إسناد تعليم الصفوف الأولية للبنين إلى «معلمات» في المدارس الأهلية يحدث تباينا في الآراء

التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط»: هذا النموذج لا يخالف السياسة التعليمية في البلاد

نظام التعليم الأهلي أعطى مدارس القطاع الخاص حق تطبيق نماذج لا تخالف السياسة التعليمية («الشرق الأوسط»)
TT

تباينت الآراء حول قرار إسناد مهمة تعليم البنين في الصفوف الأولية إلى «معلمات» في مدارس التعليم الأهلية، الذي دعت وزارة التربية والتعليم قبل أسابيع للتوسع في تطبيقه، تباينا في الرؤى بين مؤيد ومعارض، بينما وصف البعض التجربة التي خاضتها مدارس ليست قليلة، بـ«الناجحة» من منطلق قدرة المعلمات على التعامل مع الطلاب الذكور بشكل صحيح.

ففي حين أكدت مدارس بدأت بتطبيق هذا النموذج من التعليم، على نجاحه الفعال وتحقيقه للأهداف المنشودة، عارضت مدارس أخرى ذلك، كونه بحاجة إلى ترتيبات واستعدادات مسبقة والابتعاد عن التسرع في تطبيق نظام يرتبط بصلب العملية التعليمية.

وشرح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور فهد الطياش، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، فحوى القرار الذي صدر عن الوزارة، حيث أوضح أن القرار دعا إلى التوسع في مسألة إسناد الطلبة الذكور إلى معلمات في مراحل الصفوف الأولية (الأولى والثانية والثالثة) من المرحلة الابتدائية.

وأكد الطياش أن هذا القرار معمول به منذ أكثر من 15 عاما، وليس وليد هذا العام، مؤكدا أن التوجه الحالي قائم لناحية التوسع في مهمة إسناد تعليم البنين لمعلمات في المدارس الأهلية فقط، لما لذلك الأمر من إسهام في تحسين العملية التعليمية.

وأكد المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم أن قرار الوزارة الأخيرة لا يشمل المدارس الحكومية، كما أن القرار لا يعني «الدمج» بين الجنسين، كون اللائحة التعليمية في التعليم الحكومي تنص على الفصل بين الجنسين.

وأوضح فهد الطياش أن إسناد مهمة تعليم الطلاب الذكور لمعلمات، أمر غير مخالف للسياسة التعليمية، ويأتي تطبيقا للمادة 14 من نظام التعليم الأهلي، الذي أعطى مدارس القطاع الخاص حق تطبيق نماذج لا تخالف السياسة التعليمية، ومنها قيام المعلمات بتدريس الطلاب في الصفوف الأولية.

وتأتي مدارس الفردوس الأهلية في جدة كواحدة من إحدى المدارس المطبقة لهذه التجربة، وشهدت منذ بداية العام الحالي تسجيل نحو 14 طفلا في الصف الأول الابتدائي و8 أطفال للصف الثاني، عدا عن بلوغ إجمالي عدد البنين لديها 122، ابتداء من مرحلة رياض الأطفال الذين سيتمرون في مواصلة تعليمهم حتى الصف الثالث الابتدائي.

وأكدت لـ«الشرق الأوسط» مي حجازي، مديرة القسم الابتدائي في مدارس الفردوس الأهلية، أن تجربة تعليم المعلمات للطلاب الذكور في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية «تعد ناجحة، وبخاصة في ظل وجود حالات معينة من الأطفال بحاجة إلى احتوائهم من قبل المعلمات في هذه المرحلة العمرية».

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الأفضل للأطفال، بنين وبنات، التعلم على أيدي معلمات خلال الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية، لا سيما أن الطفل في تلك السن يحتاج إلى متابعة مستمرة، وهو ما لا يستطيع معظم الآباء القيام به نتيجة انشغالهم في مسؤولياتهم».

ولفتت إلى أن تلك التجربة ساعدت في تواصل الأمهات باستمرار مع مدارس أبنائهن ومتابعة سلوكياتهم وما يحتاجون إليه.

