واشنطن تستخدم شبكات تجسس في أعماق باكستان وأفغانستان

رغم إعلان انتهاء عملها.. فهي مصدر مهم للمعلومات الاستخبارية

TT

لا يزال كبار القادة العسكريين الأميركيين يعتمدون على تقارير شبكة من الجواسيس العاملة في أعماق أفغانستان وباكستان، بحسب مسؤولين أميركيين ورجال أعمال على الرغم من مخاوف البعض داخل الجيش بشأن قانونية العملية.

وقد اعترف المسؤولون الحكوميون، هذا العام، بأن الجيش أرسل بعضا من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين وأفرادا من قوات العمليات الخاصة إلى المنطقة بهدف جمع معلومات تم استغلال البعض منها في تعقب وقتل أفراد تشك الولايات المتحدة في أنهم مقاتلون. وقد وصف البعض هذه العمليات بالفاشلة إلى حد أنها توقفت بمجرد بدء التحقيق بشأنها.

لكن المقابلات التي أجريت مع أكثر من عشرة من المسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين ورجال الأعمال بدراسة الوثائق الحكومة تثبت شيئا مختلفا، إذ تشير تلك الوثائق والمقابلات إلى أن تلك العمليات لا تزال سارية وأن تقارير مفصلة حول موضوعات مثل أعمال قيادة طالبان في باكستان وتحركات المقاتلين في الجنوب الأفغاني تقدم بصور شبه يومية إلى كبار القادة وأصبحت مصدرا هاما للمعلومات الاستخبارية.

معروف أن الجيش الأميركي ممنوع من العمل داخل الأراضي الباكستانية ووفق قواعد البنتاغون لا يسمح للجيش باستئجار متعاقدين في أعمال التجسس.

وقال المسؤولون العسكريون إن الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الأعلى في المنطقة، أعلن انتهاء العملية في يناير (كانون الثاني) 2009، وحظر عمليات جمع المعلومات الاستخبارية، مثل استخدام عملاء لجمع المعلومات عن مواقع العدو في باكستان. وكان المفترض بالعملاء تقديم معلومات واسعة النطاق عن الديناميكيات القبلية والسياسية في المنطقة والمعلومات التي يمكن أن تستغل لحماية القوات الأميركية».

فيما قال بعض مسؤولي البنتاغون إنه بمرور الوقت بدأت العمليات تأخذ شكل أنشطة التجسس التقليدية، وأشاروا إلى أن مايكل فورلونغ، المشرف الذي أنشأ شبكة العملاء، يخضع للتحقيق الآن.

وقد قامت صحيفة «نيويورك تايمز» بمراجعة البرنامج ووجدت أن عملاء فورلونغ لا يزالون يواصلون تقديم معلومات استخبارية، مستخدمين نفس الطرق القديمة في جمع المعلومات. ولا يزال المتعاقدون يحصلون على رواتبهم وفق عقد يبلغ 22 مليون دولار، أداره لوكهيد مارتن وأشرف عليها مكتب وزارة الدفاع المسؤول عن سياسة العمليات الخاصة.

وقال جيوف موريل، السكرتير الصحافي للبنتاغون، إن البرنامج لا يزال قيد التحقيق من قِبل العديد من الإدارات داخل وزارة الدفاع ولذا سيكون من غير اللائق إجابة أسئلة محددة حول الشخص الذي وافق على العمليات أو سبب استمرارها. لكنني أؤكد على أننا ملتزمون بالتوصل إلى ما إذا كان قد حدث تجاوز للقوانين أو انتهكت السياسات».

