دبلوماسية الهاتف بين تل أبيب وواشنطن جعلت كلا الجانبين يزعم النجاح

الأميركيون: المفاجأة السمجة التي حدثت لبايدن في إسرائيل لن تتكرر

TT

بعد 10 أيام من النزاع العلني حول البناء في القدس الشرقية، أعلنت كل من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية النصر، وبدأتا المساعي نحو حل الخلاف. وبينما يعتقد الأميركيون أنهم حصلوا على تنازلات مهمة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يرى الإسرائيليون أنهم لم يقدموا سوى القليل.

وكان نتنياهو قد اتصل هاتفيا بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للاستجابة لبعض المطالب التي أعلنتها الأسبوع الماضي.

وقالت كلينتون في اليوم التالي إنها كانت «مفيدة وبنّاءة»، واتفقت مع مقدم شبكة «بي بي سي» أن نبرتها التصعيدية قد أثمرت. وأعلن جورج ميتشل، مبعوث السلام للشرق الأوسط، الذي تأجلت زيارته للمنطقة، حتى الاتصال الهاتفي، أنه سيصل إلى المنطقة يوم الأحد (أمس)، فيما يصل نتنياهو إلى واشنطن في غضون هذا الأسبوع، ويتوقع أن يلتقي كبار المسؤولين الأميركيين، وقد يلتقي الرئيس باراك أوباما، في إشارة إلى المصالحة.

ويقول الأميركيون إنهم يعتقدون أن المفاجأة السمجة التي حدثت عندما وصل نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى إسرائيل هذا الشهر، لن تتكرر خلال الشهور القادمة. وكان ذلك واحدا من المطالب الأساسية بالنسبة إلى كلينتون من نتنياهو، وعدم وقوع أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى اضطراب الأجواء خلال التحضير للمحادثات غير المباشرة مع الفلسطينيين.

وتشكل الوحدات السكنية الـ1600 التي أعلنت إسرائيل عن بنائها، آخر الإجراءات الكثيرة التي رأى فيها الأميركيون أنها تمثل إشكالية. فقد شعر الفلسطينيون بأنهم عرضة للخطر، وشعر الأميركيون بالغضب.

في المقابل يقول الإسرائيليون إنه على الرغم من تقديم نتنياهو بعض إجراءات بناء الثقة بالنسبة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية، فإنه لم يقدم أي تنازلات في ما يتعلق بالقدس. فهناك العشرات من المشروعات في خطوط الأنابيب في القدس، وقالوا إنه لا يحمل نيات بإبطائها أو التدخل فيها. لكنه عندما يفعل ذلك، على أي حال، فإن ذلك سيمنح الجانبين الفرصة للادعاء بالنصر.

وقبل عدة أيام أرسل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي رسالة إلى وزراء الداخلية والإسكان والتعمير، ولجان التخطيط للقدس، يطلب منهم قائمة تفصيلية بكل الخطط، لأكثر من 20 وحدة في أحياء المدينة ما بعد 1967. كما طالب أيضا بمعلومات مفصلة حول مستوطنة «رامات شالومو»، الحي الذي كان يُفترض أن تبنى فيه الوحدات السكنية الجديدة. على أن يتم تقديم المعلومات المطلوبة إليه أمس (الأحد) موعد مغادرته إلى واشنطن. وكانت الإشارة واضحة: «إن نتنياهو لا يرغب في أن يفاجأ مرة أخرى بإعلان الإنشاء».

لكن هل سيتحرك نتنياهو لوقف المشروعات حال البدء في تنفيذها؟ لقد قام بذلك قبل أسبوعين عندما كان عمدة القدس على وشك الإعلان عن إعادة تخطيط الأحياء العربية ضد رغبة السكان. وبعدما اتصل به مسؤولون أميركيون طلب من عمدة القدس تأجيل البناء.

وقال مسؤول سابق، لا يزال يعمل مستشارا للحكومة الإسرائيلية، والذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «لا أعتقد إمكانية الإعلان عن أي شيء رسمي، لكني أظن أنه سيكون لليهود في الأحياء العربية بعض البناء. وبالنسبة إلى مستوطنة رامات شالومو أتصور أن رئيس الوزراء أعطى تأكيدات بأن لا شيء سيُبنى في غضون السنوات القليلة القادمة».