وأشارت إلى أن رؤية الطفل لوالدته حتى في المدرسة بين الحين والآخر وإحساسه باهتمامها به بين زملائه من شأنه أن ينعكس إيجابيا على نفسيته، مبينة أن الكثير من الأولاد الموجودين في المدرسة باتوا يتمتعون بشخصيات قوية ومنطلقة بعكس ما كانت تتوقعه بعض الأمهات حول احتمالية تأثر أبنائهن بطباع البنات الأنثوية.

وأضافت: «لقد حققت تلك التجربة نجاحا لافتا مع بعض الأولاد لدينا في المدرسة، حيث إن أحدهم كان يدرس في مدرسة للبنين وتعرض للضرب من قبل أحد أساتذته، مما أدى إلى انقطاعه عن التعليم لمدة سنتين على خلفية تأثره النفسي»، موضحة أن وضعه اختلف تماما بعد إحساسه باهتمام المعلمات به.

ولفتت إلى أن ظروف بعض الأولاد في منازلهم تحتم عليهم ضرورة التعلم على أيدي معلمات، خصوصا إن كانوا وحيدين لدى والديهم دون إخوة أو أخوات، الأمر الذي يؤدي إلى إكسابهم قوة أكثر ليصبحوا مشاركين ومتحدثين ومنطلقين، مؤكدة أن المعلمات يعتبرن الأقدر على التعامل مع الأطفال أكثر من الرجال أنفسهم.

ولكنها أفادت بضرورة فصل البنين عن البنات في الفصول الدراسية وذلك بهدف إعطائهم فرصة التعامل بأريحية مع بعضهم البعض، إلى جانب ضرورة التعامل معهم بحب وجدية في آن واحد، مشيرة إلى أن الطفل لا يحب أن يشعر بأنه مثل الفتاة، مما يجعل المعلمة عادة ما تحفزه وتشجعه وتزرع الثقة في نفسه بحسب طبيعته الذكورية.

واستطردت في القول: «لقد قمنا بفصل البنين عن البنات حتى في دورات المياه وفترات الاستراحة بالساحات المدرسية، غير أن ذلك لم يؤثر عليهم كون الأساس يتمثل في تعاملهم مع المعلمات في الفصول»، مبينة أن تهيئة المباني المدرسية للبنين تعد من العوائق التي تمت معالجتها من قبل المدرسة نتيجة وجود ساحات كبيرة لديها.

وذكرت مديرة القسم الابتدائي في مدارس الفردوس الأهلية أن هذه التجربة الواعدة كانت سببا في زيادة عدد المعلمات بالمدرسة بمعدل ثلاثة معلمات العام الحالي، إلى جانب ضرورة التوسع من حيث عدد الفصول وإنشاء ساحات أكبر.

وزادت بالقول إن المدرسة «تعتزم بناء طابق آخر لتوسعة الفصول الدراسية، أو الانتقال إلى مبنى آخر يحوي ساحات رياضية كبيرة للبنين إذا ما زاد العدد بشكل أكبر، وذلك بهدف إعطاء الحرية للأولاد أثناء فترات لعبهم».

وحول كيفية تواصل المدرسة مع آباء الطلاب الموجودين إذا ما استدعى الأمر ذلك، أبانت مي حجازي أن ذلك يتم عبر الهاتف فقط دون لقاءات مباشرة، خصوصا أن 90 في المائة من أسر الأطفال تتواصل مع المسؤولات في المدرسة عن طريق الأمهات.

وأوضحت أن معلمات البنين في المدرسة يمنحن الأطفال مدة ثلاث دقائق قبل الدرس لتفريغ طاقاتهم عن طريق حركة رياضية بسيطة، إلى جانب إخضاعهن من قبل إدارة المدرسة لدورات تأهيلية حول كيفية التعامل مع الأولاد في هذه السن، حيث استمرت لمدة شهر كامل.

مقابل ذلك، أكدت لـ«الشرق الأوسط» آمال يوسف، وكيلة مدارس جيل البركة الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم، على أن تجربة تدريس المعلمات للطلاب في الصفوف الأولية «ساعدت في انخفاض معدلات الغياب لدى الطلاب في المدرسة»، مرجعة أسباب ذلك الانخفاض إلى وجود أنشطة ترفيهية مختلفة عن مدارس البنين، بالإضافة إلى تعامل المعلمات معهم الذي ساعد في نزع الخوف من نفوسهم، على حد قولها.

