قريبا من انشغالات السياسيين العراقيين بإشكالات الحكومة الجديدة التي ستمر ولادتها بمخاضات صعبة للغاية، حسب توقعات قيادات سياسية عراقية، تنشغل السليمانية، المدينة الثانية في إقليم كردستان العراق، بفعاليات انعقاد المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، والمقرر عقده اليوم.
السليمانية كلها منشغلة ومنذ أسابيع بالتحضيرات والاستعدادات لعقد هذا المؤتمر الذي طال انتظاره من قبل قيادات وأنصار الحزب، حيث من الصعب على الزائر أن يجد له غرفة في فنادقها الراقية لحضور قادة وممثلين عن الأحزاب العراقية والعربية والغربية فعاليات الافتتاح اليوم.
وحسب فؤاد معصوم، عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، ورئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر، فإن أهمية المؤتمر الثالث للاتحاد تكمن في أنه «يعقد بعد 9 سنوات من عقد المؤتمر الثاني»، مشيرا إلى أن «آخر مؤتمر عقد في 2001 بينما ينص النظام الداخلي على أن يعقد كل 4 سنوات، وسبب عدم انتظام انعقاد المؤتمر هو التغييرات التي حصلت في العراق والمشكلات التي صادفتنا، ومنها الخلافات التي حدثت داخل الاتحاد وبالتالي لا يمكن عقد المؤتمر في ظل الانشقاقات التي حصلت، وأعتقد أن هذا المؤتمر سوف يبني الاتحاد على أسس متينة».
وعلى الرغم من انشغالات معصوم الكثيرة، فإنه أفرد بعض وقته للحديث لـ«الشرق الأوسط» عن تفاصيل هذا المؤتمر الذي هو «عبارة عن اجتماع ممثلي التنظيمات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني الذين سينتخبون ممثليهم وفق آلية محددة كأعضاء في المؤتمر الذي يعتبر أعلى سلطة حزبية»، منبها إلى أنه «عندما تبدأ أعمال المؤتمر يتجرد الجميع من مناصبهم الحزبية، أي لا يصبح لأحد أي منصب، كل الأعضاء يتساوون بما فيهم الأمين العام، الرئيس طالباني، ويتحولون إلى أعضاء فقط».
قبل هذه المرحلة كانت هناك مرحلتان تمكنان العضو من الوصول خلالهما إلى المؤتمر العام الثالث «الأولى قيام كل 100 عضو بانتخاب عضو معين، ومن بين هؤلاء قام كل 500 عضو بانتخاب عضو يصل إلى المؤتمر، وهذا يعني أن كل عضو من الـ1200 الذين يشاركون في المؤتمر يمثل المئات من أعضاء الاتحاد»، حسب إيضاح معصوم، الذي استطرد قائلا «هناك أكثر من 300 عضو سيقومون بترشيح أنفسهم للقيادة، كما سيرشح مام جلال، الأمين العام نفسه، وسيكون الجميع بمستوى واحد لكن هناك شخصيات معروفة بنضالها وخبرتها وثقافتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية». ومنوها بأن «المرشح للوصول إلى القيادة من خلال التصويت خضع لشروط، منها أن يكون مر على انتمائه للحزب 7 سنوات، وهذا يهم الشباب، والفرص متاحة باستمرار للشباب، وأن لا يكون مدانا بأي جريمة مخلة بالشرف، وأن لا يكون منتميا أو متعاونا مع حزب البعث أو أحد أجهزته».
ويشدد معصوم على أنه «ليس هناك من ينافس الأمين العام على منصبه، كون مام جلال يعتبر المظلة للجميع وهو رمز ثوري ونضالي كبير ليس لدى الأكراد فقط، بل بالنسبة للعراقيين عموما ومن الصعب أن نجد الآن من يستطيع القيام بدوره».
وحسب برامج المؤتمر الذي سيستمر 4 أيام، والذي من المؤمل أن يحضره نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايتها وبصفته الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، فإن «اليوم الأول سيخصص للافتتاح فقط، وفي اليوم الثاني سيلقي الأمين العام تقريره العام الذي يكون شاملا، والتقرير العام هو خلاصة تقارير المكاتب التي يضيغها الأمين العام وبملاحظاته، كما ستتم مناقشة هذا التقرير الذي سيتحدث فيه مام جلال عن المكاسب والإنجازات والخروقات التي حدثت وعن المشكلات التي تعرض لها الحزب والتصورات المستقبلية وبعض الملاحظات التي ستتكون عنده، وسوف يناقش المؤتمر تقرير الأمين العام، وهناك لجان لإعداد الأوراق وإذا كانت هناك توصيات لإعادة صياغة بعض التوصيات وما يوافق عليه المؤتمر سيكون ملزما».
ويوضح معصوم أن «قيادة الحزب التي تتكون من 35 عضوا و10 أعضاء احتياط، وهؤلاء يشكلون قيادة الحزب، ومن هؤلاء يتم ترشيح ما بين 9 إلى 11 عضوا للمكتب السياسي الذي هو أعلى هيئة قيادية في الحزب، حيث يتفرغ 3 منهم لإدارة المكتب في المركز بينما يتسلم الآخرون مسؤوليات المكاتب»، مشيرا إلى أن «من جملة مقترحاتنا لهذا المؤتمر هو تشكيل برلمان للحزب، أي أن تكون هناك لجنة أو هيئة تشريعية تهتم بإصدار القرارات ومراقبة تنفيذها وأخرى نسميها مجازا الهيئة التنفيذية، وهناك وجهتا نظر، الأولى هل يتم انتخاب هاتين الهيئتين من قبل أعضاء المؤتمر، أو أن يتم انتخاب الهيئة التشريعية التي بدورها تختار عددا محدودا يكلفون بالجهة التنفيذية».
