نتائج الانتخابات العراقية تعمق الانقسامات رغم تفكك التكتلات الطائفية والعرقية الكبرى

علاوي يواجه تحديين: تحقيق توازن بين مطالب ناخبيه والحاجة للتحالف لتشكيل حكومة

TT

تشير النتائج الجزئية للانتخابات العراقية ضمنيا إلى وقوع تحول حاد ومثير للانقسامات على صعيد السلطة والنفوذ في العراق، مع تحدي مرشح علماني رئيس الوزراء نوري المالكي وتفكك التحالفات القديمة تحت وطأة تصاعد حركات الانشقاق.

إلا أنه ينبغي التنويه في هذا الصدد بأن النتائج النهائية للانتخابات لم تعلن بعد، وبالنظر إلى الصيغة المعقدة لتخصيص مقاعد البرلمان، فإن نقاط القوى النسبية للتحالفات السياسية الكبرى ربما تتبدل. ومع ذلك، تبقى حقيقة أن نتائج فرز الأصوات الخاصة بالانتخابات البرلمانية التي أجريت الأسبوع الماضي توحي بظهور معادلة جديدة للقيادة تسير وفق قواعد رياضية قديمة.

الملاحظ أنه خلال هذه الانتخابات، واجهت التحالفات الكردية والشيعية العربية التقليدية حركات تتحدى ادعاءاتها بأحقية تولي الزعامة، خاصة من قبل أتباع رجل الدين الراديكالي مقتدى الصدر، الذي قاتل ضد الأميركيين مرتين عام 2004. كما شهدت هذه الانتخابات اكتساب الناخبين العرب السنة جرأة جديدة، حيث جاءت مشاركتهم قوية تحت مظلة تحالف علماني.

بيد أنه من نواح عدة تسببت هذه الانتخابات في تعميق الانقسامات العرقية والطائفية التي أطلقها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق عام 2003. فرغم الجهود الدؤوبة التي بذلتها غالبية الأحزاب السياسية لإثارة المشاعر الوطنية، لا يزال الناخبون يعتمدون على ولاءات وهويات دون الوطنية في إدلائهم بأصواتهم. وكان من شأن التقسيمات ما بين عرب سنة وعرب شيعة وأكراد إفساد محاولات تسوية أكثر القضايا إلحاحا أمام البلاد، بما في ذلك الحدود المتنازع بشأنها بين العرب والأكراد ونطاق سلطات الحكومة المركزية في بلاد لا تزال تطاردها أشباح عقود من الحكم الاستبدادي.

في هذا الإطار، أوضح سامي العسكري، حليف المالكي ومرشح في بغداد، أنه «قبل الانتخابات، كان يحدونا الأمل في تجاوز الانقسامات الطائفية. شخصيا، أشعر بخيبة الأمل. كأمة وكشعب، لم نتجاوز هذا الخط بعد، وأنا آسف لقولي هذا».

وعمت الفوضى عملية إعلان النتائج التي كان من المتوقع إعلانها الأسبوع الماضي.

مساء الاثنين، تفجرت حالة من الفوضى مجددا، مع إرجاء المسؤولين مرارا إصدار نتائج الفرز الجزئي للأصوات، ثم إغلاقهم المكاتب قبل إعلان النتيجة النهائية. من جانبهم، اعترف مسؤولون غربيون بوقوع خلافات حزبية داخل المقر الرئاسي للمسؤولين الانتخابيين، لكنهم قللوا من أهمية التجاوزات التي ربما تقضي على شرعية الانتخابات. في هذا الإطار، قال أحد المسؤولين، رفض الإفصاح عن هويته لحساسية القضية: «لم نر دليلا واحدا على وقوع أعمال تزوير واسعة النطاق».

من ناحية أخرى، جاءت نتائج الانتخابات المعلنة لتؤكد بعض التوقعات المسبقة. وتعد هذه الانتخابات واحدة من المراحل الأساسية في الخطط الأميركية الرامية لسحب جميع القوات الأميركية في البلاد البالغ قوامها 50.000 جندي بحلول أغسطس (آب). يذكر أن المالكي حقق فوزا كبيرا في ست من محافظات العراق الجنوبية التسع، والتي تقطنها أغلبية شيعية. في المقابل، حقق الائتلاف الذي يتزعمه إياد علاوي، شيعي علماني ورئيس الوزراء السابق الذي ظهر كزعيم للسنة، مكاسب داخل المحافظات السنية، وجاء فوزه كاسحا في بعض الحالات.

أما بغداد، التي تحظى بسبعين مقعدا في البرلمان، فشكلت اختبارا انتخابيا حيويا. ففي الوقت الذي كان يحصد المالكي الفوز في المدينة، جاءت قائمة علاوي في المرتبة الثانية بفارق ضئيل. من جهته، علق العسكري، المرشح المتحالف مع المالكي، بقوله: «تعد بغداد المنطقة الحاسمة».

وتوقع الكثيرون فوز المالكي بأغلبية الأصوات، مثلما فعل حزبه في الانتخابات البلدية العام الماضي. إلا أنه بالنسبة لرئيس الوزراء، سيشكل أي هامش للفوز أهمية حيوية في منحه سلطة لقيادة المفاوضات مع الائتلافات المنافسة، التي من بين زعمائها بعض ممن يخشون النزعات الاستبدادية للمالكي أو يمقتونه على المستوى الشخصي. على سبيل المثال، يبدي أنصار الصدر معارضة قوية لتولي المالكي رئاسة الوزراء مجددا. من جهته، أعرب دبلوماسي غربي غير مخول له تناول هذه القضية، عن اعتقاده بأنه «بدا الأمر وكأنه سيأتي في المقدمة. ورغم أن هذا لا يزال يبدو محتملا، لكن ربما لا يحصد عددا كافيا من الأصوات لضمان احتفاظه بمنصب رئيس الوزراء».

ووصف مسؤولون غربيون تنافس علاوي مع المالكي بأنه «كتف بكتف». وتوحي النتائج بعودة قوية على نحو مثير للدهشة لعلاوي. وكعضو في البرلمان، نادرا ما حضر علاوي الجلسات. وفسر الكثيرون عودة علاوي القوية بأنها انتصار لائتلاف تجاوز الخطوط الطائفية والتزم بنهج وطني. إلا أن النتائج المعلنة (الاثنين) أن ائتلافه حقق مكاسب متواضعة فحسب في الجنوب الشيعي من البلاد، وجاء في المرتبة الثالثة بفارق كبير في معظم المحافظات هناك. وقد خلق ذلك واحدة من أكبر المعضلات التي تمخضت عنها الانتخابات: شيعي علماني يتزعم كتلة سنية في البرلمان.

كما يشير هذا الوضع إلى الصعوبة الكبرى التي سيقابلها علاوي: تحقيق توازن بين مطالب ناخبيه والضرورات التي تفرضها الحاجة لتشكيل ائتلاف من أجل ترؤس الحكومة. وقد أصر أحد الحلفاء في قائمته على تخصيص الرئاسة إلى عربي سني بدلا من كردي. كما يبدي الكثير من المرشحين الأقوياء في قائمته، المعروفة باسم «العراقية»، معارضة شديدة لتقديم تنازلات إلى الأكراد فيما يخص الحدود المتنازع عليها. في هذا الصدد، أعرب خالد شواني، عضو البرلمان والمرشح في كركوك عن ائتلاف بين الحزبين السياسيين المهيمنين على الإقليم الكردي بالبلاد، عن اعتقاده بأنه «إذا تمسك المتطرفون داخل (العراقية) بهذا النهج، فإنه لن تقدم أي كتلة وطنية على الدخول في تحالف معهم».

الواضح أن الحزبين الرئيسيين في المنطقة الكردية العراقية وجدا نفسيهما في منطقة غير مألوفة، حيث أصابهما شعور بالإحباط تجاه النتائج الانتخابية المعلنة حتى الآن من كركوك، وهي مدينة متنازع حولها بين التركمان والعرب والأكراد. وكان الحزبان قد توقعا الفوز بثلثي المقاعد عن المدينة. مع فرز 60% من الأصوات، جاء ائتلافهما في مرتبة متأخرة عن الائتلاف الذي يتزعمه علاوي والمؤلف من عرب وتركمان.

إضافة إلى ذلك، واجه الائتلاف الكردي تحديا أمام قيادته من داخل الأكراد أنفسهم، حيث جاء حزب الرئيس جلال طلباني (أحد أبرز زعيمين كرديين وإحدى الشخصيات السياسية البارزة على المستوى الوطني)، في مرتبة متأخرة داخل معقلهم عن حزب إسلامي وجماعة كردية ثالثة تعرف باسم «غوران»، أو «التغيير»، وهي جماعة منشقة عن حزبه. في تعليقه على هذا الأمر، قال دانا أحمد مجيد، المتحدث الرسمي باسم التغيير «هذا إنجاز عظيم - الائتلاف الكردستاني في مواجهة حركة يقل عمرها عن عام».

وتجري أيضا عملية إعادة تحالف داخل التحالف الشيعي الذي شكل التحدي الأكبر أمام المالكي في جنوب البلاد، حيث جاء منفيون أكراد اضطلعوا بأدوار بارزة في الحياة السياسية الشيعية منذ عام 2003 في مرتبة متقهقرة عن المرشحين المتحالفين مع الصدر داخل بغداد والعديد من المحافظات. ويقول مرشحون وسياسيون آخرون أن أنصار الصدر ربما يفوزون بأغلبية أصوات الائتلاف، مما يضعهم في المرتبة الثانية بعد المالكي كقوة شيعية.