من جانبه رفض المتحدث باسم الجنرال بترايوس والجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأميركية في أفغانستان التعليق. وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع إن البنتاغون قرر أخيرا فقط عدم تجديد العقد، الذي ينتهي بنهاية شهر مايو (أيار) الحالي. وعلى الرغم من رفض البنتاغون الحديث بشأن البرنامج فإن من الواضح أن القادة الميدانيين ليسوا في عجلة من أمرهم في إغلاق البرنامج لأن المعلومات التي حصلوا عليها كانت بالغة الأهمية خصوصا في حماية القوات من هجمات «القاعدة» وطالبان. كان الدور المتزايد للمتعاقدين في حربي العراق وأفغانستان - بدءا من استجواب المعتقلين إلى مطاردة الإرهابيين المشتبه بهم - قد أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد قامت بتعهيد بعض من أهم عملياتها وأكثرها سرية إلى جيش خاص يخشى الكثيرون أنهم واقعون خارج نطاق المحاسبة. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية قد وسعت من اعتمادها على المتعاقدين في السنوات الأخيرة لتنفيذ مهمات في مناطق القتال. ويكشف الإعلان عن شبكات التجسس التوتر الواقع بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات التي تدير هي الأخرى حربا سرية على الحدود الباكستانية. فأوضح مدير مركز الاستخبارات المركزية في كابل في برقية له إلى البنتاغون أن استخدام الجيش عملاء الوكالة يمكن أن يكون ذا نتائج كارثية مع الشبكات المختلفة وقد يؤدي إلى تصادم بعضها مع بعض. وأشارت المذكرة أيضا إلى أن فورلونغ معروف بلجوئه إلى الوسائل الاستخبارية الغريبة ومنها الحادثة التي وقعت في عام 2008 التي دفع بالمسؤولين الأميركيين إلى طرده من براغ لمحاولته إنشاء خادمات حاسبات سرية لاستخدامها في أعمال الدعاية. فيما يعتقد بعض المسؤولين أن وكالة الاستخبارات تحاول إفشال العملية لحماية عملياتها وأن الوكالة تعرضت لحرج بالغ لأن المتعاقدين تفوقوا على عملائها. ترجع بداية نشأة شبكة التجسس التي كونت من متعاقدين إلى الإحباط الذي لقيه الجيش من وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات العسكرية. فقد اعتمدت وكالة الاستخبارات بشكل مبالغ فيه على وكالة الاستخبارات الباكستانية ونادرا ما كانت تتمكن من تقديم معلومات إلى الجيش ومعلومات في الوقت المناسب لحماية القوات الأميركية. إضافة إلى ذلك شكا الجيش من أنه لا يسمح له بالعمل في باكستان في الوقت الذي تسمح فيه الحكمة الباكستانية للاستخبارات الأميركية بالعمل. ونفى بول غميغليانو، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التقارير التي تحدثت عن سباق حرب الاستخبارات. وقال: «لا يوجد أي نوع من الخلاف بين الوكالة ووزارة الدفاع، والأمر منوط بوزارة الدفاع للتحقيق بشأنه وتورط عملائها». يُذكر أنه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 استخدمت وزارة الدفاع تفسيرات موسعة لسلطاتها لتوسعة عمليات الاستخبارات العسكرية ومن بينها إرسال قوات عمليات خاصة في مهام سرية إلى مناطق القتال. وقد أثارت تلك المهمات القلق في واشنطن من أن البنتاغون يدير عمليات سرية دون موافقة صريحة من البيت الأبيض ودون إشراف محكم من قبل لجنة الكونغرس والضوابط الداخلية الرامية إلى منع الانتهاكات في الحصول على المعلومات الاستخبارية. ويقول المسؤولون إن تقارير العملاء كانت تسلم عبر خدمة البريد الإلكتروني المشفرة إلى وحدة إدماج عمليات المعلومات الموجودة في القاعدة العسكرية الأميركية في مطار كابل الدولي، حيث يتم إدخال هذه المعلومات في شبكة حاسبات سرية تابعة للجيش للمساعدة في العمليات المستقبلية من قبل الجيش. ولتجنب القيود العسكرية على جمع المعلومات الاستخبارية يتم تصنيف المعلومات التي يجمعها العملاء المتعاقدون في شرق أفغانستان والمناطق القبلية الباكستانية (الجمع البيئي)، التي يتكون أغلبها من معلومات عن عمل المجموعات المقاتلة في أفغانستان وباكستان وحول البنية القبلية الأفغانية. الحدود التي تفصل المعلومات التي يجمعها العملاء المتعاقدون عن المعلومات التي يجمعها عملاء الاستخبارات تبدو غامضة وغير واضحة المعالم. أضف إلى ذلك أن العمليات التي ينظمها الجيش والتي تهدف إلى اختراق تنظيمات العدو بعملاء سريين ينظر إليها على نطاق واسع أنها غير قانونية. لكن مسؤولي وزارة الدافع المطلعين على البرنامج قالوا إن عملاء الجيش أنفسهم اعتبروا العقد تصريحا بالتجسس. فقبل عدة أسابيع أورد أحد عملاء الجيش أن طالبان تحشد قواتها بالقرب قاعدة عسكرية أميركية شرق قندهار، ولم يستغرق الأمر كثيرا حتى خرجت مروحية أباتشي وقامت بتفريق المقاتلين وقتلهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»