بغداد: أحاديث الخوف تقتحم مجددا البيوت.. ومشاهد العنف تعود إلى الذاكرة

أسلحة كاتمة للصوت تغتال عددا من أصحاب المحال.. وصالات بلياردو تغلق أبوابها

صبي عراقي يلعب البلياردو مع جندي أميركي في قاعدة أميركية في معسكر بلد شمال بغداد أول من أمس (رويترز)
TT

وقف عدد من أصحاب المحال التجارية في إحدى مناطق بغداد، التي توصف بالراقية، مذهولين وهم يرون أبو أحمد، الذي يبيع الخضراوات، يسقط قتيلا في وضح النهار بعدما وجهت إليه مجموعة من المسلحين نيران مسدساتهم المزودة بكاتم الصوت.

هذه الحادثة التي وقعت قبل نحو العشرة أيام سبقتها حادثة أخرى بـ«كاتم الصوت» استهدفت أصحاب محال تجارية في نفس المنطقة والتي أردت اثنين منهم قتلى، مما جعل بقية أصحاب المحال يغلقون أبوابهم في وقت مبكر أسوة بنظرائهم في مناطق أخرى من العاصمة بعد عدة حوادث وانفجارات تعرضت لها بغداد ومدن عراقية أخرى مؤخرا.

فالعراقيون أخذوا يشعرون بالخشية من تكرار هذه الحوادث ومن انفجارات قد تحدث في أي لحظة، وعادت أحاديث الخوف تأخذ مكانها مجددا داخل البيوت العراقية في مشهد يذكر بذروة أيام العنف الطائفي في العراق بين 2005 – 2007. وشهدت بغداد استقرارا أمنيا خلال العامين الماضيين إثر عمليات أمنية واسعة نفذتها القوات العراقية والأميركية.

وقال أحمد سلمان العبدلي، صاحب محل تجاري في بغداد، إن «سقوط أكثر من مائة قتيل وجرح أكثر من 350 في يوم واحد خلال الأسبوع المنصرم يعد نذير شؤم بالنسبة للعراقيين، إذ إنه ينذر بتجدد موجة العنف خاصة مع احتدام الجدل السياسي بين الأحزاب حول من له الأحقية في تأليف الحكومة المقبلة بعد أكثر من شهرين من الانتخابات النيابية».

وتشهد الساحة السياسية شللا منذ إجراء الانتخابات التشريعية في مارس (آذار) الماضي، مع عدم حصول أي كتلة على أغلبية تؤهلها لتشكيل الحكومة، مما خلف فراغا أمنيا وسياسيا انعكس سلبا على الأوضاع الأمنية.

وكان الناطق باسم عمليات بغداد اللواء قاسم عطا، قد أكد في وقت سابق أنه على الرغم من الضربات القوية التي فككت «القاعدة»، فإن بعض خلاياها ما زال يعمل في محاولة لإثبات وجوده وتأثيره، واصفا الهجمات بأنها «هستيرية».

صاحب إحدى صالات البلياردو ببغداد أغلق صالته مؤخرا بعد أن تعرضت صالة أخرى في منطقة البياع، جنوب غربي بغداد، إلى هجوم مسلح أدى إلى قتل وجرح عدد من روادها.

ويقول صاحب الصالة، طالبا عدم ذكر اسمه، إنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة جنى أرباحا طائلة، لكن رواد الصالة أخذوا في التناقص في الآونة الأخيرة، وقال إنه بعد الحادثة التي طالت صالة البلياردو في منطقة البياع انقطع هواة هذه اللعبة عن التردد، مما حدا به إلى إغلاقها حتى إشعار آخر.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع لم تعد كما كانت، فبعد الانتخابات أخذ الناس وخصوصا فئة الشباب يعودون إلى منازلهم في وقت مبكر جدا خوفا من أن الليل قد يحمل لهم مفاجآت بينها تصويب مسدسات كاتمة إلى صدورهم».

وكان تنظيم القاعدة في العراق قد هدد بشن هجمات انتقاما لمقتل زعيميه اللذين قضيا في عملية عسكرية مؤخرا. وشهد عدد من نقاط التفتيش في بغداد الاثنين الماضي هجمات بالأسلحة المزودة بكاتمة الصوت مما أسفر عن مقتل عدد من رجال الأمن.

ويقول سامر خليل، عاطل عن العمل، إن «الإرهاب، أو كل من يقوم بشن هجمات على العراقيين في الشارع وحتى في عقر دارهم، يحاول أن يستغل الفجوات السياسية والمعارك بين الفرقاء الفائزين»، وتساءل «إن كان السياسيون طرفا في هذه العمليات».

أما أم ياسر، ربة بيت، فقد أكدت من جانبها أنها منعت ابنها من الخروج من البيت للقاء أصدقائه بعد انتهائه من العمل، فقد عادت بالنسبة إليها رحى الخوف التي طحنت في وقت سابق زوجها وولدها في حادثة اغتيال مروعة على طريق كربلاء. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع تسوء مرة أخرى ونطالب الحكومة العراقية وجميع من فاز في الانتخابات بالإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة لأن الوضع ينذر بالخطر».

لكن نادية، موظفة، قالت «نحن اعتدنا الخوف واعتدنا سماع دوي الانفجارات واعتدنا منظر الدم والموت، لكن في نفس الوقت نبحث عن الحياة»، لكنها أضافت متسائلة عن الدوافع وراء مقتل بائع خضراوات أو بائع اللبن، وقالت «هل هؤلاء الأشخاص ينافسون السياسيين على مناصبهم أم إن هناك أياد تعبث بأمن البلاد وتحاول إعادتها إلى مربع الحرب الطائفية؟»، وأضافت أن «الاغتيالات تستهدف في الغالب السياسيين والأساتذة والصحافيين، لكنها امتدت الآن لتشمل البسطاء».

وكان اللواء عطا قد قال في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» إن «قيادة عمليات بغداد ألقت القبض على عصابة ومكان لتصنيع كواتم الصوت إضافة إلى وجود كواتم مستوردة»، مؤكدا أن «قيادة عمليات بغداد منعت المواطنين من حمل الأسلحة وأمرت بمصادرتها وأن إجازات حمل الأسلحة ستكون مقتصرة على قيادة العمليات ووزارة الداخلية».

ومن جانبه، طالب عضو قائمة العراقية عدنان دبوس بإعادة النظر في تركيبة الأجهزة الأمنية وتفعيل دورها، مؤكدا في تصريحات صحافية «أن التفجيرات الأخيرة (في بغداد) مرتبطة بالعملية السياسية في العراق التي أحدثت انقلابا لجهة تثبيت النظام الديمقراطي في البلاد الذي أعقب النظام الشمولي وهذا ما لم يرق لبعض الأنظمة في المنطقة». وأضاف أن «الأجهزة الأمنية العراقية بوضعها الحالي غير قادرة على التغلب على ظاهرة الإرهاب وهي أنشئت على أساس حزبي وعلى قاعدة المحاصصة وليس على أساس الكفاءة والمهنية. كما أن الفراغ الحكومي الحاصل جعل هذه الأجهزة في وضع فوضى عارمة».