الصحافة والمعارضة في إسرائيل تذكران رئيس الوزراء بأن أميركا هي الدولة العظمى.. وحزب «العمل» يهدد بالانسحاب من الحكومة

مختلفون في تقويم الأزمة.. هناك من يقول إنها أثبتت أنه لا يصلح رئيساً لحكومة.. وآخرون: أوباما يريد إذلالنا

TT

اختلفت وجهات النظر في إسرائيل في تقويم الأزمة السياسية مع إدارة الرئيس باراك أوباما، لكن غالبية ما يقال ويكتب في الصحافة الإسرائيلية وفي صفوف أحزاب المعارضة، يهاجم سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وبلغ الأمر بالكاتب في «هآرتس»، يوئيل ماركوس، أن يدعو نتنياهو إلى الاستقالة باعتبار أن أداءه في هذه الأزمة يثبت بأنه لا يصلح لمنصب رئيس حكومة. ولكن كان هناك أيضا من وقف إلى جانبه وتحدث عن أن «ليست إسرائيل بحاجة إلى أميركا، فحسب، بل أميركا أيضا بحاجة إلى إسرائيل».

فعلى الصعيد السياسي، طالبت رئيسة حزب «كديما»، تسيبي ليفني، نتنياهو بأن يطوق الأزمة بشكل حكيم ويدرك أن الحديث يجري عن الولايات المتحدة، الحليف الذي لا يريد لإسرائيل إلا الخير. ولا يجوز المساس به أو بمصالحه.

وقال زعيم حزب «ميرتس»، حاييم أورون، إن نتنياهو يتصرف مع الولايات المتحدة كما لو أنه فيل داخل حانوت فخار. وحتى حزب العمل الشريك في الحكومة رأى أن الأزمة مع أميركا لا تروق لهذا الحزب وأنه سيجد نفسه خارج الحكومة إذا استمرت. وصرح زعيمه وزير الدفاع إيهود باراك، الذي يزور إسبانيا حاليا بأنه يؤيد أن تتجاوب حكومته مع كل المطالب الأميركية من أجل تسوية الأزمة واقترح أن يتم حشر نتنياهو سوية مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، في غرفة واحدة ليتفاوضا في كل القضايا.

وحتى الرئيس شيمعون بيريس، الذي يحظر عليه التحيز لموقف سياسي دون الآخر كونه في منصب بروتوكولي، انتقد ضمنا نتنياهو، بقوله «الولايات المتحدة هي أهم حليف لنا. محظور علينا الدخول في صدام معها، لأننا عندئذ نبقى لوحدنا معزولين في العالم. علينا أن نفتش عن الوسائل لتقوية العلاقات معها لا إضعافها. وما يمكن اعتباره مخاطرة من أجل السلام، أيا كان نوعه، فهو أفضل من المخاطرة العكسية ضد السلام».

وانقسمت الآراء في الصحافة الإسرائيلية أيضا. فقد كتب حانوخ داووس في «يديعوت أحرونوت»، «لنبدأ من النهاية، مع الحقيقة البسيطة، التي يعرفها كل عم يساعد ابن اخيه في أجر الشقة: مع كل الاحترام للمساعدات المباركة، لا يمكن شراء روح الإنسان بأي مبلغ مالي كان. وبالتأكيد ليس روح دولة. إسرائيل تحتاج إلى أميركا، ولكنها تحتاج بقدر أكبر إلى الاستقلالية بالنسبة لمبادئها المقدسة. الناس في هذه الدولة، وهذا شبه إجماع، يعتقدون أن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل. وهم يؤيدون البناء في غيلو، وفي رمات شلومو. 42 سنة ونحن نبني هذه المدينة. غولدا (مئير)، و(إسحق) رابين، و(أرييل) شارون، و(إيهود) أولمرت، كلهم بنوا فيها. هل خطأ موظف في لجنة مالية يحرم إسرائيل من حقها في القدس؟». وأضاف «هناك القليل من الأمور المهمة لنا أكثر من التحالف مع أميركا، والقدس الموحدة هي بالتأكيد واحدة منها. إسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة، يا فخامة الرئيس. هذا صحيح. ولكن يوجد جانب آخر في هذه المعادلة، لم تتمكن من تعلمه بعد: الولايات المتحدة هي أيضا تحتاج إلى إسرائيل».

وكتب وزير الدفاع الأسبق عن حزب الليكود، البروفسور موشيه أرنس، في «هآرتس»: «على مر السنين نشبت خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة وهو شيء لا يُمنع أيضا بين أفضل الأصدقاء. لم يتم التعبير عن الخلافات علنا على نحو عام بل بُحثت بسرية بين ممثلي الدولتين. لكن الرئيس أوباما أخذ بتوجه جديد لمح إليه بخطبة القاهرة في السنة الماضية عندما دعا إسرائيل علنا إلى وقف البناء في المستوطنات. سبب هذا التوجه هو إرادة التعجيل بالتفاوض بين إسرائيل وعباس. لكنه يتبين للأميركيين بما يؤسفهم، أن هذا التوجه يُصعب على عباس بل ربما يمنعه المجيء إلى طاولة المباحثات. ففي حين أجرى عباس في الماضي محادثات مع إسرائيل بلا شروط مسبقة والبناء في المستوطنات مستمر، لم تترك له خطبة القاهرة من خيار سوى طلب وقف البناء في يهودا والسامرة شرطا مسبقا لبدء المحادثات، فإن عباس لا يستطيع أن يكون أقل فلسطينية من أوباما. الآن بعد التصريحات التي أسمعها بايدن في إسرائيل وتوبيخ هيلاري كلينتون الرسمي لنتنياهو، يبدو أن عباس سيطلب وقف البناء في القدس، بل ربما يطلب تجميد جميع خطط البناء في المستقبل، شرطا لبدء التفاوض. وكما يقول المثل: «لماذا إحداث الصعاب إذا كان يمكن بجهد صغير جعل المسألة غير ممكنة. ليست هذه سبيل تقديم مسيرة السلام». وكتب بن درور، (يميني) في «معاريف»، أمس: «بدأت الأزمة الجديدة بسبب إعلان غبي في وقت حرج. بيد أن ما حدث يصور أكثر من كل ما نحن مستعدون لفهمه أسباب عداوة إسرائيل حتى لو كانت محدودة في هذه الأثناء عند دوائر معينة في النخب وفي الإدارة».

بيد أن غالبية المقالات انتقدت سياسة نتنياهو. وخصصت «أحرونوت» صفحتين كاملتين توضح فيها كم هي الولايات المتحدة نصيرة لإسرائيل وكريمة معها وضرورية للوقوف إلى جانبها، وتساءلت عمليا، من هي الدولة العظمى هنا، إسرائيل أم الولايات المتحدة. وكتب المحرر السياسي شيمعون شيفر، مقالا قال فيه إنه إضافة إلى حيوية الدعم السياسي الأميركي لوجود إسرائيل فإن حتى المستوطنات التي يعتقد الأميركيون أنه يجب اخلاؤها، بنيت بالمساعدة التي هم أنفسهم منحوها لإسرائيل، ومن الجنون التفكير في صدام مع الأميركيين.

وكتب المحرر العسكري، أليكس فيشمان: «لنقل إن حكومة إسرائيل يمكنها أن تطلق، ابتداء من يوم غد، طائرات سلاح الجو لقصف المنشآت النووية في إيران دون أن تبلغ أو تنسق ذلك مع الإدارة الأميركية. ولنقل إن سلاح الجو جاهز لتنفيذ مهمات بعيدة المدى من هذا النوع، وإن في وسعه أن يقدم إنجازات دراماتيكية. إذن ماذا؟ ماذا سيحصل بعد دقيقة من عودة الطائرات إلى البلاد؟ ماذا سيحصل بعد أن تتبدد سحب الدخان من فوق الأهداف؟ هل دولة إسرائيل قادرة على أن تترجم مثل هذا الإنجاز العسكري إلى إنجاز سياسي، إلى اتفاق سياسي، دون الظهر الأميركي؟ الجواب هو: لا. إسرائيل خرجت إلى حرب صغيرة في لبنان في 2006. ومع من وقعت اتفاق وقف النار؟ ليس مع نصرالله. وقعته مع كوندوليزا رايس، التي مررت قرارا في مجلس الأمن.