لم يشعر الحزب الثالث في بريطانيا، حزب الليبراليين الديمقراطيين، بمثل هذه القوة منذ تأسيسه عام 1988. زعيمه الشاب نيك كليغ، الذي لا يتعدى الـ43 من العمر، بات منذ الآن يلقب بـ«صانع الملوك». وإذا صدقت استطلاعات الرأي التي تتوقع أن تنتج الانتخابات العامة التي ستجري خلال أسابيع، برلمانا معلقا، وهي عندما يعجز أي حزب عن الفوز بأغلبية المقاعد، فإن حزب الليبراليين الديمقراطيين سيكون هو من سيحدد ميزان القوة في الحكومة البريطانية المقبلة. في الأيام الأخيرة، أصبح السؤال الأكثر إلحاحا في الإعلام البريطاني، لمن سيقدم حزب الليبراليين الديمقراطيين دعمه في حال لم يفز أي من الحزبين الرئيسيين، العمال أو المحافظين، بأغلبية المقاعد. ولكن «الحزب الحاكم» مصر على عدم الخوض في ذلك قبل صدور نتائج الانتخابات ويصر على أنه لم يدخل في مفاوضات مع أي من الحزبين إلا بعد صدور النتائج. وتعليقا على ذلك، قال زعيم الحزب أمس في مقابلة مع صحيفة الـ«اندبندنت» إن حزبه سيبدأ مفاوضات حول السلطة مع الحزب الذي يحظى بـ«التفويض الأقوى». إلا أن في هذه الإجابة إبهام كبير. فبحسب النظام الانتخابي في بريطانيا، يمكن لحزب أن يحظى بأغلبية الأصوات في البلاد من دون أن يحظى بالضرورة بأغلبية مقاعد البرلمان. أي يمكن مثلا أن يحظى حزب المحافظين المعارض بأكبر عدد من أصوات الناخبين، ومع ذلك يحظى حزب العمال الحاكم بأكبر عدد من المقاعد. فمن يكون في هذه الحالة برأي كليغ هو الحزب حامل التفويض الأكبر؟
وعوضا عن إعلان دعمه لحزب معين، فإن الليبراليين الديمقراطيين سيعتمدون استراتيجية أخرى تتركز على عرض مطالبهم على الحزبين، والحزب الذي يدعم مطالبه أكثر، سيكون الفائز. وأعلن كليغ أمس أنه سيقدم خلال مؤتمر الحزب الذي يبدأ أعماله اليوم في مدينة برمنغهام، مطالبه التي سيفاوض على أساسها بعد الانتخابات. وقال لـ«اندبندنت» أمس إن هذه المطالب التي سيفصلها أكثر في كلمته ستتركز على أربع محاور: إلغاء الضرائب عن 4 ملايين شخص من الفقراء، ورفعها في المقابل على الأغنياء؛ استثمار أكبر في تعليم أولاد الفقراء؛ اعتماد اقتصاد صديق للبيئة؛ وإصلاحات سياسية من بينها نظام انتخابي جديد. ولطالما طالب حزب الليبراليين الديمقراطيين بنظام انتخابي نسبي يسمح له بأن يتمثل أكثر في البرلمان، إلا أن الحزبين الكبيرين يعارضان هذه الخطوة. كما أن براون عرض مؤخرا بعد الإصلاحات على النظام الانتخابي، ومن بينها اعتماد نظام الأفضلية في التصويت، وهو نظام رحب به الليبراليون الديمقراطيون ولكنهم قالوا إنه لا يزال بعيدا جدا عن النظام الأكثر عدلا وهو النظام النسبي. وقد حاول كليغ أيضا طمأنة الأسواق البريطانية القلقة جدا من برلمان معلق، بسبب اعتقادها بأن الحكومة التي ستنتج عنه لن تكون قادرة على اتخاذ قرارات لتخفيض الدين العام بل ستتلهى بمشاكلها الخاصة، وقال في المقابلة أمس: «إذا كنتم قلقين من أن حزب العمال لن يتمكن من مواجهة الدين العام بجدية، فنحن الضمانة.. وإذا كنتم قلقين من أن حزب المحافظين سيبدأ بتخفيض الإنفاق منذ اليوم الأول، فنحن أيضا الضمانة». ويحذر الاقتصاديون من أن البدء بخفض الإنفاق بطريقة سريعة، قد يعيد تعميق الأزمة الاقتصادية التي بدأت بريطانيا تتعافى منها قبل أشهر قليلة.
إلا أن نداء كليغ للأسواق والتطمينات التي يرسلها إليهم عبر تأكيده أن حزبه سيتعمد خطوات في الوسط بين العمال والمحافظين، قد لا يؤثر على تهدئة التوتر في الأسواق. ويقول الخبير الاقتصادي كريس فورنيس من مؤسسة «فوركاست» في تعليق على ذلك لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن تطميناته ستحدث فرقا، فهو سيقول ذلك لأن حزبه سيكون أكبر الرابحين في حال إنتاج برلمان معلق، لأنه سيكون الحزب الذي سيحدث التوازن في الحالتين». قد تبدأ إشارات بالظهور في الأيام القليلة المقبلة من الحزبين الكبيرين، حول مدى استعدادهما للتفاوض حول مطالب الحزب الثالث.. ولكن المؤكد أنه حتى موعد الانتخابات وصدور النتائج، سيبقى حزب الليبراليين الديمقراطيين في دائرة الأضواء، كما لم يكن في حياته السياسية من قبل.