وفاة طيار الملك عبد العزيز جو غرانت

الأمير سلطان بن سلمان: كان صديقا محبا للسعودية وشعبها

جو غرانت
TT

توفي في ولاية نيويورك الأميركية جوزيف غرانت قائد الطائرة (DC3) التي قدمها الرئيس الأميركي روزفلت هدية للملك عبد العزيز عام 1945 وذلك عن عمر يناهز المائة عام.

ويعد جوزيف غرانت أحد الطيارين الذين أدوا دورا أساسيا في تأسيس «الخطوط الجوية العربية السعودية»، وتدريب طياريها، كما كان له دور متميز في تعزيز العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، وتقلد مؤخرا وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى من قبل عادل بن أحمد جبير سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية، نيابة عن الملك عبد الله بن عبد العزيز بمقر السفارة في واشنطن.

ووصف الأمير سلطان بن سلمان، مؤسس ورئيس مجلس نادي الطيران السعودي، جوزيف غرانت بـ«الصديق المحب للمملكة وشعبها حتى آخر أيامه» وقال الأمير سلطان: «إنه كان كثيرا ما يحدثني عن ذكرياته مع جلالة الملك المؤسس، والمواطنين الذين ألفهم، وتمنى أن يعود للعيش معهم».

وبين الأمير سلطان بن سلمان أن تلك الذكريات استمرت حتى آخر مكالمة أجريت معه قبل نحو أسبوع، حيث كان يتمتع بالحيوية، وحضور الذهن، على الرغم من تقدمه في العمر، وتردده على المستشفى في الأسابيع الأخيرة».

وكانت «الشرق الأوسط» التقت جوزيف في الرابع والعشرين من مايو (أيار) العام الماضي، خلال زيارة له في جدة وقال حينها: «تحداني الملك عبد العزيز أن أساعد في تأسيس أول خطوط جوية سعودية»، وتذكر غرانت على الرغم من بلوغه مائة عام تلك اللحظات وقال حينها: «أتذكر بوضوح عندما وصلت، سنة 1945، إلى مطار الظهران قائدا لطائرة (دوغلاس دي سي 3) التي أهداها الرئيس فرانكلين روزفلت إلى الملك عبد العزيز آل سعود».

وتذكر جو غرانت الرحلة الأولى التي قادها برفقة الملك عبد العزيز على متن أول طائرة سعودية من طراز دي سي 3، إذ كانت تتجه من الرياض إلى جدة، غير أنه لا يذكر المدة التي استغرقتها بدقة، سوى أنها تجاوزت الثلاث ساعات.

وقال غرانت مستطردا رحلته مع الذكريات إن حب الطيران انغرس فيه منذ أن كان صبيا في ريف ولاية فلوريدا. في سنة 1928، كان عمره 18 سنة، عندما ترك منزل العائلة وسافر إلى سانت لويس، حيث التحق بمعهد لتعليم الطيران. بعد أربع سنوات، نال أول رخصة طيران، ثم نال رخصا أعلى خلال السنوات القليلة التالية. وخلال الحرب العالمية الثانية، حارب مع سلاح الجو الأميركي. وبعد نهاية الحرب، وبعد سنواته في السعودية، صار طيارا لطائرات «707» تابعة لشركة «ترانس وورلد إيرلاينز» (تي دبليو إيه). وخلال سنواته مع هذه الشركة وثق علاقاتها مع «الخطوط الجوية السعودية».

وفي سنة 1968، تقاعد غرانت من «تي دبليو إيه»، واحترف مهنة صناعة الجواهر والخواتم. وقال إنه تأثر بالجواهر والخواتم في السعودية. وفي صناعة «الخاتم السحري» (هذا خاتم أصله روسي، وهو عبارة عن حلقات وقطع جواهر ولآلئ صغيرة تلصق مع بعضها البعض لتكون خاتما). وقال إنه حول الخاتم السحري الروسي إلى خاتم سحري سعودي بوضع أشجار نخيل وسيوف ومناظر صحراوية.

يذكر غرانت قبل وفاته أن الملك عبد العزيز كان يهوى الصيد في البر. وعندما جاءته أول طائرة بدأ يستعملها للانتقال من مكان إلى مكان. وقال: «كان الملك يجلس إلى جانبي وأنا أقود الطائرة على ارتفاع منخفض يشاهد البر والمناظر بحثا عن الصيد، ثم يقول لي وهو يشير بيده: هناك. أي هناك صيد، وأستعد للهبوط. ثم أبحث عن سهل ممتد قريب أهبط عليه». وقال: «كان لكل مكان ذكرى في ذهن الملك، ونحن نطير فوق الجزيرة العربية. هنا ولد، وهنا تربى، وهنا حارب، وهنا تزوج».

قال: «فرق كبير بين طائرات سنة 1945 و2007. أعجبتني الطائرة العملاقة، وأعجبني اهتمام السعوديين بي، وجاء الطيار السعودي إلى مقعدي، وسلم علي، وأنا قدرت ذلك كثيرا. وأيضا، أعجبني التطور الحضاري في السعودية. المطارات الحديثة، وناطحات السحاب، والمراكز التجارية، والجامعات والمدارس».

وفي آخر أيامه، وعلى الرغم من كبر سنه، داوم غرانت على زيارة شركة «غرانت للخواتم» التي أسسها قبل أكثر من أربعين سنة في مدينة ستامفورد نفسها. ويشترك في صناعة الخواتم السحرية ابنه إدوارد الذي قال لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق إن والده «لا يزال شابا إذا وضعنا في الاعتبار المقارنة بين عمره وصحته». وأضاف: «لن تصدق كيف كان إحساسه يوم قلده السفير السعودي وسام الملك عبد العزيز. لا يكاد يمر يوم من دون أن يتذكر الفترة التي قضاها مع الملك. ومن المفارقات أنه عمل مع الملك، ثم بعد أكثر من ستين سنة نال وساما باسمه».

وفي أغسطس (آب) من العام الماضي دُشن في ولاية ويسكنسن الأميركية كتاب «الملك عبد العزيز... طائرته وطياره»، ضمن النشاطات الثقافية لمعرض الطيران الأميركي، بحضور الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز مؤسس ورئيس نادي الطيران السعودي، وتضمن الكتاب الذي قام بإعداده الدكتور مايكل سابا سيرة الكابتن جو غرانت قائد طائرة الملك عبد العزيز وذكرياته عن المملكة السعودية في الأربعينات من القرن الماضي.

وأجهش جو غرانت في البكاء عند مشاهدته للطائرة «دي سي 3» في متحف صقر الجزيرة في العاصمة الرياض. وقال إن «الملك عبد العزيز طيب الله ثراه كان ملكا يحب شعبه كثيرا ويحترمه، ويعمل من أجله، إلى جانب كونه يتسم بالشفافية التي تعد فلسفة أساسية وبسيطة؛ أوصلت الدولة السعودية إلى ما هي عليه الآن، وجعلت منه أعظم الرجال على مر العصور».

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز استقبل الطيار جو غرانت خلال زيارته للمملكة العام الماضي، وحظي الطيار الأميركي باستقبال الأمير بندر بن عبد العزيز، والأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني، والأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير فهد بن محمد بن عبد العزيز، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، وعدد من الأمراء وكبار المسؤولين.