الصومال: شبح الانهيار يهدد السلطة الانتقالية

البرلمان يطيح رئيس الحكومة.. وشارمارك يتمسك بمنصبه ويرد باختيار خليفة لمادوبي

TT

تصاعدت الأزمة داخل ترويكا السلطة الانتقالية في الصومال بعدما أعلن رئيس البرلمان أمس حل الحكومة، وإقالة رئيس الوزراء، بعد جلسة عاصفة، تبادل فيها النواب الشتائم، وغاب عنها رئيس البلاد الذي كان من المفترض أن يخاطب النواب في أول جلسة لهم بعد غياب 9 أشهر. ورفض رئيس الحكومة عمر عبد الرشيد شارمارك، التخلي عن منصبه، فيما رد نواب معارضون لرئيس البرلمان بإقالة رئيسهم آدم مادوبي، وتعيين بديل له.

وانتهت جلسة للبرلمان الصومالي أمس بالصياح وتبادل النواب الشتائم، المنقسمون حول استمرار رئيسهم آدم مادوبي في منصبه، أو التمديد له. وكانت جلسات البرلمان الصومالي قد توقفت منذ أغسطس (آب) الماضي بسبب أزمة الخلاف بين النواب حول انتهاء ولاية رئيس البرلمان الحالي آدم مادوبي واستمرارها بعد 7 أشهر من اتفاقية جيبوتي في يناير (كانون الثاني) 2009 التي تم بموجبها توسيع البرلمان إلى الضعف ليصبح عدد نوابه 550 نائبا.

وبعد وصول مادوبي إلى قاعة الاجتماع واعتلائه المنصة لإلقاء خطاب الافتتاح، قاطعه النواب المعارضون له بالصياح والهتافات احتجاجا على ترؤسه للجلسة بحجة انتهاء ولايته، وطالبوا بانتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفا لآدم مادوبي. واستمر الصخب لعدة ساعات أدت إلى تعذر فتح النقاش.

وبعد ذلك، خرج رئيس البرلمان آدم مادوبي من القاعة وعقد مؤتمرا صحافيا مقتضبا، وأعلن عن حل الحكومة الانتقالية، وطالب رئيس البلاد شيخ أحمد بتعيين رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة خلال 30 يوما وفقا للدستور. وقد تغيب الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد الذي كان من المقرر أن يلقي خطابا في الجلسة لأسباب لم يكشف عنها. وكانت عناصر الشرطة وقوات الاتحاد الأفريقي موجودة داخل قاعة البرلمان للحيلولة دون وقوع عراك بين النواب، فيما كانت المنطقة المحيطة بمبنى البرلمان تخضع لحراسة أمنية مشددة.

واتهم رئيس البرلمان وزراء في الحكومة بإثارة الفوضى في جلسة البرلمان للحيلولة دون محاسبتهم وفق الأعراف البرلمانية ويتعمدون التشكيك في شرعية رئيس البرلمان ونائبيه. وشن مادوبي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» هجوما حادا على شارمارك، وقال إنه فقد ثقة أعضاء البرلمان، لأنه لم يكن يتحكم بالكامل في عمل الحكومة الصومالية.

وبعد خروج رئيس البرلمان، استمر النواب المعارضون له، ويبلغ عددهم نحو 300 نائب، في مناقشة الأمر، ودخلوا في إجراءات انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفا لآدم مادوبي، وتم انتخاب أكبر الأعضاء سنا لترؤس الجلسات لمدة 15 يوما يتم بعدها انتخاب رئيس جديد للبرلمان. وانتخب النائب، حاج شكري شيخ أحمد (84 عاما) رئيسا مؤقتا للبرلمان بصفته أكبر أعضاء البرلمان سنا. وقال شكري إنه سيرأس جلسات البرلمان خلال فترة 15 يوما لانتخاب رئيس جديد للبرلمان. وقد التزم الرئيس الصومالي الصمت حتى الآن تجاه أزمة البرلمان، وليس معروفا طبيعة الخطوة التي سيتخذها لمعالجة هذه الأزمة والتي تنعكس سلبا على مصداقية السلطة الانتقالية ككل في البلاد وهو على رأسها.

