فنزويلا الغنية بالنفط تقطع الكهرباء عن مواطنيها لتوفير الطاقة

شافيز يقر بانكماش اقتصاد بلاده.. ويعتبر الأزمة «رأسمالية عالمية لا تعنينا»

محطة لتوليد الكهرباء في منطقة باركيسيميتو بولاية لارا الفنزويلية (إ.ب.أ)
TT

في كل يوم على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، كان انقطاع التيار الكهربائي الذي خططت له الحكومة، يعني أن الضوء يخفت في مدينة كانت صاخبة بالتجارة في يوم من الأيام. والشارع الخامس، الذي يمتلئ بمستودعات قطع غيار السيارات وورش إصلاح السيارات، صار في طريقه إلى التوقف. وقال جيزس يانيس، الذي يقوم بدهان السيارات: «إننا نتوقف عن العمل».

ولا تعمل أيضا باقي أنحاء فنزويلا، التي ألحقت الأزمة الاقتصادية المرهقة والممتدة لشهور، إلى جانب سنوات من التدخل من جانب الدولة في الاقتصاد، أضرارا بالغة بالشركات الخاصة. والنتيجة هي أن الاقتصاد في طريقه إلى الانهيار والظلام، مما يعد تحديا للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وتجربته الاشتراكية غير المسبوقة.

وبغض النظر عن أن فنزويلا تعد واحدة من القوى النفطية الكبرى في العالم، حيث إنها من بين أكبر 5 موردين للنفط الخام إلى الولايات المتحدة، فإن خبراء الاقتصاد يقولون إن فنزويلا تعاني أزمة اقتصادية ليس لها حل سريع ولا سهل، حتى لو تم رفع الإنتاج المتباطئ للنفط وتم خفض التبذير في الإنفاق الحكومي.

وقال خوسيه غيرا، الخبير الاقتصادي السابق في البنك المركزي الفنزويلي، الذي يرأس قسم الاقتصاد في الجامعة المركزية في العاصمة كاراكاس: «الحكومة مشلولة، وعاجزة عن معالجة الموقف، ولا توجد هناك خطط مالية للتعامل مع الأزمة. إن الوضع الذي نعانيه لا يمكن تصديقه، لأن لدينا واحدا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، ونملك مصادر للكهرباء الحرارية والكهرباء المائية».

ولا يزال شافيز يشيد بما يسميه «اشتراكية القرن الحادي والعشرين»، باعتبارها الرد على الرأسمالية على الطريقة الأميركية، التي يسميها الفشل الذريع. لكن خلال فترة حكمه الطويلة، توسع الاقتصاد الفنزويلي بمعدل متوسط يقل عن 3 في المائة كل عام، حتى في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط ارتفاعا تاريخيا بلغ 150 دولارا للبرميل عام 2008.

وفي العام الماضي، تراجع الاقتصاد بواقع 3.3 في المائة. وتوقع خبراء اقتصاديون، بمن فيهم غيرا، انكماشا قدره 5 في المائة العام الحالي. ويقول صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد في البلاد من المحتمل أن ينكمش بواقع 2 في المائة.

ويقف أداء فنزويلا في تناقض صارخ مع بقية الدول في أميركا اللاتينية، التي تشعر بعض البنوك المركزية فيها بالقلق بشأن النمو السريع الخارج عن السيطرة في الاقتصادات في عام 2010. وفي بيرو وشيلي والبرازيل، التي رحبت جميعا بالعولمة، يمكن أن يتجاوز النمو 4 في المائة، حسبما يقول صندوق النقد الدولي. ويقول خبراء الاقتصاد إن فنزويلا تبرز عن غيرها من الدول، حيث إن السياسات الاقتصادية بها تتصف بتأميم الصناعات والضوابط الصارمة على العملة. وفي «ثري إيه»، إحدى الورش الميكانيكية للمعادن في سان كريستوبال، كان على المديرة مارتا مدينا خفض القوة العاملة من أكثر من 50 عاملا قبل عام، إلى 8 عمال فقط. وتحدثت مدينا عن المشكلات التي تأتي من كل اتجاه: انقطاع التيار الكهربائي الذي أدى إلى حرق المحركات في الآلات الضخمة، ونقص قطع الغيار وانخفاض الطلبات. وقالت مدينا: «لدينا خسائر، وشكوك، ونفقد المصداقية كشركة موثوقة».

وتدنت شعبية شافيز بنسبة 50 في المائة، وهي أدنى نسبة في الانخفاض أثناء فترة حكمه، وتمثل مشكلة بالنسبة إلى أنصاره في الوقت الذي يستعدون فيه للانتخابات البرلمانية في سبتمبر (أيلول) المقبل. ويقول محللون إن المعارضة يمكنها أن تستقطع مساحة لنفسها في البرلمان، الذي كان يسيطر عليه في الماضي حلفاء الرئيس.

ولم يعرب شافيز علنا عن أي مخاوف، على الرغم من أنه أقر بالانكماش الاقتصادي في خطاب ألقاه الأحد الماضي. وسأل الموالين للحزب: «هل ذلك سبب للقلق؟ لا، على الإطلاق». وبدلا من ذلك، افترض شافيز أن انخفاض واردات السيارات يمثل سببا أساسيا في أن الأرقام الاقتصادية تراجعت. وسأل: «ما الذي يمكن أن يفعله ذلك مع الاشتراكية؟». وأضاف: «الأزمة الرأسمالية في العالم لا تمثل مأساة بالنسبة إلينا. إنها فرصة رائعة لتقديم نموذج جديد»، مشيرا إلى النظام الذي تسيطر عليها الدولة بصورة متزايدة.

وتصاعد التراجع الاقتصادي فقط بعدم قدرة السدود المائية في فنزويلا على توليد الطاقة الكافية. وترجع الحكومة سبب ذلك إلى الجفاف الذي عانته البلاد لفترة طويلة. بيد أن خبراء الطاقة يقولون إن فنزويلا أخفقت في تحقيق استثمارات بمليارات الدولارات من أجل تطوير السدود التي تولد الكهرباء من المياه ومحطات توليد الطاقة. ولتوفير الطاقة، فرضت الحكومة قطعا تدريجيا للتيار الكهربائي في المدن الرئيسية منذ 13 يناير (كانون الثاني) الماضي. وفي بعض المدن، يمكن أن يستمر قطع التيار لمدة 4 ساعات أو أكثر في اليوم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»