السعودية تدخل مضمار المتنزهات الدولية بحدائق الملك عبد الله العالمية

تراه مشروعا حضاريا يحكي ثقافة الشعوب

السعودية ترى في مشاريع المتنزهات الدولية واقعا حضاريا يحكي ثقافة الشعوب («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن الحديث عن المسطحات الخضراء والحدائق على أي موقع في السعودية، دون الحديث عن مشروع تراه جهات رسمية تعمل على إنشائه، مشروعا حضاريا يستحق المراهنة عليه، لا سيما أن مثل تلك المشروعات تدخل في تقييم مستويات الشعوب وحضارتها.

فتعمل السعودية على إنشاء حدائق الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية، في خطوة تسعى من خلالها الجهة المشرفة على إنشائها، إلى إنشاء موقع سيكون محلا للإشارة بالبَنان، بل وموقعا يدخل في منافسة لدول أجنبية من حيث المساحة وما يحويه من أفكار تحاكي فكرا راقيا في ما يتعلق بالجماليات على سطح الأرض.

مشروع حدائق الملك عبد الله العالمية، الذي يقع على طريق جدة السريع بمساحة تزيد على مليونَي متر مربع، عبارة عن مجموعة من الحدائق العامة، ذات الصبغة العلمية الثقافية، والبيئية الخاصة.

ويؤكد هنا المهندس توفيق الحماد مدير إدارة الحدائق بأمانة الرياض، أن أهم عناصر حدائق الملك عبد الله العالمية، تتمحور حول حديقة نباتية، تتركز حول محورين، داخلي وخارجي، فالداخلي يحوي غطاء نباتيا مضفيا أشكالا جمالية، يُسهم في دعمها وجود متحف نباتي، وبنك للبذور، وآخر للجينات الخاصة ببعض الجماليات التي يطرزها وجود أنواعا من الطيور، والفراشات الطبيعية، وأنواع من الزهور الطبيعية، بالإضافة إلى حديقة دولية، وحدائق مائية، وممشى خاص بالوادي، وأبراج للمشاهدة، وساحة للاحتفالات، وأماكن للجلوس والتنزه.

مثل تلك المشروعات، يراها المهندس الحماد مقياسا لحضارة الشعوب، بالإضافة إلى أنها تعمل مسهما في ذات الوقت في الفوائد الصحية والنفسية والاجتماعية التي من الممكن أن تُضفيها مثل تلك المشروعات، من خلال تنفيذ برنامج متخصص وشأمل، اهتم بدراسة الجوانب البيئية والعمرانية والتخطيطية لشوارع مدينة الرياض وأحيائها.

ذلك البرنامج تم تنفيذه على محورين، الأول كان يحاكي تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وذلك عن طريق تسهيل حركة السيارات والمحافظة على أمان المشاة، وتطوير التقاطعات مع الشوارع الفرعية، بالإضافة إلى تفعيل الاستفادة من الخدمات الاقتصادية والترفيهية، ووضع حوافز لجذب الاستثمار في الخدمات التي تناسب وضع الأرصفة بعد تطويرها.

وجاء المحور الثاني محاكيا لتحسين البيئة العمرانية، من خلال اتساع الأرصفة الجانبية، وتأمين مسارات مناسبة للمستخدمين، وتحويل الشوارع من وضعها التخطيطي التقليدي، وجعلها طرقا حديثة تُعنى بحركة المشاة، بالإضافة إلى الاستفادة من بعض الأرصفة في تخصيص أماكن للجلوس وتوزيعها بالشكل المناسب، إلى أن بلغت أطوال ممرات المشاة في العاصمة السعودية أكثر من 35 ألف متر.

وهنا عاد المهندس الحماد وقال: «قطاع التشجير حظي بنصيب وافر من الاهتمام، فوُضعت له خطط طموحة، فتضاعفت بذلك المساحات الخضراء عشرات المرات خلال الأعوام الماضية، وبلغ عدد الطرق والشوارع المشجرة بمدينة الرياض 1650 طريقا وشارع، بطول يفوق 1800 كيلومتر، بل تسعى أمانة الرياض إلى تشجير بعض الطرق في الوقت الحالي، في حين تعمل الأمانة على تنفيذ مشروع لتشجير الجزر الوسطية المرصوفة والمنارة، ويوجد أكثر من 600 ألف متر طولي من الجزر الوسطية المرصوفة والمنارة تحتاج إلى تشجير».

وتعمل أمانة منطقة الرياض على الاهتمام بالميادين وتجميلها، على اعتبار أن جميع المدن على مستوى العالم، تعتبر الميادين مؤشرا وعلامة بارزة على تطور المدن وحضارتها، حيث تعتبر الميادين المكان الحيوي والنشط داخل كل مدينة.

ففي مدينة الرياض يوجد الكثير من الميادين الهامة والحيوية حيث عملت أمانة منطقة الرياض على وضع برنامج لتطوير وتأهيل الميادين بالمدينة، حيث يعتمد هذا البرنامج على تأهيل الميادين الحيوية والرئيسية، خصوصا تلك التي تقع على طرق وشوارع رئيسية، ودراسة الموقع من ناحية السلامة المرورية مع الاهتمام بإزالة جميع ما يعيق وضوح الرؤية لقائدي المركبات، مثل اللوحات الدعائية والإعلانية، لتأتي مداخل الموقع ومخارجه ووضع التصميمات والمخططات، معتمدة بالدرجة الأولى على طبيعة الموقع وموقعة على الخريطة، إلى أن بلغت أعداد الميادين العامة الشهيرة في العاصمة الرياض، أكثر من 31 ميدانا، بمساحة تزيد على مليونَي متر مربع.

وفي سياق آخر، قال تقرير بثته أمس وكالة الأنباء السعودية إن العاصمة السعودية الرياض ستكون على موعد من انطلاق العمل في المرحلة الثانية من مشروع حدائق الملك عبد الله العالمية بعد شهرين، بعد اكتمال تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع الذي يعد أحد أهم المشروعات البيئية على مستوى العالم، وإنجازا تاريخيا يضاف إلى المملكة في صناعة الحدائق، لاحتوائه نماذج متعددة من الحدائق العالمية القديمة والحديثة بتصميمات فريدة من بيئات مناخية متنوعة حول العالم.

ويتمركز المشروع غرب مدينة الرياض في أرض صحراوية قاسية المناخ، يجري العمل على تطويعها، من خلال توفير الإمكانات من حيث التحكم في نسب الهواء والرطوبة والتربة، لتلائم الكثير من النباتات الاستوائية والشتوية والرطبة، التي سيتم جلبها من جميع مناطق العالم، لتضمها حدائق الملك عبد الله، في وسط بيئي مماثل لبيئاتها الطبيعية.

وتتغلب حدائق الملك عبد الله العالمية على مشكلة المياه عن طريق الاستفادة من إعادة معالجة المياه من جديد، واستخدام الطاقات البديلة في مجال المياه والكهرباء، والاستفادة من أقل كمية ممكنة من المياه السطحية.

وتعيد حدائق الملك عبد الله في هذا المشروع، الصورة التي كانت عليها النباتات في القرون القديمة في الجزيرة العربية، لتقدم فكرة عن الحقب الزمنية، التي مرت بها النباتات الطبيعية في بيئتها المحلية، وتنقل في الوقت ذاته رسالة تعريف عن البيئة التاريخية القديمة، وتدرجاتها الزمنية التي مرت بها، عبر متحف نباتي وحيواني يدمج التاريخ بالطبيعة، ليقدم لمحة تاريخية عن طبيعية المنطقة في الماضي السحيق.

ويتيح المشروع البيئي الفرصة لاكتشاف وشرح التغييرات البيئية في العالم، وشرح عملية التغيير المناخي والبيئي على كوكب الأرض، واكتشاف العصور النباتية من العصر الديفوني، مرورا بالعصور الطباشيرية، وصولا إلى العصر الحالي، من خلال حدائق تعكس التغيرات المناخية في العالم، وتحكي مسيرة العالم النباتي والبيئي، كحدائق الكربونيفيوس، والجيروسية، والطباشيرية، والسينوزيكية، والبليوسنية.

ويرى منجزو تصميم حدائق الملك عبد الله الذي حاز جائزة أفضل تصميم على مستوى الشرق الأوسط، أن الحدائق بإمكانها الاستفادة من المصادر الطبيعية للطاقة، كتلك التي توفرها الشمس والرياح، بالإضافة إلى الاستفادة من الأمطار عن طريق التخزين والحفر.

ويعد المشروع الذي يقام على مساحة مليونَي متر مربع وبتكلفة إجمالية تتجاوز مليار ريال، أحد الإنجازات التاريخية في صناعة الحدائق، ومن المشروعات العملاقة على المستويين المحلي والعالمي، الذي من المتوقع أن يتم الانتهاء منه كليا خلال العامين المقبلين.

وتتشابه هذه الحديقة - بحسب التقرير - مع الكثير من الحدائق في العالم مثل حديقة تشيلسيا، ومعرض باندس غارتن شوا بألمانيا، ومعرض فلوريدا في هولندا، التي نجحت استثماريا، فهي بذلك تعد فرصة استثمارية واعدة.

وتتكون حدائق الملك عبد الله العالمية من ست حدائق، تشمل الحدائق النباتية، وحديقة الوادي، والحدائق العلمية، والمائية، والدولية، والطبيعية.

وتنقسم الحدائق الست إلى حدائق أصغر منها تتفرع عنها، كحدائق الطيور، والفراشات، والزواحف، والزهور، والضوء، والصوت، وحديقة الفيزياء، والاكتشاف والمتاهة، وحدائق خاصة بالأطفال، ومتنزهات للعائلات والشباب، ومرافق خدمية متكاملة من الأسواق والمسارح والجلسات والمقاهي والملاعب وغيرها، بالإضافة إلى العناصر التكميلية الأخرى، كالساحات الرئيسية للاحتفالات والمناسبات، ولإقامة المعارض والمهرجانات، وأماكن الجلوس والتنزه، ومبنى الإدارة والمشتل الزراعي، والمساجد، ومجمعات التكييف والكهرباء، ومباني الأمن، ومراكز التذاكر، ومواقف للسيارات التي تتسع لأكثر من 50 ألف سيارة.