زلة لسان براون تشعل نقاشا وطنيا حول قضية الهجرة في بريطانيا

بريطانيون يحملون مهاجري أوروبا الشرقية مسؤولية مزاحمتهم في المستشفيات والمدارس

TT

في خضم السباق الانتخابي الذي يقترب من نهايته في بريطانيا، انطلق نقاش وطني حول واحد من الأسئلة غير المرغوب فيها: هل جيليان دافي في الحقيقة متعصبة؟

أحرجت دافي، التي تتحدث بصراحة، رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أثناء زيارة شائنة قام بها إلى مدينتها يوم الأربعاء الماضي، حيث شكت علنا من «أنك لا تستطيع قول أي شيء بشأن هؤلاء المهاجرين». وبعد لحظات، التقطته الكاميرات وهو يصفها بأنها «امرأة متعصبة» في خطأ فادح يدفع على نحو مفاجئ قضية الهجرة إلى المقدمة في الانتخابات البريطانية.

ويؤكد هذا الحادث على القوة الشديدة للهجرة على جانبي الأطلسي، مع التركيز في بريطانيا بصورة كبيرة على موجات الأوروبيين من شرق أوروبا الذين تدفقوا إلى بريطانيا على مدار العقد الماضي. وعلى الرغم من أن الأزمة الاقتصادية قادت الكثيرين منهم إلى حزم حقائبهم والعودة إلى أوطانهم، فإنه يجري تحميلهم المسؤولية، خاصة في أوساط الطبقة العاملة البريطانية، بشأن المدارس وعنابر المستشفيات المزدحمة.

لذا، تطرقت حادثة دافي إلى قضية حساسة. فعلى موقعي «فيس بوك» و«تويتر» وفي الصحف الشعبية والمدونات الشخصية، يؤيد عشرات الآلاف من الناخبين البريطانيين استدعاء براون من أجل وصفه لدافي، التي تبلغ من العمر 65 عاما، بأنها متعصبة، وقد قضى براون نحو 40 دقيقة في الاعتذار لهذه المرأة على ما صدر منه. ويشيد آخرون بهذه المرأة ويصفونها بأنها بطلة الطبقة العاملة وقادرة على تحدي الطبقة السياسية المتحررة والمميزة للغاية لدرجة أنها لا ترى مشكلة الهجرة بينهم.

وعلى الجانب الآخر، وزعت أحزاب اليمين المتطرف منشورات انتخابية تؤكد على اتخاذ موقف مناهض للمهاجرين. ويتوقع بعض المحللين أداء قويا يوم الخميس لهذه الأحزاب، على الرغم من أنه ليس من المحتمل أن تكون هذه الأحزاب قوية بالدرجة الكافية للفوز بأي مقاعد في البرلمان.

وقال إيد ويست، أحد المدونين في صحيفة «تليغراف» ذات الميول اليمينية والذي نشر على الإنترنت يوم الجمعة مقالا بعنوان «جيليان دافي المتعصبة جعلتني فخورا بأنني بريطاني»، «يؤكد ذلك شكوك الطبقة العاملة بأن الطبقات العليا المتحررة اجتماعيا والسياسيين لديهم ازدراء لهم ويعتقدون أنهم متعصبون كبار في السن ولا يفهمون في الحقيقة».

وبالنسبة لبراون وخصميه – مرشح حزب المحافظين ديفيد كاميرون ومرشح حزب الديمقراطيين نيكولاس كليغ – تثير هذه الحادثة قضية أملوا جميعا أن تبتعد عن بؤرة التركيز الرئيسي للحملة.

ولأسباب مختلفة، يُنظر إلى هؤلاء الثلاثة على أنهم عرضة للهجوم بشأن هذه القضية، والتي أصبحت القضية الشائكة الوحيدة ليلة الخميس أثناء آخر مناظرة في المناظرات الثلاث التي قام بها رئيس الوزراء في سياق الحملة الانتخابية.

ووجد كليغ، الذي يعد مفاجأة السباق حيث إنه تقدم في استطلاعات الرأي بعدما بدأت المناظرات، نفسه في موقف دفاعي بعد ما سأل أحد الحضور لماذا «أصبح السياسيون بعيدين عن هموم الشعب، خاصة فيما يتعلق بالهجرة». واستغل براون وكاميرون الفرصة للهجوم على خطة الحزب الليبرالي لتقديم عفو جزئي إلى المهاجرين غير الشرعيين. وفي يوم الجمعة، وفي نهاية الحملة، انهالت مزيد من الأسئلة المتعلقة بالهجرة على كليغ من جانب الصحافيين.

وعلى الجانب الآخر، يعد براون في وضع لا يتراجع فيه فقط عن الزلة الكبيرة، لكنه أيضا يدافع عن سجل حزب العمال المتمثل في فتح أبوابه على مصراعيها ومنذ البداية أمام المهاجرين من الدول الأقل ثراء في الاتحاد الأوروبي. وعلى مدار الثماني والأربعين ساعة الماضية، سعى إلى تصوير نفسه على أنه شخص صارم تماما بشأن الهجرة، وقال إن الإجراءات المضادة الجديدة لحزب العمال أوقفت تدفقات الهجرة. ووعد بحفظ بعض الوظائف للمواطنين البريطانيين.

ومع ذلك، ربما يكون كاميرون، الذي يتصدر الآن استطلاعات الرأي، في الوضع الأكثر حساسية. أثناء سباق عام 2005، كان الموقف المناهض للهجرة الذي تبناه حزب المحافظين يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أحد العوامل الرئيسية وراء إبعاد الناخبين المتحررين اجتماعيا عن المركز السياسي في بريطانيا، على وجه التحديد الشريحة التي يغازلها في محاولة لاستعادة حزبه إلى السلطة للمرة الأولى في 13 عاما.

وقال دانيال كورسكي، محلل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن، «اتخاذ موقف مناهض للهجرة لا يصب في صالح محاولة ديفيد كاميرون إعادة تصنيف الحزب على أنه أقل تحفظا. وسيجعله ذلك يكافح لتحقيق التوازن الحقيقي بشأن هذه القضية في الوقت الراهن. ولا يمكن له أن يحقق استفادة».

وتم تنظيم تغطية زلة براون، التي أشبعت محطات التلفزيون ومواقع الإنترنت البريطانية، على نحو متزايد على أساس الفئة. والتعليقات على موقع «تويتر» والتعليقات على الإنترنت والرسائل النصية المتعاطفة مع دافي صورتها على أنها ضحية المتكبرين الليبراليين. وشعرت دافي، التي طالما صوتت لصالح حزب العمال، بالصدمة عندما سمعت التعليقات، التي يلقي فيها براون باللوم على «سوء فهم» كلماتها. وطالبت: «أريد أن أعرف لماذا وصفني بأنني متعصبة».

بيد أن الآلاف انتقدوها، وانتقدوا قرار براون تقديم الاعتذار. وقال البعض، مثل ميلينا بوبوفا (29 عاما)، مديرة مشروع تكنولوجيا المعلومات من بلغاريا، إن الحادث جعلها تبكي.

وقالت بوبوفا، التي نشرت موضوعا على مدونة جذب التعليقات من على الجانبين، «ما أخشاه هو أن الهجرة صارت تعتبر سببا من الأسباب المباشرة للبطالة في الأزمة الاقتصادية، وأنه أصبح من المستحيل على رجال السياسة الدفاع عنا. وينتهي الأمر بنا أن يكون لدينا عبارات لا تنسى كالتي قالتها السيدة دافي، والتي من الممكن أن تكون مضللة ومؤلمة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»