الاقتصاد يدفع الرئيس البرازيلي إلى زيارة طهران.. وسط استياء أميركي - إسرائيلي

واشنطن: إذا أخفق لولا في الحصول على استجابة من نجاد حول الملف النووي فهذا سيلقنه درسا

الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا يرتدي القلنسوة اليهودية خلال زيارته إلى نصب تذكاري للمحرقة اليهودية في القدس أمس (أ.ف.ب)
TT

عندما يدافع الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا عن حق إيران في امتلاك برنامج نووي ويضع خططا لزيارة طهران في مايو (أيار)، فإنه يتبع بذلك نهج نظيره الفنزويلي هوغو شافيز. لكن التشابهات بين النهجين تتوقف عند هذا الحد.

يأتي تأييد شافيز، الذي زار إيران 8 مرات، لهذه الدولة المطلة على الخليج ورئيسها محمود أحمدي نجاد انطلاقا من إيمانه بأن الرئيس الإيراني «رفيق مقاتل في المعركة ضد الإمبريالية» في مواجهة الولايات المتحدة.

في المقابل، من الواضح أن دوافع لولا تحمل طابعا آيديولوجيا أقل عن طابعها الاستراتيجي، حسبما يعتقد محللون برازيليون وأميركيون. ويرى هؤلاء المحللون أن سياسته تجاه طهران ترمي لتحويل العضلات الاقتصادية البرازيلية إلى نفوذ عالمي من خلال دفع التجارة «الجنوبية - الجنوبية» وتعزيز الروابط السياسية مع الدول النامية. في المقابل، فإن إيران بعدد سكانها البالغ 74 مليون نسمة تبدو سوقا جذابة، وتساعد معارضة لولا لفرض عقوبات ضد طهران في حماية البرنامج النووي المدني البرازيلي من التدخل الخارجي.

في هذا الإطار، أوضح ماتياس سبيكتور، خبير السياسة الخارجية البرازيلية وزميل «مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن، أن الأمر «لا يتعلق بإقرار موقف إيران، وإنما باعتقاد لولا أن الاتفاقات الدولية، مثل معاهدة حظر الانتشار النووي، لا ينبغي استغلالها على نحو انتقائي من جانب قوى عظمى لمعاقبة الدول الأضعف».

بغض النظر عن حقيقة دوافعه، أثارت محاولات لولا التقارب مع إيران قلق واشنطن وإسرائيل، التي وصل إليها، الأحد، في إطار جولة تشمل زيارة المناطق الفلسطينية والأردن.

من جهتها، أكدت دوريت شافيت، نائب مدير عام شؤون أميركا اللاتينية داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية، خلال مقابلة أجريت معها، أنه «من المهم بالنسبة لنا إظهار أن إيران تحاول بالفعل تطوير برنامج نووي. حتى الآن، لا تزال البرازيل للأسف تعتقد أنه فقط إذا ما شرحنا موقفنا أمام إيران وتعاونا معها، سيقتنع الجانب الإيراني بموقفنا». يعد لولا أول رئيس برازيلي يقوم بزيارة رسمية لإسرائيل. وأعرب، الاثنين، في القدس، عن أمله في أن يتمكن من العمل كصانع سلام في المنطقة.

وقال خلال احتفال الترحيب به داخل مقر إقامة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في القدس: «أتينا هنا للحديث عن السلام، وجئنا أيضا لتعزيز روابطنا بإسرائيل. إننا مهتمون بدفع عملية السلام قدما، لأننا كبرازيليين نعشق السلام». تكشف الأرقام أن الصادرات شكلت 9% من إجمالي الناتج الداخلي العام الماضي، وأن التجارة السنوية مع إيران شهدت ارتفاعا بلغ 40%، حيث وصلت إلى ملياري دولار منذ تولي لولا الرئاسة عام 2003. جدير بالذكر أنه عام 2003، فازت شركة «بتروليو برازيليرو»، المملوكة للدولة ومقرها ريو دي جانيرو، بعقد للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية الإيرانية بالخليج. وقد رافق أحمدي نجاد في زيارته للبرازيل العام الماضي 200 من كبار رجال الأعمال الإيرانيين.