وقالت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» إن «مناهج مدارس تحفيظ القرآن الكريم تختلف عن المدارس الأخرى في كونها تعطي ما بين 15 إلى 18 حصة للقرآن الكريم أسبوعيا، وهو ما تم تطبيقه حتى على البنين لدينا في المدرسة».

وأشارت إلى أن الأطفال في هذه السن عادة ما يكونون معتادين على أجواء المرحلة التمهيدية وتعامل المعلمات معهم، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في نفسية الطفل إذا ما وجد نفسه فجأة بين مجموعة من المعلمين وطلاب يكبرونه بأعوام كثيرة.

ونوهت بأن معظم المعلمين في المدارس لا يعرفون طرق التعامل السليمة مع الأطفال في الصفوف الأولية، عدا عن أنهم عادة ما يكونون صارمين في معاملتهم بعكس المعلمات اللائي يعتبرن قريبات جدا من الأمهات.

ولفتت إلى أن تلك التجربة سهلت تواصل الأمهات مع مدارس أولادهن في ظل انشغال الآباء عن فعل ذلك، بالإضافة إلى رفض الكثير من الرجال مبدأ تواصل زوجاتهم مع معلمي وإداريي مدارس أبنائهم المخصصة للبنين فقط.

وجاء رأي عثمان القصبي، مدير عام مجمع مدارس الرواد الأهلية في الرياض، مغايرا حول قضية دمج البنين مع البنات في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية، مرجعا سبب وجهة نظره حيال تطبيق ذلك القرار إلى أسباب عدة، من ضمنها مشكلات تعيين وتوظيف المعلمات والمباني المدرسية، إلى جانب معدل دوران المعلمات في المدارس الخاصة الذي وصفه بـ«المرتفع».

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «تطبيق ذلك القرار يحتاج إلى وقت أطول واستعدادات وترتيبات معينة وليس بشكل مفاجئ، حيث يجب دراسة الأمر بعناية والترتيب له قبل الإعلان عنه».

وأشار إلى أن وجهة النظر التربوية تقضي بأن خصائص نمو الأطفال في هذه المرحلة العمرية يناسبها معلمة كونها أقدر على التعامل مع الأطفال مقارنة بالرجال، غير أنه طالب بضرورة التأني وعدم التسرع في تطبيق القرار، مبينا أن التعليم في السعودية عادة ما يشهد تطبيق قرارات دون دراسة مسبقة، ومن ثم إلغاء هذه القرارات بشكل يؤثر على المسيرة التعليمية.

وأضاف: «إن تطبيق قرار الدمج لا بد أن يراعي أمورا كثيرة من ضمنها مشكلات توظيف المعلمات، ومعدل دورانهن في المدارس الذي لا يتناسب مع طبيعة التعليم، لا سيما أن الطفل بحاجة إلى وجود معلمة واحدة معه من بداية العام الدراسي وحتى نهايته»، لافتا إلى أن الكثير من المعلمات يضطررن إلى الانقطاع عن العمل لأي ظرف من الظروف، الأمر الذي يؤثر على التعليم.

وأفاد بأن مثل ذلك القرار يمس صلب العملية التعليمية، الأمر الذي من شأنه أن يحتم الاستقرار والدراسة المتأنية والتطبيق المتدرج، موضحا في الوقت نفسه ضرورة حل مشكلات المباني التعليمية، باعتبار أن تطبيق قرار الدمج يشترط فصل البنين عن البنات داخل المدارس.

ولكنه استدرك قائلا: «إن الحراك الحاصل في التعليم والقناعة التي وصل إليها المجتمع والمتضمنة عدم تحقيق التقدم والتنمية من دون تعليم صحيح، كل ذلك يبعث التفاؤل»، مؤكدا وجود معلمات قادرات على التعامل بشكل سليم مع البنين داخل المدارس رغم اختلاف سيكولوجياتهم عن البنات.