الصين تستعرض صعودها العالمي بمعرض شنغهاي

افتتح بعروض فنية وبمشاركة 190 دولة ووسط حضور عربي مكثف

قادة دول في حفل افتتاح معرض شنغهاي العالمي، أمس (إ.ب.أ)
TT

على مساحة أرض تزيد عن 5 كيلومترات مربعة أي أكثر من ضعف مساحة إمارة موناكو، ووسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، افتتح الرئيس الصيني هو جيناو، رسميا وبمشاركة نحو 40 ملكا وزعيما دوليا، أمس في مدينة شنغهاي الصينية معرض شنغهاي العالمي لعام 2010. وستتواصل نشاطات المعرض الذي يتوقع منظموه الصينيون حضور أكثر من 70 مليون زائر، 6 أشهر.

وبدت شنغهاي صباح أمس في أبهى صورها. وبدأت الاحتفالات في الساعة الخامسة مساء بتوقيت الصين (الـ9 بتوقيت غرينتش) بعروض راقصة ومسرحية فاقت عروض الألعاب الأولمبية التي استضافتها العاصمة بكين في 8 أغسطس (آب) 2008، واختتمت بألعاب نارية استمرت لأكثر من ساعة ونصف الساعة، أضاءت بكثافتها سماء المدينة التي تضم نحو 20 مليون نسمة. ويقام معرض «شنغهاي إكسبو 2010» تحت شعار «مدينة أفضل، حياة أفضل» ويعد أول تظاهرة دولية «خضراء» تدعو لاحترام البيئة حيث زرع عدد كبير من الألواح الشمسية في موقع المعرض واتخذت إجراءات لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. يذكر أن الصين تتهم بأنها من الدول الأكثر تلويثا للبيئة في العالم.

ويشارك في هذا المعرض نحو 190 دولة إضافة إلى منظمات دولية، بينها معظم الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر وفلسطين وسورية والإمارات. ويعتبر جناح المملكة العربية السعودية ثاني أكبر جناح في المعرض بعد الجناح الصيني، إذ بلغت تكاليفه ما يقارب 250 مليون دولار. وجلبت من أجله 150 نخلة يشاهدها الزائر من على بُعد حيث غرزت على سطح الجناح. ولأول مرة يستضيف مثل هذا المعرض دولا نامية لا سيما من أفريقيا التي نقلت نماذج من قراها التقليدية إلى المعرض.

وسيفتح المعرض الذي تعادل مساحته 20 ضعف مساحة المعرض الدولي في مدينة سرقوسة 2008 بإسبانيا أبوابه أمام الزائرين صباح اليوم حيث يتوقع حضور أكثر من 600 ألف زائر معظمهم من الصينيين. واستبق الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الافتتاح الرسمي، وبحضور «الشرق الأوسط»، بقص شريط الجناح الفلسطيني الذي يقام على مساحة 320 مترا، يعرض تاريخ القضية الفلسطينية والتراث الفلسطيني ممثلا بمدينة القدس المحتلة. وقام أبو مازن والوفد المرافق له بزيارة الجناح الصيني وفقا للبروتوكول، لكن وقت برنامجه لم يسمح بزيارة أي من الأجنحة العربية الأخرى لا سيما الجناح السعودي والأردني والمصري. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، كان حاضرا بقوة في الإعدادات الأخيرة التي سبقت افتتاح المعرض، بسبب خلاف على جدارية في المعرض الإسرائيلي تظهر القدس المحتلة ممثلة بالحرم القدسي الشريف وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، كجزء من دولة إسرائيل. واحتج الجانب الفلسطيني على الجدارية الإسرائيلية وهدد بمقاطعة المعرض وإثارة قضية سياسية، ما لم يعمل الجانب الصيني على إقناع إسرائيل بإزالة الجدارية بمجملها أو على الأقل مسح صورة الأقصى وقبة الصخرة من على الجدارية.

لكن في النهاية أذعن الإسرائيليون للضغوط الصينية وقاموا بالفعل بإزالتهما، لكنها أبقت على حائط البراق (الغربي للأقصى) الذي يطلق اليهود عليه اسم حائط المبكى. وعلمت «الشرق الأوسط» أيضا أن الفلسطينيين يلوحون بإثارة قضية حائط البراق في المنتدى الصيني العربي المزمع عقده في القاهرة 9 مايو (أيار) الحالي، الذي يعول عليه الصينيون الكثير، وأن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أبلغ الأمين العام لجامعة الدول العربية وقد يطالب بإلغاء المنتدى بأسره، إذا لم تزل إسرائيل من جداريتها حائط البراق.

وفي المقابل احتج الجانب الإسرائيلي على صورة في الجناح الفلسطيني لجنود إسرائيليين يطاردون أطفالا فلسطينيين. وتوصل الصينيون معهم إلى اتفاق لإزالتها.

وحسب ما قالته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» فإن الصين طلبت من الدول المشاركة أن تتولى نقل ما تريده إلى هذا المعرض واعدة بتوفير المساحة المطلوبة للدول الراغبة في المشاركة، مقابل أن تتولى هذه الدولة كامل التكاليف البناء والتفكيك، بعد انتهاء المعرض في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويريد القائمون على هذا المعرض أن يعكس «شخصية كل دولة مشاركة» من ثقافة وتقاليد وإنجازات، حيث يتخللها عروض مسرحية وفنية وثقافية.

ورغم بعض الانتقادات الدولية فإن الصين ترى في هذا المعرض فرصة للتبادل الحضاري بين الأمم كما نقل عن شو واي، الناطق الرسمي باسم المعرض. ويعتبر واي أن هذا النوع من المعارض «يمثل مسرحا كبيرا للتبادل الحضاري بين الأمم المختلفة». وقال: «نحن نجلب العالم بأسره، بدوله وشعوبه المختلفة، إلى هذه المنطقة. لذا فهي فرصة جيدة للشعب الصيني لكي يتواصل وجها لوجه مع المجتمع الدولي».

وبلغت تكاليف هذا المعرض الذي جرى الإعداد له منذ عام 2004، نحو 45 مليار دولار، منها أكثر من أربع مليارات أنفقتها الحكومة المركزية على ترميم البنية التحتية والطرقات وتنظيم قطاع السير، وإنشاء أكبر شبكة لقطارات الأنفاق. وتكفلت الدول والمنظمات المشاركة بالبقية الباقية من خلال الإعداد لأجنحتها. وتتوقع الصين أن يدر عليها المعرض أرباحا مضاعفة، من خلال تشغيل الأيدي العاملة والأموال التي سينفقها الزوار لا سيما الأجانب الذي يطمح الصينيون لأن يصلوا بالملايين.

وتم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة حتى لا تسمح بأي شيء يمكن أن يعكر صفو الأجواء الاحتفالية أو سير المعرض على مدى 180 يوما. وحشدت السلطات الصينية من أجل ذلك في مدينة شنغهاي ككل 55 ألف رجل شرطة منهم 8000 من مناطق أخرى، وألف من رجال الشرطة المتقاعدين الذين جرى استدعاؤهم إلى الخدمة.

وتسعى الصين من خلال التظاهرة إلى منح مدينتها الثانية شنغهاي، نفس القدر من الأضواء والشهرة الذي أحاط ببكين أثناء انعقاد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 بها. ويهدف المسؤولون الصينيون إلى تحويل شنغهاي إلى عاصمة مالية للمنطقة، بل وربما العالم بأسره. وقال فانغ تشينغهاي، المدير العام لمكتب الخدمات المالية في شنغهاي: «وحدنا القادرون على تنظيم معرض بحجم (إكسبو). إن هذا الأمر محل فخر وطني من جانبنا. نريد أن يفد الناس من مختلف أرجاء العالم ليعينوا وينبهروا بنجاحنا». وجاءت الاستعدادات على مستوى هائل، حيث شرعت شنغهاي في أعقاب إعلان فوزها بتنظيم المعرض عام 2002 في تطهير قرابة ميلين مربعين على امتداد نهر هوانغبو. وتضمنت هذه الجهود نقل 18.000 أسرة و270 مصنعا، بينها حوض «جيانغ نان» الضخم لصناعة السفن، الذي يعمل به 10.000 عامل.

وعلق زهنغ شيلينغ، الأستاذ بجامعة تونغجي في شنغهاي بالقول: «بعد فوزنا باستضافة (إكسبو) عام 2002، خططنا لبناء 970 كيلومترا من مسارات الأنفاق في المستقبل و400 كيلومتر على الأقل بحلول عام 2020. لكننا اليوم خلصنا بالفعل من بناء 410 كيلومترات. لقد نجحنا في الانتهاء من الخطة قبل موعدها بعشر سنوات كاملة». على رأس الجهود الجارية في هذا الإطار تجديد متنزه على ضفة النهر بمنطقة بند التاريخية وكذلك فندق «آرت ديكو بيس هوتيل» بتكلفة 700 مليون دولار. ومن المتوقع أن يعيد الفندق فتح أبوابه قريبا. من ناحيته، أشار جيفري إن. ويسرستروم، بروفسور التاريخ بجامعة كاليفورنيا في إريفين، ومؤلف كتاب «شنغهاي العالمية: 1850 - 2010»، إلى أن «إكسبو» سينجز «الحدث الضخم المؤلف من مرحلتين» - دورة الألعاب الأولمبية و«إكسبو» - الذي عمدت الكثير من القوى الصاعدة لاستضافته. كما يشير «إكسبو» إلى مولد شنغهاي من جديد. وأضاف: «إن هذه المدينة تنظر لنفسها باعتبارها تستعيد مكانة كانت لها من قبل.

لقد كانت واحدة من أبرز نقاط الجذب السياحي في العالم خلال ثلاثينات القرن الماضي. وزارها جون ديوي وبرنارد شو وتشارلي تشابلن. لقد كانت مدينة يتعين على المرء زيارتها».

إلا أن الكثير من سكان المدينة اشتكوا من الجهود المستمرة لإعادة رصف الطرق وطلاء الجسور وجهود الدعاية المستمرة لـ«إكسبو» والوتيرة المتسارعة لهدم المنازل استعدادا للمعرض.

ويرى البعض أن المدينة كسبت الطابع الحديث الذي كانت قد فقدته من خلال التخلص من الكثير من المنازل القديمة بها.

لكن المسؤولين عن الحفاظ على المدينة شددوا على أن المدينة تضم أعدادا هائلة من السكان لا يمكنها استيعابهم، وبالتالي فإنها باتت بحاجة إلى ناطحات سحاب وبنية تحتية جديدة.

شنغهاي في سطور

* أكبر المدن الصينية، إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة، و31 مليونا في شنغهاي الكبرى.

* أسست في القرن الحادي عشر، وغلب عليها نشاط الصيد البحري، وبقيت مجهولة في تاريخ الصين حتى عام 1842 حيث انفتحت على التجارة الخارجية بعد اتفاقية نانكين بين بريطانيا والصين التي أنهت حرب الأفيون بين البلدين.

* أصبحت بعدها منطقة امتيازات بريطانية ثم فرنسية وأميركية، مما شجع الكثير من البنوك وشركات التجارة العالمية. وتدفقت الأصول الأجنبية عليها بسبب رخص الأيدي العاملة. ودخلت اليابان على الخط بعد معاهدة شيمونوسيكي التي وضعت حدا لأوزار الحرب بين البلدين. وبنت اليابان أول المصانع فيها. وتخلت هذه الدول عن امتيازاتها بعد الحرب العالمية الثانية. واستولت عليها قوات ماو تسي تونغ عام 1949.

* تبلغ مساحتها نحو 82 ألف كيلومتر مربع.

* تقع في وسط ساحل الصين الشرقي وعلى دلتا نهر يانغتسي وعلى ضفتي نهر هوانغبو.

* تحدها من الشمال والغرب مقاطعة جيانغسو، ومن الجنوب مقاطعة زيجيانغ.

* تعتبر مركز كل النشاطات المالية والتجارية في الصين منذ الثورة الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ. وحافظت على وضعها حتى إبان الثورة الثقافية.

* يطلق عليها عاصمة الأعمال في الصين.

* تعتبر واحدة من أكبر المناطق المدنية تحضرا في العالم.

* تشتهر بناطحات سحابها، إذ يصل عددها إلى نحو 4 آلاف و500 ناطحة، يبلغ طول أعلاها 488 مترا. وتضم أطول برج في آسيا وهو ثالث أطول برج في العالم.