تبنّ كتابا أثريا وتحمل نفقات العناية به وترميمه

في مشروع للمكتبة البريطانية يسمح للجمهور برعاية الكتب المفضلة لهم ولعائلاتهم

أطلقت المكتبة البريطانية في لندن مشروعا يسمح للجمهور بلعب دور في الحفاظ على كتبهم المفضلة عبر مبادرة «تبنّ كتابا» (إ.ب.أ)
TT

قد يحمل المرء ذكريات في داخله ترتبط بأول مرة قرأ فيها قصة أو رواية أو مقطعا في كتاب رحلات رافقه خلال سنوات عمره وترك آثارا خاصة في ذاكرته، وعبر السنين لا يفقد ذلك الكتاب بريقه ورونقه. فمن قرأ رواية «أوليفر تويست» لتشارلز ديكنز على سبيل المثال لا ينسى مشاهد الطفل أوليفر في ملجأ الأيتام، أو مشاهده وهو ضحية عصابة السرقة، ومن قرأ «رحلات غليفر» لجوناثان سويفت يحمل صورا في ذاكرته حول بلاد العمالقة التي زارها غليفر.

ولمثل هؤلاء الأشخاص يبدو مشروع تقدمه المكتبة البريطانية بمثابة الفرصة لاستكمال رحلة الذكريات مع الكتب المفضلة، فالمكتبة الشهيرة تقدم للقراء في كل مكان فرصة للمشاركة في صيانة الكتب القديمة التي تضمها والعناية بها عبر مشروع «تبنّ كتابا».

المشروع الذي يوحي بإقامة صلة لا تنفصم بين القارئ وكتابه المفضل هو محاولة لدعم قسم الصيانة والترميم لديها تمكنها من الحفاظ على كنوزها من الكتب والمخطوطات، وأيضا لضمان تفاعل الجمهور معها. فعبر «تبنّ كتابا» تقدم المكتبة الفرصة لمن يريد أن يختار كتابا ما من بين آلاف العناوين ويعلن عن رغبته في «تبنيه» ورعايته عبر تقديم مبلغ من المال يستخدم في عمليات الترميم والصيانة.

ومن خلال قائمة تضم كتب الأطفال والأدب والرحلات والعلوم والجغرافيا والقانون وغيرها يمكن للمهتم المرور على عناوين الكتب التي تحتاج للرعاية واختيار الكتاب الذي يريد أن يحمله اسمه بوصفه راعيه وحاميه.

وحسب المسؤولين في المكتبة البريطانية فإن نحو مليوني كتاب من مجموعة المكتبة التي تضم 150 مليون عنوان تحتاج إلى الترميم والصيانة. وعلى الرغم من أن المكتبة تضم أضخم عدد من المختصين في ترميم الكتب والمخطوطات في العالم، فإن المصادر داخل المنشأة العريقة تقدر أن الموارد المالية محدودة بشكل كبير، وهو ما يعني أن فريق المختصين يتعين عليه العمل لـ100 عام قادمة للوفاء بمتطلبات الصيانة والترميم الحالية.

ولعل ذلك ما يمنح مشروع «تبنّ كتابا» أهمية كبرى، فعبر التبرعات التي يقدمها الأفراد لتبني بعض الكتب القيمة يمكن لقسم الترميم في المكتبة من مواصلة عمله بشكل أكثر فعالية.

لكن كيف تتم عملية «تبني الكتب»؟ تقول كلوي تيتكومب، من القسم الإعلامي للمكتبة، إنه يمكن للمهتم مراجعة قوائم الكتب المتوافرة على موقع المكتبة الإلكتروني الذي يقدم المعلومات حول الكتاب وسنة نشره وبعض المعلومات الإضافية عنه. وإذا ما أراد الشخص تبني الكتاب فإن عليه الاختيار بين دفع مبلغ بسيط يبدأ من 15 جنيها إسترلينيا والحصول على قسيمة تؤكد أنه قام بدعم الكتاب المذكور، أو يمكن لبعض الأشخاص الاختيار بين مبالغ متفاوتة لشراء قسائم «التبني». وفي حال قام الشخص بدفع مبلغ 150 جنيها إسترلينيا فيتم وضع اسمه بشكل بارز على الكتاب المتبنى، وكلما زاد المبلغ زادت المزايا التي يحصل عليها المتبني.

ويعمد بعض الأشخاص إلى شراء قسائم التبني لتقديمها كهدايا، وآخرون يشترونها لتخليد ذكرى شخص متوفى وبالتالي يوضع اسمه على كتاب كان يفضله أثناء حياته.. وهنا تستكمل تيتكومب حديثها قائلة «يختار الجمهور الكتب التي تعني لهم ولعائلاتهم شيئا خاصا».

وبالنسبة للقسائم التي تصل إلى 250 جنيها إسترلينيا تقوم المكتبة بتنظيم جولات للمتبرعين في أروقتها، وتمكن بعض تلك الجولات المتبرعين من الدخول إلى الأروقة الخلفية من المكتبة حيث تتم عمليات ترميم الكتب، ويمكنهم رؤية «الكتاب الذي تبنوه» وفريق العمل الذي يقوم بترميمه. ويشير المسؤولون عن القسم إلى أن العادة جرت في المكتبة على أن يمنح الأشخاص الذين قاموا بتبني كتب بقسائم قدرها 15 جنيها إسترلينيا حق الحضور إلى المكتبة في يوم محدد تنظم له فيه المكتبة احتفالية صغيرة يتم فيها عرض الكتب المتبناة، ويحضر المناسبة الخبراء والمختصون الذين يقومون بترميم تلك الكتب. لكن المكتبة واجهت ازديادا في عدد المهتمين بالمشروع مما دعا المسؤولين إلى إلغاء الاحتفالية واقتصار ذلك على المتبرعين بمبلغ 250 جنيها أو أكثر.

وتشير تيتكومب في رد على سؤال حول قوائم الكتب المعروضة للتبني والعدد النهائي لها «عددها يتغير كل أسبوع، فنحن نحرص على إضافة أسماء جديدة دائما، وهناك القوائم السنوية التي تحمل عناوين مرتبطة بمناسبات معينة مثل أعياد الميلاد أو عيد الأم، وهذه تلقى رواجا خاصا إذ يهتم الناس في هذه المناسبات بإهداء أصدقائهم ومحبيهم هدايا فريدة وقيمة».

ولعملية التبني شروطها الواضحة، فتشير تيتكومب إلى أن المكتبة تقوم بتحديد الكتب التي بحاجة للترميم وعرضها للتبني، ويمكن للبعض اختيار كتب من خارج القائمة على شرط أن تكون تلك الكتب من مقتنيات المكتبة البريطانية، ويخضع ذلك أيضا إلى شراء قسائم معينة بسعر مرتفع نسبيا.

وإلى جانب الكتب تشير تيتكومب إلى أن المشروع اتسع ليقدم فرصة لمحبي الخرائط لتبني خريطة أو مخطوطة قديمة من مقتنيات المكتبة.

وبدأ مشروع «تبنّ كتابا» في عام 1987، واستوحى القائمون على المكتبة فكرته من شخص قام بالتبرع لقسم الترميم في المكتبة بـ200 جنيه إسترليني بعد أن قرأ مقالا في إحدى الصحف يسرد المصاعب التي تعانيها المكتبة من أجل ترميم أمهات الكتب والمراجع.

وتضم القائمة المعروضة حاليا للتبني عناوين لطبعات أولى من كتاب «أوليفر تويست» (1843) لتشارلز ديكنز، و«رحلات غليفر» من عام 1800 لجوناثان سويفت، و«أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، ونسخة من رواية «العقل والعاطفة» للكاتبة جين أوستن تعود إلى عام 1903، ومسرحية «حلم ليلة صيف لشكسبير» من عام 1901، وغيرها من الكتب. كما تضم القائمة أيضا بعض كتب الطبخ من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتضم أيضا كتب رحلات وكتبا في التاريخ والفن.