المغرب: «التقدم والاشتراكية» يدعو لإصلاحات سياسية ودستورية تجعل الملك حكما

شيوعيون من لبنان وسورية والعراق حضروا افتتاح المؤتمر الثامن وغاب الشيوعيون السودانيون

المنصة الرئيسية لمؤتمر حزب التقدم والاشتراكية (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

في آخر ظهور له بصفته أمينا عاما لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة المغربية، دعا إسماعيل العلوي في خطاب ألقاه في بوزنيقة (جنوب الرباط) في افتتاح المؤتمر الثامن أول من أمس، إلى إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، ، يمارس فيها الملك سلطاته رئيسا للدولة ودور الحكم بين الجميع ويضمن التنافس السياسي الشريف والمتكافئ بين القوى السياسية، ويكون مؤتمنا في الوقت نفسه على سير المؤسسات الدستورية في اتجاه أكثر حداثة وديمقراطية. وشدد على أن المؤسسة الملكية خلال هذا التوافق يجب أن تبقى في مكانتها المتميزة «حيث لا مجال لوضعها في ميزان أو حشرها في معادلة» على حد تعبيره. وانتقد العلوي المشهد السياسي الداخلي الذي أفرزته مراحل انتخابية طويلة تمخضت عنها «معارضة غريبة الأطوار وأغلبية غير حريصة على الالتزام»، مشيرا إلى أن المغرب يعيش حياة سياسية غير سليمة. وقال إن المناخ العام الذي جرت فيه المراحل الانتخابية في العام الماضي، وتشكيل الحكومة تمت بطريقة «تبخس دور ومكانة الأحزاب السياسية». وأضاف يقول إن الانتخابات «لم تعد معركة سياسية يسودها التنافس الشريف المتكافئ وتبادل الأفكار والبرامج، بل أصبحت سوقا لشراء الأصوات والمضاربة من أجل النفوذ المصلحي، مما رسخ ارتساما سمته الأساسية عودة الفساد والمفسدين بقوة وهيمنتهم على العمليات الانتخابية». كما انتقد العلوي استمرار ظاهرة تنقل البرلمانيين بين الأحزاب، «وظهور تحالفات غير طبيعية بينها، وإفراز مشهد حزبي مشوه، واتساع ظاهرة العزوف عن العمل السياسي وتقلص المشاركة في العملية الانتخابية». ودعا في هذا الجانب إلى ضرورة مراجعة قانون الانتخابات في اتجاه تطوير نمط الاقتراع الحالي، ومراجعة قانون الأحزاب لوقف ظاهرة تنقل النواب «التي استفاد منها محترفو وتجار الانتخابات» على حد تعبيره.

وقال العلوي إن الحديث عن التعاقد السياسي الجديد الذي سماه «الحل الوسط التاريخي» يجب عدم التعامل معه تعاملا سطحيا كما لو أن الأمر يتعلق باجتماع أطراف ومؤسسات لتوقيع اتفاق ما بعد التفاوض عليه، وقال إنه مقاربة لها أبعادها الفلسفية والسياسية، تعني توافق أهم مكونات الأمة على الاختيارات الكبرى والثوابت الأساسية للعملية السياسية. ودعا العلوي إلى تعديل دستوري يتم في تناغم بين المؤسسة الملكية والفاعلين السياسيين، ويهدف إلى ضبط اختصاصات كل من المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان وضمان استقلالية المجلس الأعلى للقضاء والهيئة القضائية، وأن ينص في الدستور على اللغة الأمازيغية، ويسمو القانون الدولي على القوانين المحلية، وتعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان والمساواة، وإدراج الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب حلا لمشكلة الصحراء في الدستور، واعتماد الجهوية الموسعة (اللامركزية) أسلوبا جديدا لتسيير الشأن المحلي تستفيد منه كل جهات المغرب. واقترح العلوي إصلاحا سياسيا يوسع ويحصن الحريات العامة الجماعية والفردية مع صيانة حرمة الأشخاص وكرامتهم والإقرار بحقهم في اختيار قناعاتهم الفكرية والسياسية من دون إكراه، وتطوير مفهوم حقوق الإنسان ليشمل الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحق النساء في المساواة وضمان حقوق الطفل وذوي الاحتياجات العامة، إلى جانب تقوية الاقتصاد الوطني ونموه وتوفير شروط تطوره، بالإضافة إلى تحقيق توازنات اجتماعية وتقليص الفوارق الاجتماعية وضمان حق الشغل والتعليم والثقافة والصحة لكل المواطنين وتكوير القدرة الشرائية لهم، عبر بلورة ميثاق اجتماعي واقتصادي بحضور جميع الأطراف المعنية، والإقرار بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي وتعميق التشبع بثقافاتهم وهويتهم وذلك بالانفتاح الشامل على ثقافة العقل وبناء مجتمع العلم والمعرفة. وقال العلوي إن التحالف الطبيعي لحزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) سيكون مع الكتلة الديمقراطية (تحالف يضم الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية) وباقي فصائل اليسار، مع الانفتاح على «كل الديمقراطيين»، منبها في الوقت نفسه إلى أن المغرب يجتاز منعطفا حاسما ومحفوفا بالمخاطر.

