برنانكي.. الرجل الذي اعتاد العمل كل أيام الأسبوع بدافع الواجب

رئيس الاحتياطي الأميركي يعتقد أن «العالم لديه ما يقدمه أكثر من المال»

TT

قبل تسعة أيام، استقل رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» (المصرف المركزي الأميركي) بن برنانكي الطائرة منطلقا في رحلة ليلة الجمعة من هنا، ليلقي كلمة أمام 1100 خريج بجامعة كارولينا الجنوبية في الصباح التالي حول «اقتصاديات السعادة». وبعد الكلمة، وصلته مكالمة داخل غرفته بالفندق من جان كلود تريشيه، رئيس المصرف المركزي الأوروبي، وفي اليوم التالي تعهد بمليارات الدولارات لمساعدة أوروبا على تجنب أزمة مالية، وهو ما ذكّر ببرامج الإقراض الكبرى التي استخدمها «الاحتياطي الفيدرالي» عام 2008 ليحول دون حدوث انهيار اقتصادي داخل أميركا.

وليس لدى برنانكي (56 عاما) الكثير من الوقت ليفكر فيما إذا كان رأي التاريخ في الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها خلال الأعوام الأخيرة سيكون قاسيا أم رحيما. وليس لديه الوقت ليقرأ كتبا جديدة كثيرة تتناول تصرفه تعامله مع وزيري الخزانة هنري بولسون وتيموثي غيتنر في مواجهة عاصفة شديدة خلّفت الملايين من الأميركيين بلا وظائف أو منازل.

بعد أن عينه الرئيس الأميركي باراك أوباما في أغسطس (آب) الماضي لولاية ثانية من أربعة أعوام، يرى برنانكي تقريبا حياته المهنية في الخدمة العامة تعاني بسبب عدم رضا واسع النطاق عن ضعف التنظيم داخل وول ستريت ومساعدات فيدرالية تاريخية أنقذت مصرفيين أثرياء من أخطائهم. وبعد نقاش مستعر في يناير (كانون الثاني)، وافق مجلس الشيوخ على التمديد لبرنانكي بـ70 صوتا في مقابل 30 صوتا، وتمثل هذه أقل كتلة تصويتية يحصل عليها رئيس لـ«الاحتياطي الفيدرالي» منذ إنشاء المصرف المركزي في عام 1913.

وفي الوقت الحالي، ومع بداية العام الخامس له في منصب رئيس المصرف المركزي، يواجه برنانكي تحديات تختلف كثيرا عن التحديات التي واجهها سلفه آلان غرينسبان خلال 18 عاما قضاها في المنصب. وعلى ضوء أنه الحكم صاحب السلطان داخل البلاد فيما يتعلق بمعدلات الفائدة، والتي تؤثر مباشرة على رغبة المصارف في الإقراض لتعزيز من الاقتصاد، أبقى برنانكي معدل الفائدة على المدى القصير عند صفر تقريبا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008، بهدف تعزيز المؤسسات المالية المتعثرة.

وعليه أن يفكر في الوقت المناسب لبدء رفع معدلات الفائدة، والكيفية التي يمكن من خلالها تقليل ميزانية «الاحتياطي الفيدرالي»، التي زادت بمعدل أكثر من الضعف لتصل إلى 2.3 تريليون دولار منذ بدء الأزمة.

وعلى الرغم من فشل «الاحتياطي الفيدرالي» في الحد من إقراض الرهون العقارية المحفوف بالمخاطر، يدرس مجلس الشيوخ منح «الاحتياطي الفيدرالي» سلطات رقابية أخرى: الإشراف على المؤسسات المالية الكبرى، ومن بينها المؤسسات غير المصرفية مثل شركات التأمين، وتعزيز دوره في مراقبة السلوك الخطر الذي دفع الاقتصاد الأميركي إلى شفا جرف.

وفي الأسبوع الماضي، دافع المصرف المركزي الأميركي عن مقترحات يفترض أن تُخضع قرارات السياسة الرقابية الخاصة به لمراجعات روتينية، وتحول مسؤولية رقابة الآلاف من البنوك التي ينظم «الاحتياطي الفيدرالي» عملها إلى مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية. لكن، من المحتمل أن يجبر على الكشف عن أشياء أكثر تتعلق بإجراءات من أجل إنقاذ القطاع المالي خلال الأعوام القليلة الماضية، وهي قضية محل نقاش مستعر داخل الكونغرس وفي المحاكم.