من ناحية أخرى، نظمت الجالية اليهودية في البرازيل البالغ قوامها قرابة 100.000 شخص مظاهرات خلال زيارة أحمدي نجاد للبلاد في نوفمبر (تشرين الثاني). وصرح لولا بأنه أخبر الرئيس الإيراني بإنهاء خطابه المعادي للسامية.

وصرح خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 9 مارس (آذار)، «أخبرت الرئيس محمود أحمدي نجاد بأنه من المستحيل إنكار وقوع المحارق النازية بحق اليهود (هولوكوست). إنها حقيقة محفورة في الضمير الإنساني، ومسألة وجود خلافات بينكم وبين إسرائيل لا ينبغي أن تدفعكم لإنكار أو عدم الاعتراف بالتاريخ».

جدير بالذكر، أن لولا تعرض للسجن لفترة وجيزة لتحديه النظام الدكتاتوري البرازيلي الذي حكم البلاد بين عامي 1964 و1983، وقد أبدى ترددا حيال انتقاد القيادات الدينية والسياسية الإيرانية.

وقارن لولا بين سحق المظاهرات التي اندلعت في شوارع طهران من جانب قوات الشرطة في أعقاب فوز أحمدي نجاد الانتخابي المتنازع حوله العام الماضي والقتال بين مشجعي ناديي «فلامنغو» و«فاسكو دا غاما» لكرة القدم في ريو دي جانيرو.

وسيكون لولا سادس رئيس دولة أو حكومة يزور إيران منذ الانتخابات الرئاسية هنا، طبقا لما أعلنه موقع الرئيس الإيراني على شبكة الانترنت. وسينضم بذلك إلى مجموعة تضم شافيز، وإيف موراليس، رئيس بوليفيا، وبشار الأسد، رئيس سورية، ومحمد ولد عبد العزيز، رئيس موريتانيا، الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 2008.

من ناحيته، قال محمد شاكيل، المحلل البارز لدى «إكونوميك إنتليجنت يونيت» في لندن: «دعوة رئيس برازيلي تعد انقلابا سياسيا هائلا لصالح إيران، خاصة في وقت تتجادل الدول الغربية حول ما إذا كانت حكومة إيران شرعية». وقال لولا إن البرازيل كعضو مناوب بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عاقدة العزم على الحيلولة دون تكرار ما حدث في العراق، حيث خاض تحالف بقيادة الولايات المتحدة حربا في العراق بناء على ما اتضح لاحقا أنه معلومات استخباراتية غير دقيقة حول عمل صدام حسين على صنع أسلحة دمار شامل. وأضاف أن العقوبات تأتي بنتائج عكس المرجوة.

وقال السفير روبرتو جاغاريب، رئيس الشؤون السياسية بوزارة الخارجية البرازيلية، خلال مقابلة أجريت معه: «عند هذه النقطة، ربما تخدم العقوبات في تعزيز موقف القيادات الأكثر راديكالية في إيران».

كما يأتي موقف لولا كوسيلة لانتقاد القوى النووية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، لما يعتبره فشلا من جانبها في الالتزام بما ورد في معاهدة حظر الانتشار النووي ونزع التسليح النووي.

وقال جاغاريب: «المسألة تتعلق بالإنصاف: لا يمكنك أن تخبر دولة ما أن لها الحق في امتلاك برنامج نووي، بينما تحرم أخرى من ذلك».

من ناحيتها، قالت الولايات المتحدة إنها لن تغلق الباب أمام البرازيل ورئيسها فيما يخص إيران. في هذا السياق، أعلن بي جيه كراولي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية خلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف، أنه «إذا ما توجه إلى إيران وحاول إقناعها باتخاذ موقف بناء بدرجة أكبر على الصعيد النووي، فلا بأس في هذا الأمر. وإذا أخفق في الحصول على استجابة ذات معنى حقيقي من أحمدي نجاد، فإن هذا ينبغي أن يلقنه درسا ما».

* خدمة «واشنطن بوست و«بلومبرغ نيوز» ـــ خاص بـ «الشرق الأوسط»