مؤتمر نزع الأسلحة النووية: الاتفاق على شرق أوسط خال منها.. وسط تنديد إسرائيلي

واشنطن تتحفظ على ذكر اسم إسرائيل.. وتل أبيب تصف القرار بـ«المتلون».. وطهران تشيد به

جنود إسرائيليون في حالة تأهب أثناء مواجهات مع فلسطينيين قرب نابلس أمس. وأعلنت تل أبيب أمس رفض قرار يقضي بتفتيش منشآتها النووية (أ.ف.ب)
TT

في حين توصل مؤتمر متابعة معاهدة حظر الانتشار النووي إلى اتفاق هو الأول منذ عشر سنوات، يتناول بصورة خاصة نزع السلاح وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، هاجمت مصادر إسرائيلية رسمية القرار الذي طالب إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفتح منشآتها أمام الرقابة الدولية. واعتبر مصدر إسرائيلي أن هذا القرار، الذي حظي بإجماع 189 دولة موقعة على تلك المعاهدة، «قرار متلون».

وأقر المؤتمر في نيويورك أول من أمس بالإجماع بيانا ختاميا من 28 صفحة يتضمن أربع خطط عمل بشأن كل من المحاور الرئيسية الثلاثة في معاهدة الحد من الانتشار النووي؛ وهي: نزع الأسلحة، ومراقبة البرامج النووية الوطنية للتحقق من أهدافها السلمية، والاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وبشأن إقامة شرق أوسط خال من السلاح النووي.

وحول هذه النقطة الأخيرة، تنص الوثيقة على تنظيم مؤتمر دولي عام 2012 «يفترض أن تشارك فيه جميع دول المنطقة وأن يفضي إلى قيام» منطقة منزوعة السلاح النووي وينبغي أن تشمل إسرائيل وإيران. وبحسب الوثيقة فإنه «من المهم أن تنضم إسرائيل إلى المعاهدة وتضع كل منشآتها النووية تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية».

ولا تذكر الوثيقة إيران تحديدا على الرغم من مخالفتها قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بتعليق نشاطاتها النووية الحساسة وبإثبات الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي.

وقالت المندوبة الأميركية مساعدة وزيرة الخارجية المكلفة مراقبة الأسلحة والأمن الدولي إيلن تاوشر إن الولايات المتحدة تتعهد بالعمل لضمان نجاح مثل هذا المؤتمر، مؤكدة: «سنعمل مع دول المنطقة على خلق الظروف لعقد مؤتمر يكلل بالنجاح»، لكنها استدركت: «إلا أننا نلفت إلى أن إشارة البيان الختامي إلى إسرائيل في قسمه المخصص للشرق الأوسط يحد بشكل كبير من قدرتنا على تحقيق ذلك، وهو أمر تأسف له الولايات المتحدة كثيرا».

كذلك أثنى الرئيس الأميركي باراك أوباما في بيان على الاتفاق «المتوازن والعملي» مبديا في الوقت نفسه معارضته «الشديدة» لذكر إسرائيل تحديدا في البيان الختامي.

ولاقى البيان الختامي ترحيبا دوليا، فقد رحبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون «بحماسة» بالاتفاق، وقالت في بيان إن «الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ينوون البدء سريعا في تطبيق إجراءات العمل لجهة ركائز المعاهدة الثلاث»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

ورحبت فرنسا هي الأخرى أمس بالاتفاق، لكنها قالت إنها كانت تأمل في نصوص «حازمة أكثر» لجهة الأزمة الإيرانية. كما أثنى السفير المصري لدى الأمم المتحدة ماجد عبد الفتاح على المؤتمر، مشيرا إلى انه «أطلق آلية عملية لتطبيق قرار عام 1995 حول الشرق الأوسط» حين دعا مؤتمر مراجعة معاهدة الحد من الانتشار النووي الذي يعقد كل خمس سنوات، للمرة الأولى إلى نزع السلاح النووي في هذه المنطقة. من جانبه، رحب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بالبيان الختامي. وقال في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن المفاوضات التي قادت إلى تلك النتائج «جسدت وللمرة الأولى منذ عشر سنوات قدرة المجتمع الدولي على اللقاء والاتفاق على ما يلزم من جهود جماعية. وأصبح لدينا الآن وللمرة الأولى، خطة عمل واضحة لتعزيز قوة المعاهدة».