كما شدد العلوي على تشكيل تكتل يساري يضم كل الفصائل اليسارية الراغبة في بناء مغرب الديمقراطية والحداثة والعدالة والاجتماعية، مشيرا إلى أن العمل على تطوير التحالف الحداثي التقدمي القائم مع «جبهة القوى الديمقراطية» و«الحزب العمالي» يعد خطوة في طريق توحيد فصائل اليسار.

وتطرق العلوي إلى ما اعتبرها التطورات الإيجابية التي عرفتها قضية الصحراء، عبر تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي كحل سياسي والاتجاه نحو إرساء جهوية موسعة تشمل جميع أقاليم البلاد. ودعا في هذا السياق إلى «مصالحة مغاربية، تمكن من تحقيق حلم طالما راود شعوب المنطقة وتحقيق مغرب كبير وموحد من نهر السنغال إلى الحدود المصرية»، على حد قوله. وعبر العلوي عن اعتقاده بأن المغرب بفضل اقتراح الحكم الذاتي، استطاع استرجاع زمام المبادرة في الساحة الدولية حيث لقي مقترحه تجاوبا واسعا من طرف المجتمع الدولي «الذي اعتبره مقترحا جادا ومنطقيا وذا مصداقية ويمثل أساسا جيدا لمفاوضات من أجل التسوية نهائيا للنزاع المفتعل حول الصحراء». واعتبر العلوي أن قضية الصحراء قضية مقدسة لجميع المغاربة وأن خيانتها مرفوضة جملة وتفصيلا، وأن الخيانة لا علاقة لها بحرية التعبير المكفولة دستوريا والمضمونة بالقوانين الجاري بها العمل، معتبرا إياها جزءا لا يتجزأ وتطبق على كل المواطنين وتسري في جميع الأقاليم من دون استثناء، ودعا السلطات المغربية إلى الحوار مع إسبانيا حول سبتة ومليلية لإنهاء الاحتلال يأخذ بعين الاعتبار العلاقات المتميزة التي يجب أن تظل قائمة بين المغرب وإسبانيا.

وحول موضوع الإرهاب، قال العلوي إن الدولة تمكنت من التغلب على خطره، مشيرا إلى أن حدته خفت لكن تهديداته ما زالت قائمة وتفرض التصدي لها. وتحدث عن «تنامي نوع جديد من الإرهاب من خلال سعي أوساط متطرفة إلى نشر مقاربات آيديولوجية وفكرية وسياسية مغرقة في الرجعية تتخذ أشكالا متعددة من بينها ظاهرة تكاثر فتاوى غريبة عن المقاصد النبيلة للشريعة الإسلامية»، وهي ظاهرة قال عنها إنها جاءت من طرف أشخاص «غير مؤهلين إطلاقا لإصدار الفتاوى والترويج لها من طرف جهات لا تقيم وزنا للمؤسسة المخولة الإفتاء وتتطاول على اختصاصات علماء الدين». وقال إن الدين الإسلامي ملك مشاع لكل المغاربة ولا يحق لأي كان أن يحتكره أو يتخذه مطية لتحقيق أغراض سياسية، مشيرا إلى أن موقفهم هذا لا ينطلق من رغبة في إقصاء أحد، بل يقرون بحق كل العائلات السياسية والفكرية في الحرية المرجعية وحرية التعبير والتنظيم ما دامت احترمت دستور البلاد وتقيدت بمقتضيات القانون وتحاشت إقحام الدين في العمل السياسي.

على صعيد آخر، أعلن أربعة من أعضاء الحزب ترشحهم لمنصب الأمين العام خلفا لإسماعيل العلوي الذي قرر عدم الترشح لولاية أخرى. والأربعة هم نبيل بن عبد الله عضو المكتب السياسي ووزير الإعلام السابق، وسعيد السعدي عضو المكتب السياسي الذي سبق له أن شغل منصبا وزاريا في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ومحمد كرين وهو عضو في المكتب السياسي، وعبد الحفيظ ولعلو وهو عضو في اللجنة المركزية. وفي هذا الإطار قال ولعلو لـ«الشرق الأوسط» إنه بادر للترشح لفتح صفحة جديدة في الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية، وأضاف أن الأساسي هو نشر ثقافة الديمقراطية الداخلية وأن تكون هناك ترشيحات متعددة في حالة صعوبة الاتفاق على مرشح واحد ولإعطاء فرصة لأعضاء المؤتمر لاختيار من يقود الحزب من دون ضغط خارجي. وقال إنه لا داعي أن نطلب الديمقراطية من الدولة من دون أن نقر بها داخليا، مشيرا إلى أن الجميع متوافق على الورقة السياسية وعلى المواقف السياسية وتعديل القانون الأساسي ويبقى الخلاف بين المرشحين في كيفية إدارة الحزب.

يشار إلى أن الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حضرها كل من عباس الفاسي رئيس الحكومة المغربية وعبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب ومحمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين، بالإضافة إلى وزراء آخرين وقيادات حزبية، في حين غاب حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، الذي لم توجه إليه الدعوة. كما حضر الجلسة وفود من الأحزاب الشيوعية في لبنان وسورية والعراق، في حين لم يحضر الحزب الشيوعي السوداني. كما حضر أيضا ممثل حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى وفود تمثل الحزب الشيوعي الصيني والفيتنامي والياباني، وأحزاب شيوعية من فرنسا وإسبانيا.