نقص الكهرباء.. قنبلة موقوتة في باكستان

الحكومة تخشى تحول احتجاج انقطاع التيار إلى فوضى كبيرة.. وتدابيرها للأزمة غير كافية

TT

واجهت الشرطة الباكستانية موقفا صعبا في 17 من الشهر الحالي أثناء مواجهتها تجمعا قام به تجار في مدينة روالبندي المعروفة بهدوئها السياسي. فقد أقدم هؤلاء على قطع الطرق الرئيسية في المناطق التجارية في المدينة، وأحرقوا دمى تحمل صورة وزير المياه والطاقة، رجا برويز أشرف. ورغم خبرة الشرطة الباكستانية في التعامل بقبضة من حديد مع احتجاجات المعارضين السياسيين، فإن الموقف كان مختلفا، ذلك أن المحتجين هذه المرة هم صفوة المجتمع التي تتحكم في الشريان الاقتصادي للمدينة، والكثير منهم يمولون عدة أحزاب سياسية بينها حزب الشعب الحاكم.

وكان السبب الرئيسي وراء استهداف المتظاهرين وزير الطاقة، فشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع أزمة الطاقة، وهذا الفشل أثر بصورة سلبية على كل مناحي الحياة في المجتمع الباكستاني. ويعد التجار وأصحاب المصانع الشريحة الأكثر تأثرا بأزمة الطاقة. ويقول شيخ محمد صديقي، رئيس اتحاد كل التجار الباكستانيين: «منذ بداية أبريل (نيسان)، نواجه انقطاعا في الكهرباء لأكثر من 8 إلى 10 ساعات يوميا في ذروة ساعات العمل. لقد دمر ذلك نشاطنا التجاري».

ويدفع انقطاع التيار الكهربي في المناطق التجارية، التجار إلى إغلاق محلاتهم لأن العملاء يبتعدون عن المحال التجارية الغارقة في الظلام.

ويقول طارق كياني، الذي يدير متجرا لملابس النساء في كولدج رود في روالبندي: «تراجع عملي بنسبة 50% منذ شهر بداية أبريل، لأنه لا توجد كهرباء في المساء».

في 17 من الشهر الحالي، قاد التجار مظاهرة في روالبندي بعد أن أغلقوا محلاتهم التجارية وأشعلوا النيران في دمي تحمل صور شخصيات حكومية بارزة لكنهم لم يكونوا بمفردهم في هذه المظاهرات، إذ سرعان ما انضم إليهم أشخاص عاديون من المناطق السكنية المجاورة. وقد طلبت الحكومة من إدارة المدينة عدم استعمال القوة لتفريق المتظاهرين. ووجدت أعداد كبيرة من الشرطة في المنطقة المحيطة بكولدج رود لكنها لم تتدخل.

بالنسبة لسكان المدينة العاديين، لم يكن انقطاع التيار الكهربي السبب الوحيد وراء مشاركتهم في الاحتجاج. ويقول محمد عبيد حسين، أحد المتظاهرين: «إننا نتلقى فواتير كهرباء مبالغ فيها لكننا لا نحصل على الكهرباء. كيف يمكننا تحمل قيظ الصيف دون كهرباء. إننا نواجه الكثير من المشكلات خلال النهار والليل، لكن الحكومة لا تقوم بأي شيء لوضع نهاية لنقص الكهرباء في البلاد».

وعلى الرغم من الغضب الذي أظهره التجار والمواطنون خلال المظاهرة، فإن الموقف في روالبندي لم يتحول إلى مشكلة قانون ونظام بالنسبة للحكومة. فروالبندي تقع خارج العاصمة، إسلام آباد، وتضم مراكز مهمة للجيش، وليست معتادة على المظاهرات السياسية الراديكالية.

في النهاية تفرق المواطنون والتجار بأمان في المساء بعد أن زار الوزير رجا برويز أشرف غرفتي التجارة والصناعة في المدينة، وطمأن نخبة رجال الأعمال في المدينة أن روالبندي ستمد بالكهرباء كأولوية. في تناقض صارخ مع الموقف في روالبندي، حيث تمكنت إدارة المدينة من السيطرة على الموقف دون اللجوء إلى العنف، خرج الموقف عن السيطرة في المدن الأخرى. فقد أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى إغلاق الكثير من المنشآت الصناعية، ونتيجة لذلك تم تسريح الكثير من العمال. وعانت مدينة فيصل آباد، التي تعد محور صناعة المنسوجات، كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية من نقص إمدادات الكهرباء. ويقول ميان جاويد إقبال، أحد رجال الصناعة في المدينة، الذي يدير الكثير من مصانع المنسوجات في فيصل آباد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «انقطاع التيار الكهربي يدمر الإنتاج الصناعي، ويؤثر سلبا على صناعة المنسوجات».

