حصن سليمان.. أثر معماري عريق قرب الساحل السوري

يضم أحد أقدم معابد الشرق الفينيقية

جانب من حصن سليمان الأثري في الساحل السوري («الشرق الأوسط»)
TT

على ارتفاع نحو 750 مترا عن سطح البحر، وفي منطقة تتسم بالوديان والتلال في سلسلة الجبال الساحلية السورية، يتوضع بناء معماري مهيب وفريد بهندسته وضخامة حجارته وثرائه الزخرفي.

إنه حصن سليمان التاريخي، قرب بلدتي الدريكيش وصافيتا وبجوار قرية صغيرة سميت باسمه «الحصن»، حيث يربض بشموخ وكبرياء بين أشجار الزيتون والسنديان والصفصاف، بما تبقى من أوابده ومبانيه التي يعود تشييدها إلى القرن الثاني قبل الميلاد. ويقدر الخبراء الأثريون أن الفينيقيين من أصحاب مملكة جزيرة أرواد، المواجهة لمدينة طرطوس، جعلوه معبدا لآلهتهم وقدس أقداسهم. كما بنى فيه ملوك أرواد معبدا للإلهين بعل وعشتروت.

الحصن يعتبره خبراء التاريخ والآثار واحدا من أهم عشرة مواقع أثرية في الشرق، وخصوصا أنه أضخم المعابد التاريخية في شرق المتوسط بعد معبد بعلبك في لبنان ومعبد تدمر، غير أنه يحتاج لمزيد من أعمال الترميم والترويج السياحي والاهتمام.

هذا ما يؤكده كل من زار الحصن سائحا ومتجولا في أرجائه، أو متطوعا لبضعة أيام لتقديم بعض خدمات الصيانة والتنظيف للموقع، كما فعل قبل أشهر نحو خمسين طالبا من كليات العمارة والفنون الجميلة وقسم الآثار في جامعة دمشق. فقد عسكر هؤلاء بجانبه وعملوا على وضع لوحات دلالة في أماكن مختلفة تشير إلى الحصن داخلا وخارجا، كما وضعوا مخططا عاما للموقع بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية. وفي مجال التأهيل أعدوا خطة متكاملة لكي يستقبل الزوار والسياح بشكل يتناسب وأهمية الحصن وتاريخه العريق.

ومن ثم اقترح الطلبة، من خلال النتائج التي توصلوا إليها، على الجهات المعنية المبادرة بأسرع وقت ممكن إلى إنقاذ وحماية ما تبقى من الحصن وحجارته الضخمة التي يزن الحجر الواحد منها عشرات الأطنان ويبلغ طول بعضها ثمانية أمتار، وهذا كي لا يتحول الموقع إلى مجرد أحجار وأعمدة مبعثرة على الأرض، لا سيما جدران معبد زوس داخل الحصن وأضلاعه الأربعة، وبالذات الضلع الجنوبي منه.

وبالفعل، عملت مديرية الآثار السورية منذ بضعة أشهر أعمال صيانة وترميم وإصلاح في الحصن، مع العلم أن المديرية كانت قد سجلت الحصن ضمن المباني الأثرية السورية في يناير (كانون الثاني) عام 1958. ولقد أجريت بعض أعمال التنقيب في الموقع بهمة بعثات أثرية اكتشفت الكثير من اللقى المهمة فيه. كذلك أزيلت في الفترة الأخيرة بعض الأشغال ضمن الحصن، وهي من عمل أحد سكان القرية المجاورة له.

وأبلغ مروان حسن، مدير دائرة آثار طرطوس لـ«الشرق الأوسط»، عن الانتهاء قبل أسابيع من ترميم السور الجنوبي من الحصن وإعادته مع أحجاره الضخمة إلى ما كان عليه أثناء تشييده. وأضاف أن دائرة الآثار «عاكفة حاليا على إعداد دراسات لترميم أسوار الحصن الأخرى، كما تدرس مع الجهات المعنية إخراج شبكة الكهرباء من موقع الحصن، واقترحت أيضا تحويل الطريق المعبد المار من أمامه إلى منطقة بعيدة نسبيا عنه كي لا يؤثر مرور السيارات على وضع مباني المعبد».

وتابع حسن أنه في مجال الأعمال التوثيقية للحصن «أنهت قبل أيام قليلة بعثة علمية سورية - كندية أعمال توثيق الموقع بشكل كامل، بحيث درست الحصن والمنطقة المجاورة له لمعرفة مدى التواصل التاريخي بينهما. وكانت آخر أعمال التنقيب في موقع الحصن قد أجريت في موسمي التنقيب 2004 و2005 على يد بعثة أثرية سورية، حين قامت بأسبار في الجدران ومنطقة الحرم داخله وخلصت إلى كثير من النتائج التاريخية المهمة».

الجدير بالذكر، أن حصن سليمان كان يسمى في العصور السحيقة «بيت أخيخي»، حسب الكتابات اليونانية المكتشفة فيه ويعني هذا الاسم «بيت الآلهة». أما اسمه الحالي، أي حصن سليمان، فأخذه كما يذكر المؤرخ ياقوت الحموي نسبة لشخص يدعى سليمان بن أبي الفرات الذي كان يملك الحصن. وتعود مباني القصر الحالية للقرن الثاني الميلادي، والملاحظ أن بناءه حرصوا على بنائه من حجارة ضخمة على شكل مربعات بعضها فوق بعض كألواح الصابون، ومن الحجر الرملي الكلسي باللونين الأبيض والرمادي المأخوذ من الصخور الأرضية البارزة في موقع المعبد. كما أنه شيد من دون استخدام أي مادة ماسكة للحجارة بل اعتمد البناءون على ضخامة الحجارة ومتانتها وطريقة نحتها لضمان تماسكها. وقد دلت المكتشفات الأثرية فيه أنهم عرفوا وسيلة الروافع اليدوية، واستخدموها في رفع الحجارة الضخمة كما فعل فراعنة مصر.

ويتألف الحصن الذي صمم هندسيا على شكل مربع من أربعة أبواب حجرية مرتفعة وواسعة، وتتميز سقوفها بغناها بالنقوش المزخرفة بصور الحيوانات والطيور. وعلى سقف الباب الرئيسي يتوضع شعار الدولة الأروادية وهو طير العقاب العظيم. وفي وسط الحصن يوجد مكان القرابين والمذبح الرئيسي. وهناك بالطبع القاعة الكبرى التي كانت تمارس فيها الطقوس الدينية الوثنية.