وقال برنانكي خلال مقابلة أجريت معه «يعترف أشخاص مسؤولون داخل الكونغرس بأنه لا يمكن أن يوجد اقتصاد قوي من دون مصرف مركزي مستقل حازم لديه أدوار رقابية مناسبة. وما زلت أرى أن الحكمة والفهم الجيد سوف يتغلبان على المكاسب السياسية القصيرة الأجل».

كما أنه يدرك أن السلطات الجديدة ربما تجعل «الاحتياطي الفيدرالي» يواجه موجات أخرى من الانتقادات. ويقول «علينا أن ندير التوقعات، ولا توجد احتمالية لمحو الأزمات المالية، ولا حتى الأزمات الشديدة، لكن لا يعني ذلك أنه لا توجد فرصة جيدة لتقليل المخاطر وتقليل الآثار».

ويرى البعض أن فشله في توقع طبيعة الأزمة المالية ومدى خطورتها، ودوره في مساعدة غرينسبان على إبقاء معدلات الفائدة في مستوى ربما يقوي من المضاربة داخل قطاع الإسكان، يمثلان هفوتين لا تغتفران. ويقول آخرون إنه لم يكن هناك شخص أكثر استعدادا، بمجرد بدء الأزمة، للرد بقوة وحزم من أجل منع وقوع دمار اقتصادي شامل.

ويقول برنانكي «تساءل البعض: لماذا لم يمنع (الاحتياطي الفيدرالي) هذا من الحدوث؟». ويضيف «حسنا، كما هو الحال مع المنظمين الآخرين، كان يمكننا القيام ببعض الأشياء على الأقل عند إدراك طبيعة الأمر بعد حدوثه. لكن، لم تكن لدينا السلطات ولا الوسائل كي نلعب دور الشرطي الخارق داخل النظام المالي. وكانت لدينا مسؤوليات محددة بصورة جيدة لا تشمل الكثير من المناطق التي تبين فيما بعد أنها تتضمن مشكلات».

ويقول برنانكي إن الجهاز الرقابي الذي ظهر بعد الكساد الكبير موجه للتعامل مع المصارف التجارية، ولم يتكيف مع وتيرة الإبداع المالي والأسواق المترابطة التي تتحرك بسرعة.

وفي الواقع، يمكن للأسواق حاليا التحرك سريعا لدرجة أن المنظمين يبدون في بعض الأحيان يحاولون اللحاق بها. وعندما تراجعت سوق الأسهم بـ1000 نقطة في 6 مايو (أيار) قبل إعادة تغيير الاتجاه بسرعة، لم يكن في مقدرة المنظمين توضيح السبب. ولا يزالون عاجزين عن القيام بذلك حتى الآن.

ومن جانبه، يقول برنانكي إنه شعر بالقلق بسبب التراجع، لكنه لم يصدم. ويقول إنه كان يستعد مع نوابه لمواجهة آثار جانبية من أزمة الديون الأوروبية لأشهر، وكانوا في اتصال مباشر مع نظرائهم الأوروبيين.

ويقول إن التراجع الموجز في السوق «كان مجرد مؤشر صغير على مدى تعقيد وفوضوية هذه النظم، بالمعنى الرسمي». ويضيف «نظامنا المالي معقد جدا ومتشابك للغاية، وكذا الحال مع الكثير من الأسواق المختلفة داخل دول متنوعة ومع الكثير من القواعد. ويعد ما يحدث في سوق الأسهم مجرد مثال بسيط على الطريقة التي يمكن أن تتداعى بها الأمور».

ويشير، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن الدور الرقابي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في حاجة إلى إعادة توجيه ناحية الاستقرار المالي. ويقول «أعتقد أن التفكير في أن الكائنات البشرية يمكنها توقع جميع التشابكات المحتملة والتطورات المعقدة غير واقعي»، مضيفا أن «الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الضبابية هي التأكد من أن النظام مرن في جوهره، وأن لدينا أكبر قدر ممكن من الترتيبات للتأمين من التعثر».

ولم يكن دور محارب الأزمات هو الدور الرئيسي الذي توقعه برنانكي عندما وافق لأول مرة على تولي منصب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في 2006. وحدثت بعض الأخطاء في أول عامين له. ووصف فوضى الرهن العقاري بأنها «يمكن احتواؤها»، واستهان بمخاطر أزمة الإسكان الأوسع وكيف أنها أصبحت متشابكة مع نظام التداول المعقد في وول ستريت.