بيد أن مستشارا آخر للحكومة قال إن نتنياهو لم يقدم وعودا، ولن تكون هناك وعود. وزاد: «إذا كنا نتحدث عن تجميد في القدس فإن الوزراء السبعة الرئيسيين رفضوه، ولا أرى إمكانية لتقديم تنازلات في القدس، فهو أمر مستحيل سياسيا».

ويتفق مع هذا القول مسؤول إسرائيلي رفيع، رفض ذكر اسمه، حيث أشار إلى أن إسرائيل اعتبرت نفسها مسيطرة على القدس، وأنه رغم الرفض الدولي لن تقوم إسرائيل بما يعزز الانقسام الفعلي للمدينة.

وترك النزاع مع الولايات المتحدة الرأي العام الإسرائيلي في نوع من الحيرة والارتباك. ففي استطلاع للرأي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أوضح أن 46% من بين 500 مشارك فيه، قالوا إن الإنشاءات يجب أن تتوقف في القسم الذي يزعم الفلسطينيون ملكيته، فيما قال 51% بضرورة الاستمرار في البناء. وعندما سُئل المشاركون عن المتسبب في التوتر الأخير مع الولايات المتحدة، ألقى 35% باللائمة على إسرائيل فيما ألقى 37% باللائمة على الولايات المتحدة، أما الباقون فلم يجيبوا على السؤال.

وعندما سُئلوا عما إذا كان نتنياهو يقود وزراءه أم أنهم هم الذين يقودونه، لأن لديه حكومة ائتلافية ضخمة غالبيتها من اليمين، قال 41% منهم إنه يقودهم، فيما قال 47% إنهم هم الذين يقودونه. وعندما سُئلوا عن اسم الشخص الأجدر برئاسة الحكومة، جاء نتنياهو في الصدارة بنسبة 41%، تلته تسيبي ليفني، زعيمة حزب «كديما» المعارض، حيث حصلت على نسبة 33%، وذلك بحسب الإحصاء الذي أجراه معهد «داحاف» عبر الهاتف في إسرائيل.

وقال يارون ديكل مقدم البرامج الصباحية ومراسل راديو إسرائيل السابق في واشنطن، في مقابلة هاتفية: «الرأي العام مرتبك، ورئيس الوزراء مرتبك مما حدث، فالجميع فوجئوا بردّ الفعل الأميركي لأن بناء أحياء يهودية في القدس لم يُحدِث رد فعل كهذا من قبل، وأعتقد أن ذلك كان مبررا لتعليمه الدرس، وقد أوضحوا وجهة نظرهم الآن في أنهم سيعملون كمحامٍ يحاول إيجاد شيء يوفي الأمور التي يفترض أن يعرضها. لكنه مع ذلك لن يتغير».

ويقول مئير شتريت عضو حزب «كديما» والوزير في حكومة نتنياهو في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، ثم وزير خلفه آرييل شارون، وحكومة إيهود أولمرت، إن التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم يكن بسبب البناء في القدس بل بشأن فشل نتنياهو في التحرك قدما بعملية السلام خلال العام الماضي.

وقال: «عندما كان حزب (كديما) في السلطة بنينا الكثير من المنازل اليهودية في القدس لكن الجميع كان يعلم أننا نفاوض بجدية من أجل السلام. ولأن الجميع لا يشهدون تقدما على صعيد المحادثات، لذا فهم يعتبرون كل حركة وإن كانت صغيرة تشكل عقبة أمام السلام».

ويرفض نتنياهو وكبار مساعديه هذا الرأي قائلين إنهم كانوا يسعون بقوة من أجل المفاوضات مع الفلسطينيين خلال العام الحالي، وإنه ما من سبب وراء بدء الأميركيين حملة شعبية ضد ممارسات البناء في القدس، التي لا تختلف عن عمليات البناء السابقة التي قامت بها الحكومة.

ويضيفون أن الاختلافات حول القدس يجب إرجاؤها في الوقت الذي ينبغي فيه أن تولى قضايا مثل السلام والمحادثات مع إيران أولوية أكبر.

وقال أحد مساعدي نتنياهو: «الاختلاف في السياسة حول القدس لم يتغير، بيد أن لكلا الجانبين رغبة في التراجع عن شفير المواجهة».

* خدمة « نيويورك تايمز»