رائحة البارود تزكم أنوف الفلاحين في «مدينة البرتقال» العراقية

المسلحون دمروا أكثر من 150 قرية في ديالى وهجّروا آلافا من مزارعيها.. والصحراء تزحف نحوها

TT

يرغم العنف آلاف المزارعين في محافظة ديالى المعروفة باسم «مدينة البرتقال» في العراق والكائنة شمال شرقي بغداد على الهجرة، وهذه الهجرة تثير بدورها مخاوف من تحول المساحات الزراعية الشاسعة في هذه المنطقة التي تغطيها مزارع البرتقال إلى صحراء.

وأسفرت هجمات مسلحين يرتبط معظمهم بتنظيم القاعدة عن تدمير أكثر من 150 قرية. ومما زاد الطين بلة اعتماد السلطات العراقية على الاستيراد العشوائي للفواكه والخضر على خلفية أعمال العنف، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

وحسب إحصاءات عراقية فإن أكثر من ستة آلاف فلاح عراقي يقطنون أراضي زراعية في محافظة ديالى تركوا أراضيهم الزراعية وفروا إلى محافظات مجاورة بعد اتساع أعمال العنف. ويقول الدكتور ماجد خليل العزاوي مدير زراعة ديالى، إن «مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية داخل الأقضية الخمسة لمحافظة ديالى وهي بعقوبة، والخالص، وبلدروز، وخانقين، والمقدادية، قد تحولت إلى أراض صحراوية قاحلة انعكست سلبا على الواقع الزراعي بسبب تردي الأوضاع الأمنية في المناطق الفلاحية».

وكانت هذه المناطق تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة وعناصر «القاعدة» خلال فترة العنف الطائفي التي شهدتها محافظة ديالى في الفترة من عام 2005 وحتى 2008 مما أدى إلى قتل وتهجير 5821 فلاحا بواقع 4574 مهجرا من الفلاحين و1247 قتيلا، بينما بلغ عدد القرى الفلاحية التي تعرضت للتدمير بسبب أعمال العنف 173 قرية موزعة على عموم مناطق المحافظة، من بينها 25 قرية داخل ناحية السلام التابعة لقضاء الخالص وظلت لأكثر من أربع سنوات تخضع تحت سيطرة تنظيم القاعدة وما يسمى «دولة العراق الإسلامية».

وقال العزاوي إن «الأرقام تشير إلى أن بساتين قرية البوطعمة داخل ناحية السلام التابعة لقضاء الخالص تضم عشرات المقابر الجماعية لضحايا تنظيم القاعدة بعد تهجير سكان القرية، وإن عمليات التهجير القسري التي شهدتها المناطق الفلاحية مع اضطرار أغلب الفلاحين إلى التوجه نحو المحافظات الآمنة أو دول الجوار بعد ترك أراضيهم الزراعية من دون عناية، تسبب في هلاك مساحات شاسعة من تلك الأراضي». وأضاف العزاوي: «أسهمت ظاهرة الاستيراد العشوائي للمحاصيل الزراعية بعد الإطاحة بالنظام السابق في إلحاق خسائر مالية كبيرة بالفلاحين جراء توجه أغلب المستهلكين نحو المحاصيل المستوردة لانخفاض أسعارها والعزوف عن شراء المحاصيل المحلية، الأمر الذي أدى إلى عزوف أغلب الفلاحين عن مزاولة مهنة الزراعة والتوجه نحو المهن الأخرى على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل خلال الموسم الزراعي، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية بنسبة كبيرة بلغت بالنسبة إلى الحمضيات 70 في المائة».

وتبلغ مساحة بساتين الحمضيات الإجمالية 40 ألف دونم موزعة على عموم مناطق المحافظة لتنتقل محافظة ديالى من قائمة المحافظات التي ظلت لسنوات طويلة المصدر الأول للحمضيات في العراق إلى خانة المحافظات المستوردة. وأوضح العزاوي: «كما انخفضت إنتاجية بساتين التمور إلى 40 في المائة بعد هلاك أغلب أشجار النخيل البالغة مساحة بساتينها الإجمالية أكثر من 50 ألف دونم، بينما تشير الأرقام إلى انخفاض إنتاجية النخلة الواحدة من 80 إلى 40 كيلوغراما مع انخفاض إنتاجية محصول الطماطم في أغلب المناطق، أهمها ناحية بني سعد التي تعد من أكثر المناطق إنتاجية، من 2500 طن يوميا إلى 500 طن».

وأرجع العزاوي انخفاض إنتاجية المحاصيل للكثير من الأسباب أهمها «بيع أغلب البساتين وتحولها إلى مناطق سكنية بسبب المردود المالي لا سيما داخل أقضية بعقوبة والخالص والمقدادية، بالإضافة إلى الأمراض التي أصابت بساتين الحمضيات التي شملت الذبابة البيضاء والفطريات مما أدى إلى هلاك مساحات شاسعة». وذكر العزاوي أن «اتساع نطاق أعمال العنف التي شهدتها القرى والأرياف جراء سيطرة الجماعات المسلحة وعناصر تنظيم القاعدة على المنابع الرئيسية للمياه التي جاءت متزامنة مع شح مياه سقي المزروعات والبساتين في أغلب المناطق وارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية، يؤدي ذلك إلى تحول الكثير من تلك الأراضي إلى صحراء قاحلة»، مشيرا إلى أن جميع هذه العوامل أدت إلى زيادة مساحة الأراضي الصحراوية التي بلغت أكثر من ستة ملايين دونم، بينما انخفضت مساحة الأراضي الزراعية المنتجة إلى مليوني دونم».

ويطالب الكثير من الفلاحين والعاملين في القطاع الزراعي الجهات المعنية في محافظة ديالى بالحد من ظاهرة بيع الأراضي الزراعية وعدم السماح بتحويلها إلى مناطق سكنية مع أهمية إشراك الجمعيات الفلاحية ضمن خطط مديرية الزراعة، بالإضافة إلى وضع أسعار جديدة للمحاصيل المسوقة للدولة تتناسب مع جهود الفلاحين بهدف تشجيع إنتاجية المحصول المحلي.

وقال المزارع الحاج محمود العزاوي إن «مهنة الزراعة أصبحت عبئا ثقيلا على الفلاحين ولا تتناسب مع الجهود الكثيرة التي تبذل خلال الموسم الزراعي». وأضاف أن «على الدولة أن تضع دراسة دقيقة وضوابط تحدد خلالها المحاصيل المستوردة وتشمل المحاصيل التي لا يمكن زراعتها في العراق مع الاستغناء عن المحاصيل التي تتلاءم مع التربة المحلية، وأهمها الخضراوات بجميع أنواعها والحمضيات». بينما ذكر زميل له يدعى علي عبد الله أن «أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور الزراعة في ديالى هي شح مياه الري وعدم توفير المستلزمات الزراعية المطلوبة، بالإضافة إلى أعمال العنف التي أدت إلى تكبد الفلاحين خسائر مالية كبيرة أجبرتهم على بيع بساتينهم بعد تقسيمها إلى قطع سكنية كثيرة توفر لهم مردودا ماليا كبيرا».