من السلطات الليبية الإسراع في دفع هذه المستحقات، لكن كل نداءاته ذهبت سدى، ولم يتلق أي ردود إيجابية بشأنها.
وتعمدت ليبيا في السابق ربط دفع هذه المستحقات بتفعيل اللجنة الوزارية العربية، التي كانت مخصصة لدراسة الأفكار التي سبق وأن طرحها الزعيم الليبي في القمة العربية، التي عقدت في عمان عام 2001، والتي تتضمن إنشاء دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين تحمل اسم «إسراطين» لحل الصراع العربي الإسرائيلي.