اختفاء 4 شبان وتوقيف 7 يعيد أجواء القلق من تغلغل «القاعدة» في الشمال اللبناني

مصطفى علوش: هناك من يعمل على تجنيد الناس ويغريهم بالشعارات

TT

اختفاء أربعة شبان من مدينة طرابلس، منذ عدة أيام، وتحديدا من منطقة «باب التبانة» التي شهدت اشتباكات دموية في السنوات الماضية، وشيوع خبر توجههم إلى أفغانستان للالتحاق بتنظيم القاعدة من أجل الجهاد، أعاد القلق إلى المدينة، وطرح أسئلة حول مدى وجود خلايا متطرفة نائمة، ووجود عناصر ناشطة حاليا، تعمل على تجنيد الشبان في الشمال اللبناني لإلحاقهم بتنظيم القاعدة. وعلى الفور تحركت الأجهزة الأمنية للتحقيق في الأمر، ومعرفة أبعاده، وألقي القبض على سبعة أو ثمانية أشخاص، لم يفرج عنهم بعد، كما أقيمت حواجز أمنية في المدينة للتدقيق في الهويات. هذا التحرك الأمني، أثار الرعب في أنفس الأهالي وبعض الإسلاميين الذين باتوا يتحاشون الكلام في الموضوع. ويقول الشيخ مازن شحود إمام «مسجد حربا» في باب التبانة إن «هؤلاء الشبان مثل غيرهم في المنطقة، ولا شيء يميزهم، إلا إنه كانت لهم أفكار أقسى من الآخرين. ولغاية هذه اللحظة لم يتأكد دخولهم إلى العراق أو أفغانستان، إلا أن أحدهم اتصل بأهله وقال إنه موجود في تركيا وإنه ذهب للعمل هناك ليس أكثر».

ورفضت عائلة أحد الجهاديين الأربعة الذين خرجوا من لبنان متوجهين إلى أفغانستان الحديث إلى «الشرق الأوسط» أثناء اتصال هاتفي لنا معهم، وقال أحد أفراد العائلة: «لقد ذهب خالد للعمل، وهذا كل ما نعرفه عنه». لكن أحد مشايخ باب التبانة، الذي رفض الكشف عن اسمه، قال إن «الشبان الأربعة اختفوا من دون إعلام عائلاتهم، باستثناء خالد. ر. الذي ترك رسالة يعلم فيها عائلته بنيته التوجه إلى الجهاد. ويبدو أن عددا من أصدقاء هذه المجموعة الجهادية، كانت تعرف بنواياها، وبدأوا يتكلمون عن رغبة كانت لديهم في الذهاب إلى أفغانستان وليس العراق، وتركيا على الأرجح لن تكون سوى المعبر إلى وجهتهم الأخيرة، ومع ذلك فإن بعض العائلات لا تزال تصر على أن أولادهم ذهبوا للعمل».

عضو الأمانة العامة لـ«14 آذار» النائب السابق مصطفى علوش، وهو ابن طرابلس ويعرف منطقة باب التبانة عن قرب، قال لـ«الشرق الأوسط»: «مسألة ذهاب شبان إلى أفغانستان والعراق، باتت معممة، وهناك من يذهب من سورية والأردن ودول أخرى. وما حدث في طرابلس هو في هذا الإطار، وشبيه بما يحدث في أماكن أخرى». وأضاف علوش: «لكننا نستقرئ من هذا الحادث أن الشعارات التضليلية لتنظيم القاعدة لا تزال تغري الشبان وتحركهم. ونستقرئ أيضا أن هناك من يعمل ليستدرج هؤلاء ويجندهم، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار حالات اليأس والضياع التي يعانون منها، نتيجة الظروف المعيشية السيئة».

أمين سر «وقف اقرأ» الشيخ بلال دقماق، يقول إنه يعرف اثنين من هؤلاء الشبان لأنهما كانا يترددان على مركز «وقف اقرأ» ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحدثت مع بعض أقرباء هؤلاء الشبان، وكل ما يعرفونه عنهم اليوم أنهم وصلوا إلى تركيا. لكنني أتساءل: هل هي جريمة أن يسافر إنسان إلى العراق أو أفغانستان؟ وهل هناك بند في القانون اللبناني يمنع المواطن من السفر إلى هاتين الدولتين؟ نحن كمواطنين لبنانيين يمنع علينا السفر إلى إسرائيل. هذه هي الوجهة الوحيدة الممنوعة، وما عدا ذلك فللمواطن أن يسافر حيث شاء. وإذا كان ممنوعا علينا السفر إلى بلدان أخرى فليحددوا هذا على جوازات السفر». ويضيف دقماق، وهو إسلامي معروف في طرابلس: «أهالي الشبان الأربعة غاضبون من خروج أبنائهم من لبنان، ورغبتهم في الذهاب إلى أفغانستان، وأنا من ناحيتي منزعج أيضا. بلدنا أولى برجاله ليقوموا بالدعوة هنا، حيث عندنا الكثير من الباطنيين. في أفغانستان والعراق ما يكفي من الرجال، ولنهتم بشؤوننا. هذا أولى لنا».

أحد الإسلاميين الطرابلسيين، الذي رفض الكشف عن اسمه، يؤكد: «هذه ليست المرة الأولى التي يتوجه فيها شبان طرابلسيون إلى أفغانستان أو العراق، عديدون اختفوا لا يعرف أي أحد لغاية اليوم ما وجهتهم التي انتهوا إليها»، ويضيف: «لا شك في أن هناك مجموعات متطرفة، وأفرادا يعملون على تجنيدهم. ثمة أسماء معروف عنها في الوسط الإسلامي الطرابلسي أنها أرسلت شبانا إلى العراق. والتجنيد والتحضير لمجموعات جديدة لم يتوقف». أحد الموقوفين الإسلاميين في «سجن رومية» حيث يسجن مئات المعتقلين الإسلاميين في انتظار محاكمتهم، خرج بعد أكثر من سنة من السجن قضاها مع أعضاء في «القاعدة» وراء القضبان، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يعرف هؤلاء جميعا أن لبنان ليس ساحة لعمل تنظيم القاعدة، وليس مستقرا لأي أحد منهم، وإنما هو مجرد ممر. ويقولون باستمرار إن لبنان بلد التغيير فيه شبه مستحيل، ولا أمل منه، لذلك فهم هنا إما لتجنيد آخرين أو للتدرب والانطلاق إلى مناطق وبلدان أخرى».

الكلام عن وجود لتنظيم القاعدة في الشمال اللبناني ليس جديدا، وكان قد بلغ أوجه مع تنظيم «فتح الإسلام» السلفي عام 2007 الذي خاض ضده الجيش اللبناني معارك ضارية في مخيم نهر البارد، كما اتهم سلفيون قريبون من تنظيم القاعدة بأكثر من تفجير دموي وقع في المدينة في السنوات الماضية.