كما أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيان بـ«نجاح» المؤتمر منوها «بشكل خاص بالاتفاق على آلية تقود إلى التطبيق الكامل لقرار عام 1995 حول إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط».

وقادت مصر وإيران الجهود المبذولة لحض إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي، مما يعني أن تتخلى الدولة العبرية عن ترسانتها النووية، وأن توافق على قيام منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط.

غير أن إسرائيل التي تعد القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، حملت بعنف على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر المتابعة.

وكانت إسرائيل قد فضلت الصمت في هذه المرحلة، لكن مصدرا سياسيا رفيعا في الحكومة الإسرائيلية، هاجم القرار بحدة، أمس، وتساءل: «كيف يمكن أن نفهم صدور قرار كهذا، لا يذكر سوى إسرائيل. فهناك دول أخرى لم توقع على المعاهدة وتعلن أن لديها أسلحة نووية مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية، فلماذا لا يذكرونها؟»، وزاد: «بل هنالك إيران، التي تضرب بكل القوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط وتخدع المؤسسات الدولية كلها وتسعى لتطوير السلاح النووي وهي تهدد بإزالة إسرائيل من الوجود، وقد تجاهلها القرار المذكور واكتفى بذكر إسرائيل، فالهجوم على دولة اليهود مسموح. إنها قمة العنصرية والتلون». ورفض المصدر التطرق إلى الموقف الأميركي من هذا القرار.

وكان الإسرائيليون يتوقعون أن تمارس الولايات المتحدة نفوذها لتغيير القرار وعدم السماح بتمريره وبعد ذلك انتقاده. وكان أحد مرافقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في رحلته إلى فرنسا وكندا والولايات المتحدة، قد توقع أن يتخذ أوباما موقفا حازما من مسودة قرار المؤتمر. فالولايات المتحدة كانت شريكة في صياغة القرارات. وأشارت المصادر الإسرائيلية، إلى أنه على الرغم من تحفظ الأميركيين على ذكر إسرائيل فقط في البيان، فإنهم رجحوا أن «هناك موقفا جديدا يؤكد أن إدارة أوباما جادة في تطهير الشرق الأوسط من السلاح النووي وتريد أن تفتح إسرائيل مفاعلها أمام الرقابة الدولية»، وأن «كل الكلمات الجميلة الصادرة عن أوباما وطاقمه، لن تستطيع إخفاء هذه الحقيقة».

في حين قال مسؤول إسرائيلي آخر إن «عدم الإشارة إلى إيران يشكل صدمة، خاصة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشفت في الأشهر الأخيرة معلومات إضافية عن الطبيعة العسكرية لمشروعات إيران النووية».

وجاء ذلك وسط شكوك أميركية في فرص انعقاد مؤتمر لنزع الأسلحة النووية في الشرق الأوسط عام 2012. فقد قال غاري سامور مستشار البيت الأبيض لشؤون منع الانتشار النووي: «لست أدري إن كان المؤتمر سيعقد يوما». وقال إن الولايات المتحدة لا تريد لمثل هذا المؤتمر أن يفشل، لكنها لن تساهم في رعايته كما وعدت، إلا «إذا كانت الظروف ملائمة لانعقاده».

وأضاف المسؤول الأميركي أن نائب الرئيس جو بايدن ومستشار الأمن القومي الجنرال جيم جونز قالا للسفراء العرب في واشنطن إنهم إن أصروا على ذكر إسرائيل في البيان الختامي لمؤتمر المتابعة، فإن ذلك «سيجعل من الصعب جدا على إسرائيل المشاركة في هذا المؤتمر» حول الشرق الأوسط.

إلى ذلك، أشادت إيران بنتائج المؤتمر، وأعلن علي أصغر سلطانية ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترحيبه بالموقف من إسرائيل. وقال سلطانية لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا): «هذه خطوة إلى الأمام في اتجاه إقامة عالم خال من الأسلحة النووية». وعن التحفظات الأميركية بشأن مطالبة إسرائيل بذلك، قال سلطانية: «إنها رمزية». وأضاف أن «الولايات المتحدة مجبرة على مواكبة مطالبة المجتمع الدولي إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي وفتح منشآتها النووية لعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية».