من المقرر أن يتم في أديس أبابا اليوم توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين الحكومة الصومالية وحركة أهل السنة والجماعة (تجمع للطرق الصوفية) التي تسيطر على الأقاليم الوسطى من الصومال. وكانت أديس أبابا قد شهدت توقيع هذا الاتفاق بالأحرف الأولى بين الحكومة وجماعة أهل السنة والجماعة في الثالث عشر من فبراير (شباط) الماضي، ثم عاد ممثلو الطرفين إلى داخل الصومال للتشاور. ويحضر توقيع الاتفاق اليوم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي «جان بينغ» وممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة إيقاد الأفريقية الراعية لمفاوضات السلام في الصومال. ويمثل الحكومة الصومالية في توقيع الاتفاق رئيس الوزراء الصومالي «عمر شرماركي» ومن جانب أهل السنة زعيمها الشيخ محمود معلم حسن. وقد أقلت طائرة خاصة قادة أهل السنة أمس من مدينة «طوسا مريب» بوسط الصومال متوجهين إلى أديس أبابا.
وينص الاتفاق بين الطرفين الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» بموافقة جماعة أهل السنة والجماعة على المشاركة في الحكومة الصومالية الحالية ودمج ميليشياتها في القوات الحكومية شريطة أن يكون من حق الحكومة تعيين قائد هذه القوات. وتحصل منظمة أهل السنة والجماعة بموجب الاتفاق على 5 وزارات في الحكومة، على أن يكون من بينها حقيبة واحدة من الوزارات المرموقة (الخارجية والداخلية والدفاع والمالية) إضافة إلى خمسة مدراء عامين لـ5 وزارات، وخمسة نواب وزراء أيضا، ووزير دولة واحد. ويتم ترشيح ممثلي أهل السنة والجماعة في الحكومة وأجهزتها المختلفة وفقا لمبدأ المحاصصة القبلية التي بنيت عليه الحكومة الحالية. ويدخل الاتفاق حيز التنفيذ خلال ثلاثين يوما من تاريخ التوقيع من خلال آلية تنفيذ مشتركة بين الطرفين بإشراف من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد والمكتب السياسي للأمم المتحدة في الصومال.
وينص الاتفاق إلى جانب ذلك على تعيين ثلاثة مرشحين من أهل السنة والجماعة في مناصب نائب قائد الجيش والشرطة وكذلك المخابرات. وتحصل أهل السنة والجماعة أيضا على ثلاثة سفراء وثلاثة قناصل و9 مناصب دبلوماسية (ملحقيات تجارية وثقافية وعسكرية) في السفارات الصومالية في الخارج. وتنازلت جماعة أهل السنة والجماعة بعد مفاوضات شاقة عن المطالبة بأي من مناصب الدولة الرئيسية (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان). وينص الاتفاق بين الطرفين أيضا على محاربة الأطراف المتطرفة المنافية للقيم الإسلامية التقليدية والأعراف الصومالية، وإنشاء المجلس الوطني الاستشاري لعلماء الصومال.
وتعتبر حركة أهل السنة، من حيث ظهورها كتنظيم سياسي مسلح، أحدث الحركات الإسلامية المسلحة في الصومال، ويرجع تاريخ إنشاء حركة أهل السنة والجماعة، أو اتحاد الطرق الصوفية في الصومال إلى عام 2003 كتنظيم غير سياسي في بداية الأمر، يهتم فقط بتطوير الطرق الصوفية والتنسيق في مجالات الدعوة والتعليم والفتوى، ولم يكن لهذه الجماعة دور سياسي أو عسكري حتى منتصف عام 2008 عندما ثار أتباع الطرق الصوفية على قيام حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي، وهما محسوبان على التيار السلفي الجهادي، بهدم عدد من الأضرحة والمزارات التي تعود لقادة الطرق الصوفية ومؤسسيها في الصومال.
وبناء على هذه الاتفاقية تكون منظمة أهل السنة والجماعة أكبر فصيل ينضم إلى الحكومة الصومالية التي حققت نجاحا محدودا حتى الآن في استقطاب مجموعة من ميليشيات وقادة الحزب الإسلامي المعارض. وتسيطر أهل السنة والجماعة على مناطق واسعة من وسط الصومال، ولها تواجد عسكري في المناطق الحدودية مع إثيوبيا في جنوب البلاد.
ميدانيا، تستمر المعارك العنيفة في العاصمة الصومالية مقديشو بين قوات الحكومة الصومالية التي تدعمها قوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام (أميصوم) من جهة، ومقاتلي حركة الشباب المجاهدين المعارضة من جهة ثانية، ولليوم الثالث على التوالي استيقظ سكان العاصمة مقديشو أمس الجمعة على دوي المدافع الثقيلة المتبادلة بين الطرفين، وقد اندلع القتال العنيف مجددا فجر الجمعة بعدة أحياء بوسط وشمال شرق العاصمة، من بينها حي عبد العزيز، وكاران، وشبس بشمال وشرق العاصمة، إضافة إلى حي وارديغلي، وكذلك هول وداغ بوسط العاصمة بالقرب من القصر الرئاسي. وحركت قوات الاتحاد الأفريقي عددا من دباباتها وآلياتها العسكرية الأخرى، واستخدمت المدفعية الثقيلة لقصف مواقع مقاتلي حركة الشباب في شمال وشرق مقديشو، وأحياء أخرى بعيدة عن مناطق القتال، وتعرضت عدة مناطق من بينها سوق الـبكارو - أكبر الأسواق في مقديشو - لقصف بالمدفعية الثقيلة.
ودعت الحكومة السكان في مناطق القتال إلى الابتعاد عن مناطق محددة من العاصمة لمسافة كيلومترين على الأقل، وهي المناطق التي يدور فيها القتال العنيف حاليا، وذلك تجنبا لوقوع خسائر إضافية في صفوف المدنيين. وجاء هذا النداء على لسان محافظ إقليم العاصمة عبد الرزاق نور الذي قال: «إن الحكومة تعتزم شن هجوم جديد على مواقع المسلحين هناك، لذا تدعو الحكومة المواطنين إلى الابتعاد عن المناطق التي قد تشهد مواجهات، تجنبا للقصف الذي يستهدف مواقع المسلحين». وبدأ السكان الفرار من منازلهم خوفا من الوقوع بين النيران، وخاصة في الأحياء الشمالية والشرقية للعاصمة، التي كانت أصلا شبه خالية من السكان بسبب المعارك التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية. وذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيان لها أمس الجمعة أن أكثر من 100 ألف شخص اضطروا إلى الفرار من ديارهم في الصومال منذ بداية العام بسبب العنف والقتال المتواصل. وعبرت المفوضية عن قلقها إزاء الوضع المتدهور في البلاد، وحذرت من أن المزيد من النازحين يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني الخطير في مخيمات النازحين.
وعلى الرغم من ضراوة المعارك التي تجري لليوم الثالث على التوالي؛ إلا أن ذلك لم يغير من الخريطة العسكرية في مقديشو، وتقول الحكومة الصومالية إنها بصدد شن هجوم شامل لإخراج المقاتلين الإسلاميين من العاصمة بشكل نهائي، فيما تقول حركة الشباب المجاهدين إن هدفها هو الاستيلاء على المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، ومن بينها القصر الرئاسي الذي تحميه قوات الاتحاد الأفريقي، ودعا المتحدث باسم حركة الشباب الشيخ علي محمود راجي شعب مقديشو إلى الاستعداد لحملة واسعة لطرد القوات الأفريقية من الصومال. وارتفعت حصيلة المعارك التي دخلت يومها الثالث على التوالي إلى نحو 55 قتيلا، فيما تعج مستشفيات مقديشو القليلة بأكثر من 170 جريحا سقطوا خلال الاشتباكات الأخيرة. ويقول العاملون في مجال الإسعاف إن عدد الجرحى يفوق الطاقة الاستيعابية لمستشفيات العاصمة.