ومع تسارع الأزمة، أقرض «الاحتياطي الفيدرالي» 29 مليار دولار لإدارة بيع «بير ستيرنز» في مارس (آذار) 2008 إلى «جي بي مورغان تشيز». وفي أغسطس (آب) التالي، تم الاستحواذ على عملاقي الرهون العقارية «فاني ماي» و«فريدي ماك». وبعد ذلك، في سبتمبر (أيلول) وبعد بحث يائس عن مشتر، تركت الخزانة و«الاحتياطي الفيدرالي»، «ليمان براذرز» يفلس.

وساعد «الاحتياطي الفيدرالي» على التوسط في بيع «ميريل لينتش» إلى «بنك أوف أميركا»، وحصل على 85 مليار دولار في عملية إنقاذ مثيرة للجدل لعملاق التأمين «إيه آي جي»، ودعم طلب بولسون من الكونغرس تقديم مساعدات إنقاذ قيمتها 700 مليار دولار.

وبعد هذا الاندفاع الأولي التجريبي والمتهور من أجل تقديم مساعدات كبيرة داخل النظام المالي بدا أن «الاحتياطي الفيدرالي» يوطد أركانه، وقام بتقليل معدلات الفائدة بدرجة كبيرة، وعبّأ مجموعة من برامج الإقراض. وقضى العام الماضي يستحوذ على سندات رهن عقاري وأوراق مالية خاصة بوزارة الخزانة وديون تملكها «فاني» و«فريدي»، مع إجراء «اختبارات ضغوط» على المؤسسات المالية الأكبر في البلاد.

ويقول أصدقاء ومعارف إن الجهد والإبداع اللازم للتعامل مع الأزمة كان له أثر بالغ على برنانكي. ويقول آلان ريتشتكساف، وهو محام وخبير مشتقات يرى برنانكي بصورة دورية «يمكن أن ترى أثر ذلك الكبير عليه، فقد فهم خطورة ما كان يحدث، ويمكن أن ترى ذلك في وجهه». وكان دوغلاس لي، وهو متخصص في التوقعات الاقتصادية، يخشى من أن ينهار رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في ذروة الأزمة، ويقول «كان يبدو وكأنه متعب، ولا يبدو بهذه الصورة في الوقت الحالي». ويقول موريس أوستفيلد، وهو عالم اقتصاد من جامعة كاليفورنيا ببيركلي وصديق لبرنانكي «لا أعرف كيف عبر المحنة التي كان عليه اجتيازها». ويقول برنانكي، الذي اعتاد العمل كل أيام الأسبوع، لكن خلال وصفه لعمله بدا أنه يعمل بدافع الواجب أكثر منه بدافع المتعة «تمكنني خبرتي وتدريبي من خدمة الناس، وأعتقد أن علي مسؤولية تقديم هذه الخدمة، ولا أقوم بذلك من أجل تحقيق متعة شخصية».

«العالم لديه ما يقدمه أكثر من المال» - بن برنانكي 9 يونيو (حزيران) 2006.

كانت أول صحيفة تنقل عن بن برنانكي هي صحيفة «تشارلوت أوبزيرفر» عام 1958، وكان يتساءل «جدتي، لم لا تعلّمي أمي كيف يمكن عمل الكعك المحشو بالمربى؟»، وكان في الرابعة من عمره حينئذ.

وكان أجداده مهاجرين يهودا من شرق أوروبا ساروا في طريق غير معتاد إلى كارولينا الشمالية والجنوبية. وهاجر جداه لأبيه، جوناز وبولين، من المنطقة التي يطلق عليها بولندا حاليا. وكانا يمتلكان متجرا متواضعا لبيع الأدوية في مانهاتن. وولد ابنهما فيليب، والد برنانكي، في واشنطن هيتس. وانتقلت العائلة في 1941 إلى ديلون في كارولينا الجنوبية، حيث افتتحوا متجر «جاي بي» للأدوية، وأداره فيليب وأخوه بعد ذلك. وهاجر جدا برنانكي لأمه، هارولد ومارسيا فريدمان، من ليتوانيا، وانتهى بهما المطاف في تشارلوت بكارولينا الشمالية، حيث تربت والدة برنانكي، إدنا. وعملت مارسيا، التي تصنع الكعك المحشو بالمربى، في مصنع أحذية. وبعد أن ماتت، عندما كان بن يبلغ من العمر 13 عاما، انتقل هارولد مع عائلة برنانكي.

وقابل فيليب إدنا خلال الدراسة داخل جامعة كارولينا الشمالية، وكان بن الابن الأكبر بين أطفال ثلاثة. وكان يمكنه الجمع والطرح عندما كان يتعلم المشي. واستخدم اللغة العبرية التي تعلمها من جده وساعد في أداء الصلوات داخل كنيس يهودي صغير في ديلون. وفي الحادية عشرة من عمره كان بطلا في مسابقة إملاء، لكنه تعثر في جولة بعد أن أخطأ في كلمة «إديلويس».

وفي مدرسة ديلون العليا كان يعزف على الساكسفون، وحصل في امتحان القبول بالجامعة (سات) على 1590 درجة، وفاز بمنحة دراسية قيمتها 500 دولار وبجولة في أوروبا. وكان يعمل في وظائف خلال فترة الصيف، منها العمل في تشييد مستشفيات داخل «ساوث أوف ذي بوردر» على الطريق السريع بالساحل الشرقي للولايات المتحدة. وكان يترك شعر رأسه الأسود طويلا.

ولم يندمج في دارسته بالمدرسة العليا حتى الصف الأخير، لكن كان لديه أصدقاء سود، من بينهم كينيث مانينغ، وهو أكبر منه بستة أعوام، وكان في هارفارد، وحث برنانكي على التقدم للالتحاق بها. وكان التجنيد الإجباري بسبب حرب فيتنام لا يزال قائما عندما وصل برنانكي إلى هارفارد، لكن لم يتم استدعاؤه مطلقا.

وكان قد خطط لدراسة الرياضيات، لكن جذبته الفيزياء والإنجليزية قبل أن يستقر على علم الاقتصاد.

عام 1978، تزوج برنانكي آنا فريدمان وكان الزواج تقليديا. تخرجت فريدمان في جامعة «ويليسلي» وولدت في روما، وهي ابنة للاجئين يهوديين قدما من كرواتيا، وترعرعت في دنفر.

وتناولت أطروحة رسالة الدكتوراه التي قدمها برنانكي عام 1979 تفسيره السبب وراء تعمد الشركات إرجاء قرار الاستثمار خلال الفترات التي تسودها شكوك وتنعدم الثقة. ورفض برنانكي عرض وظيفة من «هارفارد» للعمل في كلية ستانفورد للتجارة (وقد نالت زوجته، التي تدرس اللغة الإسبانية، درجة الماجستير في الإسبانية من ستانفورد، وأسست مؤخرا مدرسة تعنى بالمراهقين الذين يعانون ظروفا عصيبة).

في كتاباته، شرح برنانكي كيف أن المشكلات التي منيت بها سوق الاعتمادات - خاصة انهيار المصارف وانكماش الدين - تسببت في تفاقم حدة وأمد «حقبة الكساد»، وأشار إلى «المسرع المالي»، وهي فكرة تدور حول أن الظروف في الأسواق المالية تعزز التطورات التي يشهدها الاقتصاد الفعلي.

عام 1985، غادر برنانكي ستانفورد متجها إلى برنستون. والتحق نجلاه - جويل الذي ولد عام 1982 وأليسا المولودة عام 1986 - بمدارس عامة. كما أنه شارك على مدار ست سنوات في مجلس إدارة المدرسة القائمة في منطقة مونتغمري بنيوجيرسي.

إلا أن نجاح برنانكي لم يكن نتاجا لروحه القيادية فحسب. عام 1996، أصبح برنانكي رئيسا لقسم علم الاقتصاد في برنستون، حيث ساعد في تعزيز البرنامج المالي.

في 22 مايو 2009، قال برنانكي: «لأنني أقدر دور الفرص والمصادفة في حياة الإنسان، أحاول التحلي بالواقعية في تقييمي لقدراتي. وأعلم أن هناك الكثير أجهله».

عام 2002، استفسر آر غلين هبارد، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس بوش، حول ما إذا كان برنانكي سيقبل تولي رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي». وعن هذا الموقف، قال هبارد «شعرت ببعض الدهشة عندما علمت برغبة بن في تولي المنصب. لقد اتصلت به متوقعا أن يجيبني برفض قاطع».

من ناحية أخرى، كانت عضوية برنانكي بالحزب الجمهوري بمثابة مفاجأة حتى لأقرانه منذ أمد بعيد. والملاحظ أن برنانكي، الذي يتميز بهدوء حديثه، يتبع توجهات ليبرالية اجتماعيا ومحافظة اقتصاديا.

بعد حالة الركود التي مني بها عام 2001، تعافى الاقتصاد ببطء، وساند برنانكي وزملاؤه غرينسبان مع شروع «الاحتياطي الفيدرالي» في زيادة معدلات الفائدة عام 2004، مع استمرار الإبقاء عليها عند مستويات قياسية منخفضة. وأشار نقاد إلى أن قروضا يسيرة تولدت عن معدلات فائدة منخفضة على نحو اصطناعي ساعدت في تفاقم الفقاعة العقارية، وهو اتهام نفاه غرينسبان وبرنانكي.

عام 2005، حث البيت الأبيض غرينسبان على تولي قيادة مجلس الاستشاريين الاقتصاديين. بحلول تلك الفترة، كان برنانكي وزوجته قد اشتريا منزلا في كابيتول هيل، دون أن يحددا خطوتهما التالية.

بعد سبعة شهور، وقع عليه اختيار بوش لرئاسة «الاحتياطي الفيدرالي». ولم يكن برنانكي قد عمل من قبل قط في الأسواق، ولم يكن نشطا سياسيا ولا من المقربين من بوش، لكن جرى النظر إليه باعتباره اختيارا آمنا. في 31 يناير 2006، صدق مجلس الشيوخ على تعيينه، وهو يوم تقاعد غرينسبان.

من جهته، قال برنانكي «لم يدر بخلدي قط أنني سأتولى هذا المنصب ذات يوم»، مضيفا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أثارت اهتمامه بالعمل العام.

وقد تحسر ذات مرة قائلا إن توليه رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» حرمه من ارتداء القمصان المميزة لهاواي وبنطلونات واسعة قصيرة أثناء توجهه للعمل.

في يناير الماضي، مع تنديد أعضاء في مجلس الشيوخ ببرنانكي قبل التصويت على تقليده رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» لفترة ثانية، لم يعلق من جانبه على الانتقادات عبر المحطات التلفزيونية أو من خلال شبكة الإنترنت. ولم يعلم نتيجة التصويت إلا بعدما قاطع اثنان من مساعديه اجتماعا له كي يخبراه بالنتيجة.

ومن الأقوال المأثورة لبرنانكي عبارة صرح بها في 8 مايو 2010، قال فيها «عليك الاحتفاظ بـ(دفتر يومي للعرفان) تسجل به تجاربك والظروف التي حظيت بها وتشعر تجاهها بالعرفان».

والتساؤل الذي ربما يفرض نفسه «هل سينظر الخبراء الاقتصاديون في المستقبل على نحو أكثر إيجابية لبرنانكي عن بعض الخبراء الحاليين؟».

يذكر أن جون بي تايلور، خبير السياسات النقدية، اتهم برنانكي بالتعامل على نحو أخرق مع معدلات الفائدة وتنفيذ عمليات إنقاذ مالي لجهات محددة. وأشار آلان إتش ملتزر، المؤرخ البارز المعني بشؤون «الاحتياطي الفيدرالي»، إلى أن هذه المؤسسة «تراجعت مكانتها إلى مجرد إحدى أذرع وزارة الخزانة». أما آنا شوارتز، التي تأثر برنانكي كثيرا بكتاباتها في شبابه، فدعت أوباما لاستبدال آخر به.

وقال ريتشارد إيه بوسنر، القاضي وأحد الخبراء البارزين بقضايا القانون والاقتصاد، في كتاب جديد، إن «برنانكي كان وقحا في رفضه نسب أي نصيب من المسؤولية عن الأزمة إلى سوء الإدارة السياسية النقدية».

من ناحيته، دافع برنانكي عن القرارات المرتبطة بالسياسات النقدية لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) أمام الاتحاد الاقتصادي الأميركي. إلا أنه على الصعيد غير المعلن، يبدو متحيرا ومصدوما من الهجمات التي يتعرض لها. ولا ينكر أصدقاؤه هذا الأمر.

على سبيل المثال، قال بولو «عندما تقضي حياتك المهنية كلها بين أشخاص يبدون انبهارهم بكل ما تفعله، فإن اضطرارك لتقبل ظهور أشخاص على شاشات التلفزيون وإعلانهم أنك أبله ليس بالأمر الهين».

ويرى آخرون أنه بغض النظر عما يظنه النقاد حيال مناورات «الاحتياطي الفيدرالي» المتنوعة خلال السنوات القليلة الماضية، فإنهم يعتقدون أن برنانكي أسهم في تجنب أزمة أخرى أفدح بكثير كان يمكن أن تقع لو أنه اكتفى بالجلوس من دون أن يحرك ساكنا.

في هذا السياق، قال مارك غيرتلر، عالم الاقتصاد بجامعة نيويورك وأحد أصدقاء برنانكي المقربين «إن الناس عاجزون عن تفهم إلى أي مدى كان الاقتصاد على وشك الانهيار. ورغم أنه بإمكاننا انتقاد (الاحتياطي الفيدرالي) لعجزه عن التكهن بوقوع هذه الأزمة، فإن أسلوب استجابته بعد حدوث الأزمة كان مذهلا. بأمانة لا أعتقد أن هناك من كان بمقدوره التعامل مع الأزمة بالحنكة نفسها التي تعامل بها برنانكي».

ومن بين الألقاب التي يطلقها المقربون منه عليه «بن شالوم»، أي «ابن السلام» بالعبرية. ويؤكد معارفه أن اللقب ملائم تماما له.

مثلا، قال دونالد إل كوهن، أحد أقرب أنصار برنانكي ونائب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»: «لقد تحلى بهدوء غير عادي طوال الأزمة - أو على الأقل أبدى ذلك ظاهريا».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أثناء دراساته العليا كان يعزف على الساكسفون.. وكان يعمل في وظائف خلال فترة الصيف منها العمل في تشييد مستشفيات على الطريق السريع بالساحل الشرقي للولايات المتحدة.. ولم يندمج في دارسته بالمدرسة العليا حتى الصف الأخير.. وكان التجنيد الإجباري بسبب حرب فيتنام لا يزال قائما عندما وصل برنانكي إلى هارفارد لكن لم يتم استدعاؤه مطلقا.

* خطط لدراسة الرياضيات لكن جذبته الفيزياء والإنجليزية قبل أن يستقر على علم الاقتصاد.. وقد تناولت أطروحة رسالة الدكتوراه التي قدمها عام 1979 تفسيره السبب وراء تعمد الشركات إرجاء قرار الاستثمار خلال الفترات التي تسودها شكوك وتنعدم الثقة.

* كانت عضوية برنانكي بالحزب الجمهوري بمثابة مفاجأة حتى لأقرانه منذ أمد بعيد.. عندما اختاره بوش لرئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» عام 2005 لم يكن برنانكي قد عمل من قبل قط في الأسواق ولم يكن نشطا سياسيا ولا من المقربين من بوش لكن جرى النظر إليه باعتباره اختيارا آمنا.. وفي 31 يناير (كانون الثاني) 2006 صدق مجلس الشيوخ على تعيينه وهو يوم تقاعد سلفه غرينسبان.

* لم يدر بخلده قط أنه سيتولى هذا المنصب ذات يوم.. وقد تحسر ذات مرة قائلا إن توليه رئاسة «الاحتياطي الفيدرالي» حرمه من ارتداء القمصان المميزة لهاواي وبنطلونات واسعة قصيرة أثناء توجهه للعمل.. ولم يكن دور محارب الأزمات هو الدور الرئيسي الذي توقعه عندما وافق لأول مرة على تولي منصب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في 2006.. ويقول أصدقاء إن جهد التعامل مع الأزمة كان له أثر بالغ على برنانكي وكان بعضهم يخشى من أن ينهار في ذروة الأزمة.

* يرى البعض أن فشله في توقع طبيعة الأزمة المالية ومدى خطورتها ودوره في مساعدة غرينسبان على إبقاء معدلات الفائدة في مستوى ربما يقوي من المضاربة داخل قطاع الإسكان يمثلان هفوتين لا تغتفران.. ويقول آخرون إنه لم يكن هناك شخص أكثر استعدادا بمجرد بدء الأزمة للرد بقوة وحزم من أجل منع وقوع دمار اقتصادي شامل.