زاد الاهتمام العالمي بفتوى العالِم الإسلامي الباكستاني الشيخ محمد طاهر القادري رئيس مؤسسة «منهاج الإسلام» التي أصدرها في مؤتمر صحافي بالعاصمة لندن في وقت سابق من الشهر الحالي وأكد فيها حرمة العمليات الإرهابية والانتحارية بأدلة القرآن والسنة النبوية المطهرة. مما جعل كريستيان أمانبور كبيرة مراسلي محطة «سي إن إن» تجري لقاء مع الشيخ القادري أول من أمس, حيث أكد أنه غير خائف على حياته من أي شخص على سطح الأرض، وقال إنه يعمل من أجل جسر الفجوة بين العالم الإسلامي والغرب، وإزالة الكراهية وكل أسباب سوء الفهم»، وأضاف القادري من هذا المنطلق، أن هذه تعتبر قضية جيدة فهو لا يخشى أحدا، «فهذا الأمر يعتمد على إرادة الله، فإذا كنت سأعيش فإنني سأعيش، وبخلاف ذلك فأنا لست خائفا».
وتأتي هذه المقابلة بعد أيام من أول حوار غير مسبوق مع الشيخ القادري أجرته «الشرق الأوسط» في مكتبه بشرق لندن, بعد ساعات من إصداره فتوى جاءت في 600 صفحة في لندن أدان فيها الإرهاب واعتبر من يقومون بأعمال إرهابية أعداء للإسلام.
وفي فتواه قال القادري لـ«الشرق الأوسط» إن «من يقومون بالأعمال الإرهابية مصيرهم جهنم، ولن يدخلوا الجنة ولن يشموا ريحها», منتقدا المتطرفين من المسلمين الذين ينتقون من الإسلام ما يبرر العنف. وقال: «لا مكان للإرهاب والعنف في تعاليم الإسلام ولا يوجد لهما أي تبرير، وأي نيات طيبة أو أي خطأ في السياسة الخارجية لأي دولة تحت أي ذريعة لا تمنح الشرعية للأعمال الإرهابية».
وأضاف أنه لا يعتقد أن رسالته ستصل إلى العدد القليل من المتشددين الذين «تعرضوا بالفعل لعملية غسل دماغ»، لكنه أوضح أن مئات الآلاف من الشباب السائرين على الطريق أو من المحتمل أن يتطرفوا سوف يستمعون لفتواه, مشيرا إلى أنه اعتمد في كتابة فتواه، التي لم تكُن الأولى ضد الانتحاريين والإرهابيين، على أدلة من مؤلفات الشيخ عبد العزيز بن باز, وشيخ الإسلام ابن تيمية، وناصر الدين الألباني. وحصلت «الشرق الأوسط» على حق نشر الفتوى باللغة العربية على حلقات. وصرح القادري بأن موجة الإرهاب والتطرف تؤدي إلى تدهور وضع الأمن والسلام في العالم بصفة مستمرة، ومن المؤسف أن النشاطات الإرهابية التي تقوم بها «عناصر ضالّة» تُضاف إلى الإسلام ولكن في الواقع ليس الأمر كذلك، بحسب ما جاء في موقع منظمة منهاج القرآن العالمية، الذي أسسه القادري على الإنترنت. وأضاف أن معظم رجال الدين يقومون بإدانة أعمال إرهابية بشكل مبهم، موضحا أن منظمة منهاج القرآن العالمية لا تدين أعمال الإرهاب فحسب، إنما ترفض ظاهرة الإرهاب بأشكالها كافة على المستويات كافة بشكل تام، مشيرا إلى أن الإسلام يدعو إلى الأمن والسلام. وأوضح القادري إن الإسلام وضع قوانين الحرب حيث منح الأطفال والنساء والمسنين حماية تامة خلال الحرب وأن المراكز التجارية والمدارس والمستشفيات وأماكن العبادة مناطق آمنة حسب تلك القوانين الحربية. وقال القادري إن «المهاجمين الانتحاريين يُعتبرون خارجين عن دائرة الإسلام»، معربا عن أمله أن لا يتم استخدام الشباب من قِبل عناصر إرهابية أو منظمات متطرفة بعد دراستهم الفتوى، مضيفا أن العناصر الإرهابية تقوم بغسيل أدمغة الشباب عبر تفسير عقائد الإسلام بشكل خاطئ، ويجب على الشباب الابتعاد عن نشاطات العناصر الإرهابية. يُذكر أن طاهر القادري أعلن أنه سيقوم بإصدار الفتوى ضد الإرهاب والهجمات الانتحارية بالتفصيل في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2009، معتقدا أنها تشمل 300 صفحة باللغات الثلاث الأردية والإنجليزية والعربية، ثم بعد ذلك زاد عدد صفحاتها إلى 600 صفحة بسبب الدراسة والتحقيق حول موضوع الفتوى، وأصبحت الفتوى الأولى من نوعها نظرا إلى محتواها العلمي، ويمكن القول إنها تُعَدّ وثيقة علمية وتاريخية.
وأوضح القادري أن الذين يريدون تطبيق النظام الأصولي على الآخرين عبر استخدام القوة ينتمون إلى مجموعة الخوارج التي «حملت السلاح وقامت بالبغي المسلح ضد الدولة الإسلامية باسم تنفيذ أحكام الله تعالى في عصر سيدنا علي رضي الله عنه», مشيرا إلى أن خوارج العصر الحديث ينتمون إلى سلالة الخوارج الذين برزوا في عصر سيدنا علي رضي الله عنه باعتبار أشكالهم وتصرفاتهم وأعمالهم». وقال إن بن لادن زعيم «القاعدة» ونائبه الظواهري هما من خوارج هذا الزمن الذي نعيشه اليوم. وصرح أيضا بأن الإسلام لا يسمح بمقتل المواطنين الأبرياء بأي سبب من الأسباب ويجب على الدولة الإسلامية أن تقوم بتطبيق نظام العدل والعقوبات بشكل تام وتقديم مرتكبي الأعمال الإجرامية للعدالة ولا يجوز لأحد انتهاك قوانين الدولة.
وتابع أن الإسلام «ليس فقط بريئا من التفجيرات الانتحارية والهجمات التي تستهدف المدنيين لكنه أيضا يُخرِج المتورطين فيها من الملة القويمة، أي أنه يعتبرهم كفارا». ووصف «القاعدة» بأنها «شر قديم باسم جديد». وأدان القادري بشدةٍ الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الدين ووصفهم بأنهم «أعداء للإسلام»، موضحا أن هؤلاء الناس إذا كانوا يرغبون في «الجهاد» فيجب عليهم القيام بالجهاد ضد الجهالة والفساد والفقر والشرور الاجتماعية الأخرى.
يُذكر أن الشيخ القادري يترأس حركة «منهاج القرآن» الصوفية التي تحارب التطرف الديني في عشرات المراكز المنتشرة في بريطانيا، وهو من مواليد عام 1951، ووالده الشيخ فريد الدين القادري الجيلاني كان من كبار علماء الشريعة في باكستان.