خيارات أميركية لضربات في العمق الباكستاني

في حال وقع هجوم كارثي يقنع الرئيس أوباما بأن الطائرات من دون طيار غير كافية

TT

يراجع الجيش الأميركي حاليا خيارات لإطلاق ضربة عسكرية أحادية الجانب في باكستان في حال تم إرجاع أي هجمة ناجحة على الأراضي الأميركية إلى المناطق القبلية في باكستان، وفقا لمسؤولين عسكريين بارزين. صعدت العلاقات بين المتهم في محاولة تفجير سيارة مفخخة في ميدان التايمز، فيصل شاه زاد، وعناصر من حركة طالبان باكستان من حاجة إدارة أوباما إلى خيارات انتقامية، حسبما ذكر المسؤولون. وأكد هؤلاء المسؤولون على أنه لن يتم التفكير في الرد الأميركي سوى في ظل الظروف القصوى، مثل وقوع هجوم كارثي يجعل الرئيس باراك أوباما مقتنعا بأن الهجمات الحالية التي تقوم بها الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية غير كافية. وقال أحد المسؤولين: «تم تنشيط التخطيط مرة أخرى في أعقاب (محاولة التفجير) في ميدان التايمز». وفي الوقت ذاته، تحاول الإدارة تعميق العلاقات مع المسؤولين بالمخابرات الباكستانية في محاولة لدرء أي هجمات من جانب الجماعات المسلحة. وأقامت الولايات المتحدة وباكستان في الآونة الأخيرة مركزا مشتركا للمخابرات العسكرية على ضواحي مدينة بيشاور، شمال غربي باكستان، وتتفاوض الدولتان حاليا لإنشاء مركز آخر بالقرب من مدينة كويتا الباكستانية، التي تتخذ منها حركة طالبان أفغانستان مقرا لها، وفقا للمسؤولين العسكريين الأميركيين. وطلب هؤلاء المسؤولون وغيرهم عدم ذكر أسمائهم نظرا للحساسية التي تحيط بالأنشطة العسكرية والاستخباراتية الأميركية في باكستان.

وتهدف هذه المراكز إلى تعزيز العمليات العسكرية الباكستانية عن طريق تقديم نفاذ مباشر إلى المعلومات الاستخباراتية الأميركية، بما في ذلك المراقبة المرئية المباشرة من الطائرات من دون طيار والتي تتبع قيادة العمليات الخاصة الأميركية. لكن في إقرار لاستمرار انعدام الثقة بين الحكومتين، أضاف المسؤولون أن الجانبين ينظران إلى هذه المراكز أيضا على أنها وسيلة لمراقبة كل منهما الآخر، وكذلك لمراقبة العمليات العسكرية والأنشطة الاستخباراتية في مناطق المتمردين. وقال أوباما أثناء حملته الانتخابية إنه سيكون على استعداد لإصدار أوامره بتوجيه ضربات في باكستان، وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مقابلة تلفزيونية عقب محاولة التفجير في ميدان التايمز: «لو كانت الهجمة، التي نستطيع أن نرجعها إلى باكستان، نجحت، لا قدر الله، لكانت هناك عواقب وخيمة». وأرسل أوباما مستشاره للأمن القومي جيمس لونز، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ليون بانيتان إلى إسلام آباد الشهر الحالي لتسليم رسالة إلى المسؤولين الباكستانيين، بما في ذلك الرئيس آصف علي زرداري وقائد الجيش الجنرال إشفاق كياني. كما قدم جونز وبانيتا أدلة جمعتها وكالات إنفاذ القانون والهيئات الاستخباراتية الأميركية بأن شاه زاد تلقى دعما كبيرا من طالبان باكستان. وتعتمد الخيارات الأميركية بشأن التحرك الانتقامي المحتمل في المقام الأول على الضربات الجوية الصاروخية، لكنها قد تشمل أيضا استخدام فرق صغيرة من قوات العمليات الخاصة الأميركية المتمركزة بالفعل على طول الحدود مع أفغانستان. وقال مسؤول عسكري بارز إن خطط الضربات العسكرية في باكستان تمت مراجعتها بصورة كبيرة على مدار السنوات الكثيرة الماضية، وابتعدت عن «رد عقابي واسع النطاق» إلى خطط مدروسة تهدف إلى توجيه ضربات انتقامية ضد جماعات مسلحة معينة. وأضاف المسؤول أن هناك توافقا واسع النطاق داخل الجيش الأميركي على أن الضربات الجوية ستضعف في أحسن الأحوال من التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة والحركات التابعة له، وستنطوي على مخاطرة إحداث تمزق لا يمكن إصلاحه في العلاقات الأميركية مع باكستان. وقال مسؤول آخر: «الشعور العام هو أننا في حاجة إلى أن نكون حذرين في كيفية الرد، بحيث لا ندمر العلاقات التي قمنا ببنائها» مع الجيش الباكستاني. وعلى مدار أعوام، دفعت فرق العمليات الخاصة الأميركية في أفغانستان تجاه نطاق أوسع لشن غارات عبر الحدود، وقالت إن الضربات التي تشنها الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية لا ينتج عنها القبض على عناصر أو أي فرص أخرى لجمع المعلومات الاستخباراتية. بيد أن إحدى الغارات قامت بها طائرة هليكوبتر أميركية عام 2008 ضد هدف في باكستان أثارت احتجاجات من جانب المسؤولين في إسلام آباد، حيث اعترضوا على السماح للجنود الأميركيين بالعمل من داخل دولتهم. وتحظى وكالة المخابرات المركزية الأميركية بسلطة توجيه ضربات ضد أهداف في باكستان من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مباشرة من البيت الأبيض. وتستطيع القوات العسكرية الأميركية شن هجمات أحادية الجانب في باكستان فقط إذا توافرت معلومات استخباراتية موثوق بها حول أي من الأهداف الثلاثة عالية القيمة (قائدا تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وقائد طالبان محمد عمر). لكن حتى في هذه الحالات، يحتاج الجيش إلى موافقة من جهات رفيعة المستوى. وتعد المراكز الاستخباراتية سالفة الذكر جزءا من جهد عسكري أميركي مواز يهدف إلى تكثيف الضغوط على حركة طالبان وغيرها من الجماعات الضالعة في قيادة هجمات المتمردين في أفغانستان. وقال مسؤولون أميركيون إن تقاسم المعلومات الاستخباراتية يتم على الجانبين، وإن الأهداف تتم مراقبتها في باكستان وأفغانستان. ففي المركز الموجود في بيشاور، والذي تم إنشاؤه على مدار الأشهر القليلة الماضية، يستطيع الباكستانيون الحصول على «تصوير مرئي كامل من منصات مختلفة»، بما في ذلك طائرات المراقبة غير المسلحة، حسبما ذكر أحد المسؤولين.

كما تخدم هذه المراكز هدفا أميركيا أوسع نطاقا، حيث إنها تجعل الباكستانيين أكثر اعتمادا على المخابرات الأميركية. وفي باكستان، تقدم هذه المراكز نظرة خاطفة على القدرات الأميركية، وكذلك القدرة على مراقبة العمليات العسكرية الأميركية عبر الحدود.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»