وكانت هناك وساطات جيبوتية وإثيوبية ومن الأمم المتحدة أيضا لاحتواء هذه الأزمة، إلا أن تلك الجهود كلها باءت بالفشل. في هذا الصدد رفض رئيس الوزراء الصومالي عمر شارمارك سقوط حكومته، وقال في مؤتمر صحافي عقده بمكتبه في القصر الرئاسي، إن رئيس البرلمان آدم مادوبي رفض نصيحة قدمها له هو شخصيا وأيضا الرئيس شريف شيخ أحمد بقبول الأمر الواقع وهو انتهاء فترة ولايته، ورحب شارمارك بالخطوة التي اتخذها أعضاء البرلمان بانتخاب رئيس مؤقت للبرلمان. وأكد لـ«الشرق الأوسط» ناطق باسم شارمارك، أنه مستمر في عمله ولا يعتزم الاستقالة.

وأفادت مصادر حكومية صومالية بأن هناك مسعى لعقد اجتماع لكل من الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان في إحدى عواصم الدول المجاورة لاحتواء هذا الخلاف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الوقت الذي لا يتوفر فيه بديل عملي عن الرجال الثلاثة.

وقال دبلوماسي عربي مخضرم في العاصمة الصومالية لـ«الشرق الأوسط»، إن الانقسام الحالي هو الأخطر من نوعه كونه يتزامن مع ما وصفه بتصاعد وتيرة العمليات شبه اليومية التي يشنها المتمردون الإسلاميون خاصة من حركة الشباب المتشددة ضد القوات الحكومية والأفريقية في العاصمة مقديشو. وقال رئيس اللجنة الإعلامية للبرلمان الصومالي لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع الحالي داخل ترويكا السلطة الانتقالية (البرلمان والحكومة والرئيس) يتطلب تدخلا عاجلا وفوريا من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لإحلال قوات عربية وإسلامية محل القوات الأفريقية.

على صعيد آخر، قتل 20 شخصا على الأقل وأصيب نحو 70 آخرين بجراح في قصف مدفعي متبادل بين قوات الحكومة الصومالية التي تساندها قوات الاتحاد الأفريقي من جهة وبين المسلحين الإسلاميين المعارضين للحكومة من جهة أخرى. وأطلق المسلحون الإسلاميون عددا من القذائف الصاروخية باتجاه مبنى البرلمان والقصر الرئاسي في الوقت الذي كان النواب يعقدون الجلسة الصاخبة في البرلمان. وسقط عدد من القذائف في المنطقة المحيطة بمبنى البرلمان. لكن معظم الضحايا سقطوا في سوق البكارو التي تعرضت لقصف مكثف من قبل القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي.

من جهة أخرى، تدفق المئات من مقاتلي حركة الشباب المجاهدين المعارضة إلى العاصمة مقديشو لتعزيز مواقع الحركة في العاصمة في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن هجوم عسكري حكومي وشيك لاستعادة السيطرة على العاصمة والمناطق المجاورة لها. وأفاد شهود عيان بأن مئات من المقاتلين الموالين لحركة الشباب على متن شاحنات عبروا مدينة أفجوي (30 كم غرب مقديشو) باتجاه العاصمة. وقالت مصادر مطلعة إن ما بين 550 – 700 مقاتل تدربوا مؤخرا في بيدوا ومناطق أخرى تسيطر عليها حركة الشباب اتجهوا إلى مقديشو لتعزيز صفوف مقاتلي الشباب فيها، وذلك استعدادا لمواجهة الهجوم الحكومي المرتقب. ولم تعلق سلطات حركة الشباب في مقديشو على قدوم هؤلاء المقاتلين الجدد، إلا أن قادة الحركة في بيدوا وكيسمايو قالوا في وقت سابق «إنهم يستعدون لإرسال مزيد من المقاتلين إلى مقديشو لتعزيز صفوف مقاتلي الشباب في العاصمة، لصد الهجوم المرتقب الذي تنوي الحكومة شنه على معاقل الفصائل المعارضة». وكانت حركة الشباب قد حققت مكاسب عسكرية مهمة خلال الأسابيع الماضية باستيلائها على عدد من المدن في وسط وجنوب غربي البلاد.