يشار إلى غالبية المدن الصناعية تقع على الطريق السريع الرئيسي في البلاد «غراند تراك رود» الذي يربط جنوب باكستان بشمالها. ومنذ بداية فصل الصيف يلجأ العاطلون عن العمل إلى العنف وسد الطريق في الكثير من المناسبات. وعادة ما يحتل أولئك المواطنون الغاضبون من جراء انقطاع الكهرباء، جزءا من طريق غراند تراك رود في الصباح الباكر. ويقول أحد مسؤولي الشرطة الموجودين في غوجوراوالا، إحدى المدن الصناعية في وسط البنجاب: «تنتشر أعدادا محدودة من الشرطة في المكان للسيطرة على هذه الصورة غير المنظمة من الاحتجاج عبر غراند تراك رود». ويقول آصف فاروقي، مراسل «بي بي سي» الذي أعد تقريرا حول أزمة الطاقة في باكستان: «المظاهرات الغاضبة والعنيفة تزداد في المناطق النائية من باكستان، لأن مدة انقطاع الكهرباء فيها تعد أطول بكثير من نظيراتها في المدن الكبرى مثل إسلام آباد وروالبندي ولاهور».

ففي حين تنقطع الكهرباء في روالبندي وإسلام آباد نحو 8 ساعات يوميا، فإن ذلك الانقطاع يصل إلى 18 ساعة يوميا داخل المناطق الريفية، حسبما صرح مسؤول حكومي.

والملاحظ أن نقص التيار الكهربائي لا يمثل مشكلة كبيرة للناس خلال الشتاء عكس الصيف. وقال خبير على صلة بالحكومة: «في الشتاء، يتراوح معدل استهلاك الكهرباء في باكستان نحو 11.000 ميغاوات، لكن مع قدوم الصيف، يرتفع الرقم إلى 17.500 ميغاوات». ويرى خبراء مستقلون أن استهلاك الكهرباء في باكستان يقع في حدود القدرة الإنتاجية الوطنية. إلا أن أحد الخبراء استطرد أن «هيئة تنمية المياه والطاقة تولد مستوى هزيلا من الطاقة (6500 ميغاوات) يكافئ ثلث طاقتها الإنتاجية القصوى، الأمر الذي يخلف فجوة كبيرة بين العرض والطلب».

ويعزو وزراء ومسؤولون حكوميون المشكلة إلى نقص المياه في السدود، إلا أن الرأي العام الغاضب لا يبدي استعدادا للإنصات إلى هذه النقاط الفنية. وكشفت استطلاعات رأي أجرتها وكالات خاصة كبرى داخل البلاد مؤخرا أن انقطاع الكهرباء يعد واحدا من الأسباب الرئيسة وراء افتقار الحكومة الحالية إلى الشعبية.

وألقت قيادات الحكومة التي يتزعمها حزب الشعب باللوم فيما يخص أزمة الطاقة على عاتق الحكومة السابقة برئاسة الجنرال برويز مشرف. وأوضحت فوزية وهاب، أمينة شؤون المعلومات داخل حزب الشعب أن «حكومة مشرف لم تضف ميغاوات واحدا من الطاقة إلى الشبكة الوطنية على مدار 9 سنوات قضتها في السلطة. ولم يجر بذل أي جهود تخطيط لتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء بسبب تنامي الإنتاج الصناعي». ويعتقد محللون سياسيون أن الحكومة تدرك أن الوضع الراهن قد يتطور إلى فوضى سياسية كبيرة، وبخاصة في ضوء تفاقم البطالة وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية وتراجع القدرة الشرائية لدى الطبقة الوسطى. وأعرب أحد المحللين السياسيين عن اعتقاده بأن «هذا يحمل بداخله نمطا من التوترات السياسية التي يمكنها الانتشار عبر مختلف أرجاء البلاد من دون أي تحريض من جانب أي قوة سياسية».

ومع إدراكه لهذه المخاوف، أعلن رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، عن استراتيجية للتعامل مع حوادث انقطاع الطاقة الكبرى في البلاد. وقال خلال الإعلان عن تلك الاستراتيجية: «إننا نعمل على إطالة أمد عطلة نهاية الأسبوع إلى يومين بدلا من يوم، وأمرنا بإغلاق الأسواق مبكرا داخل المدن وعمدنا إلى تقليص إمدادات الكهرباء إلى المكاتب الحكومية بنسبة 50%».

من جهتهم، قال خبراء مستقلون في مجال الطاقة إن هذه الإجراءات لن توفر سوى نصف الكهرباء اللازمة لتسيير عجلة الإنتاج الصناعي في البلاد. كما يعتمد نجاح السياسة الحكومية الجديدة على كيفية استجابة المواطنين الباكستانيين، خصوصا الطبقات العاملة في التجارة، للإجراءات التي أعلنتها الحكومة. ومن جهتها، حذرت اتحادات التجار، الحكومة من أنها سترفض أي محاولات لتقليص ساعات النشاط التجاري في الأسواق.