كما أشار معصوم إلى أن «هناك فرصا كثيرة أمام الشباب للوصول إلى قيادة الاتحاد، بمن فيهم النساء اللاتي خصصت لهن حصة (كوتة)، فهناك شباب وصلوا إلى القيادة في المؤتمرين الأول والثاني، وعدد كبار السن الآن قليل قياسا إلى وجود الشباب».
قيادات الاتحاد في الداخل والخارج حضرت ومنذ وقت مبكر من الأسبوع الماضي إلى السليمانية، وفي مقدمتهم برهم صالح، رئيس حكومة الإقليم، ونائب الأمين العام للاتحاد، وانشغلوا في اجتماعات ولقاءات تمهيدية لإنجاح أعمال مؤتمر الاتحاد الوطني الذي ستغيب عن قيادته بعض الوجوه نتيجة التصويت، لكن من المؤكد أن أول القياديين التقليديين، الذي سيغادر موقعه كعضو للمكتب السياسي وبرغبته التامة هو فؤاد معصوم، وهو من مؤسسي الحزب عام 1975، حيث يقول «أنا وباختياري لن أكون جزءا من قيادة الاتحاد، حيث لم أتقدم باستمارة الترشيح للانتخابات، ولكن إذا تم إنشاء ما اصطلحنا عليه بالهيئة التشريعية فسأكون جزءا منها باعتبار أن هناك اجتماعا لكل 3 أشهر للتعبير عن رأيي والمساهمة في وضع القرارات، ولكن أن أكون قياديا وعضو مكتب سياسي، لا. على الرغم من أنني من مؤسسي الاتحاد عام 1975 فإني سابقا كعضو في الحزب وأنا أشعر بأن الاتحاد يتطور يوما إثر آخر، وأتمنى أن يفخر أحفادي بأن جدهم كان جزءا من هذا الحزب الفاعل والمستمر في نضاله».
ومن أبرز المشكلات التي تعرض لها الاتحاد الوطني، حسبما يؤكد معصوم، هي «الانشقاق الذي قاده نشيروان مصطفى، القيادي البارز السابق في الاتحاد الذي كون تيار التغيير، إذ خلق لنا هذا الانشقاق مشكلة، هذه المجموعة التي انشقت كانت تعمل في الاتحاد كخلايا نائمة وفوجئنا بها في انتخابات برلمان الإقليم، كنا نعرف أن هؤلاء معترضون على سياسة الاتحاد ومنشقون لكننا لم نعرف بأنهم كانوا يعملون بصورة سرية داخل الاتحاد»، منبها إلى أن «الاتحاد مر بمراحل صعبة، وفي مرحلة لم يكن قد تبقى من أعضائه إلا مجموعة بسيطة وذلك نتيجة الضربات الشديدة التي وجهها النظام السابق للحزب، وهيمنة قوات النظام وأجهزته على كل مناطق كردستان، وهذه المجموعة الصغيرة وبما فيهم مام جلال كانوا يعيشون محاصرين في شعاب جبل قنديل، حتى الطعام لم يكن يصل إليهم، ولكن تغيير الأوضاع السياسية في إيران ضد الشاه خففت من التشديدات التي كانت مفروضة على قيادتنا، ونشوب الحرب العراقية - الإيرانية أدى إلى أن تقلل قوات الجيش العراقي هجماتها علينا، ومن ثم تغيير الأوضاع في العراق، وطوال هذه الفترة كانت قواعدنا موجودة وعواطف أنصارنا معنا، كما ساعدت ديناميكية الاتحاد على الاستمرار بقوة، فحزبنا تعرض لانشقاقات كثيرة في السابق مثل انشقاق الحركة الاشتراكية التي كانت تشكل حركة كبيرة داخل الاتحاد، ثم انشقاق (راية الثورة) وأسباب هذه الانشقاقات، أن الاتحاد عندما تأسس كان بمثابة حزب جبهوي يضم مجموعة من التنظيمات والأحزاب والحركات التي لها تنظيماتها الخاصة بها على الرغم من عملها في الاتحاد قبل أن يتحول إلى حزب، وكانت هناك صراعات بين هذه الأطراف، وفي عام 1992 توحدت هذه التنظيمات كحزب».
وقال معصوم إن «حركة التغيير تشكلت على أساس معاداة الاتحاد، وهي لا تشكل تيارا فكريا آيدولوجيا، كل ما في الأمر أنه تيار مبني على أساس معارضة الوضع وليس على أساس فكري، وهو يستفيد من أخطاء الإدارة والحكومة وأوجه المخالفات القانونية التي تحدث ومهمته تصيد هذه الأخطاء».
وأضاف أن «الكثيرين من أنصار قواعد التغيير عادت إلى الاتحاد، ونشيروان مصطفى إذا أبدى الرغبة في التخلي عن أفكاره وأراد العودة فربما يتم قبول عودته فهو ليس غريبا عن الاتحاد، وهناك قيادات انشقت في السابق عن الحزب وعادت واحتلت مراكز مرموقة في التنظيم».
كلام الصورة: