رغم القمع والمظاهرات والعقوبات.. مبرمجون إيرانيون يبتكرون لعبة كومبيوتر

قرروا تأخير إطلاقها تعاطفا مع عوائل السجناء

TT

ربما يبدو غريبا أن يقوم مجموعة من الأصدقاء بابتكار لعبة كومبيوتر في مكتب خاص ومترب. ولكن طلاب الهندسة الإيرانيين والمبرمجين ورسامي الرسوم المتحركة الذين ابتكروا «كرشاسب» (الوحش القاتل)، لم يحظوا فقط بإعجاب الشركات الأجنبية بمنتجهم، بل إنهم أثبتوا أن الشباب الإيراني قادر على أن يخلق لنفسه فرصا على الرغم من انعكاسات العقوبات الدولية والقمع الداخلي والمظاهرات المناهضة للحكومة. وعلى الرغم من أن المكتب، الذي يقع بطهران والذي يديره المبرمج أراش جفاري والرئيس التنفيذي أمير حسين فاسيهي، ليس على غرار شركات التكنولوجيا بوادي السليكون، فإنه ليس مكتبا تقليديا من المكاتب الإيرانية أيضا. حيث يتصدر مدخله صورة بالحجم الطبيعي لشخصية «أكومان»؛ شخصية كرتونية شريرة لها قرون بيضاء، بينما تم طلاء جدران القسم الفني الصغير باللون الأصفر البراق واصطفت برسوم للوحوش الأسطورية والمحاربين الذين يحملون سيوفا عملاقة. وكان الشباب الذين ينتعلون أحذية رياضية ويرتدون قمصانا قطنية يضحكون بصخب، بينما كانت تنبعث موسيقى الروك من مكبرات الصوت.

يقول كبير المبرمجين ياسر زيان: «نحن نجلس معا لمدة طويلة وبالتالي يجب أن نصبح أصدقاء. فقد كان أمرا طيبا أن نتمكن من إنجاز العمل كله بأنفسنا. فنحن نقف في مواجهة العالم بأسره». ومن المتوقع أن يتم إصدار اللعبة، التي شارك في إنتاجها فريق من 20 شخصا، في الخارج بالتزامن مع احتفالات رأس السنة الإيرانية التي بدأت أمس. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من ألعاب الكومبيوتر التي تم إنتاجها في إيران، فإن «كرشاسب» (الوحش القاتل) هي اللعبة الأولى التي بإمكانها المنافسة الدولية.

وتدور اللعبة، التي تجمع ما بين الحركة والمغامرة في عالم هيمن عليه وحوش أسطوريون، يطلق عليهم «دييفز»، بفارس القديمة. وجميع شخصيات اللعبة مستوحاة من الأساطير الإيرانية القديمة. ويجب على اللاعبين أن يشقوا طريقهم عبر ثلاثة من «العوالم» أو المستويات عبر قتل الخصوم وحل الأحجية. وكانت فكرة إنشاء لعبة «كرشاسب» التي حظيت بالثناء في مؤتمرات الألعاب الإلكترونية التي عقدت مؤخرا، سواء في الإمارات أو ألمانيا أو فرنسا، قد نشأت في طهران قبل عدة سنوات، خلال حفلات للجيتار، حيث بدأ مجموعة من الشباب يحلمون بابتكار لعبة كومبيوتر. يقول جفاري، مهندس الإلكترونيات ذو الشعر الأسود الطويل: «أنا وسهيل إشراغي كنا نعزف في فرقة. وكنا نحب الألعاب الإلكترونية ولكنني لم أكن أعلم أن سهيل يمكنه عمل الرسوم المتحركة». حصلت إحدى رسوم إشغاري المتحركة على جائزة الأمم المتحدة في عام 2000.

يذكر أن جفاري التقى بفاسيهي، أحد أصدقائه القدامي في جامعة شريف للتكنولوجيا، الذي كان يدرس الهندسة المدنية. وقد مر كلاهما باختبارات قاسية يشارك فيها 200 ألف طالب سنويا، ثم يتم قبول أعلى 800 طالب يجتازونها في جامعة شريف، وقد حصل جفاري على المركز 97، بينما حصل فاسيهي على المركز 180.

وقد عاد فاسيهي الذي فاز بمنحة لاستئناف دراسته في جامعة كاليفورنيا إلى طهران بعد حصوله على الدرجة في الوقت الذي كانت فيه الضغوط الدولية على طهران لوقف برنامجها النووي تؤثر على الاقتصاد. ومع ذلك أنشأ جفاري وفاسيهي شركة لتطوير وبرمجة المواقع الإلكترونية. يقول فاسيهي: «عندما حصلنا على ما يكفي من المال، قررنا أن نحاول إنتاج اللعبة».

بالنسبة إلى الإيرانيين، الذين يعانون من التضخم الذي يزيد على 10 في المائة وارتفاع معدلات البطالة والحالة السياسية والقضائية الغائمة، يتم التعامل مع القطاعات التي لا تحقق نتائج مباشرة باعتبارها قطاعات خاسرة. كما أنه لا توجد قوانين للحماية الفكرية، وبالتالي فإن الموسيقى والأفلام وألعاب الكومبيوتر يمكن نسخها وتوزيعها وبيعها ببساطة.

يقول جفاري وهو يضحك: «لقد كان الناس ينظرون إلينا وكأننا مخبولون». ويقول فاسيهي: «كان آباؤنا يسألوننا، لماذا لا تبنون مجمعات سكنية كالمهندسين الآخرين؟». وقد استعان جفاري وفاسيهي بمبرمجين إيرانيين هواة من منتديات الألعاب التي تدار باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت. يقول إشراغي، محرك الرسوم، الذي ابتكر الشخصيات الأساسية، بينما كان زملاؤه يجوبون الإنترنت لكي يتعلموا كيف يمكنهم إنشاء الألعاب: «هناك الكثير من المواهب في طهران ولكنها تفتقر إلى الخبرة». ويضيف جفاري: «لقد كان محرك بحث (غوغل) هو جامعتنا».

وكان على الفريق أن يتعامل أيضا مع العقوبات التجارية المتزايدة على إيران، حيث كان من المستحيل شراء ترخيص للبرنامج الغربي المستخدم في محرك البحث الخاص باللعبة. وكان على الإيرانيين أن يعتمدوا على برامج أقل كفاءة من البرامج المتاحة مجانا على شبكة الإنترنت.

يقول جفاري: «لقد أصبحنا مبرمجين ومحركين رسوم محترفين. وقد خلقنا صناعة جديدة بأكملها في إيران، فقط من خلال المحاولات المستمرة». وفي النهاية، فإن المؤسسة التي تمولها وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، وفرت للفريق المال الذي يحتاجه للترويج للعبة في أوروبا، بينما يعتزم الموزع الألماني أن يبدأ في بيعها. يقول فاسيهي: «لا يمكن أن نفشل الآن إلا إذا ارتكبنا بأنفسنا خطأ ما، فقد أصبحنا نتحكم في مصيرنا». ولكن الأوضاع الإيرانية القاسية جعلت من ذلك مستحيلا. فاللعبة جاهزة للتوزيع ولكن جفاري وفاسيهي اضطرا إلى تأجيل التوزيع المحلي مؤقتا. يقول جفاري: «إن هدف اللعبة هو التسلية. ولكن الناس يسودهم الحزن والقلق في الوقت الراهن. فبعض أفراد العائلات الإيرانية في السجون، وبالتالي فإن التوقيت ليس ملائما لإصدار اللعبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»