الأزمة الأوروبية تنهش في الاقتصاد الإسباني.. والمعارضة تترصد

وزير سابق: الحكومة أخطأت بتأخرها في الاعتراف بالأزمة

مجموعة من الإسبان ينتظرون أمام مركز توظيف في العاصمة الإسبانية مدريد وكان معدل البطالة قد انخفض بمعدل 1.8 في المائة في شهر مايو الماضي بالمقارنة بشهر أبريل وهو أعلى انخفاض في معدلات البطالة منذ خمس سنوات (رويترز)
TT

وسط معارضة شعبية لاتخاذ إجراءات تقشف إضافية وطلب من جانب المستثمرين بخصومات في الميزانية وسوق عمل أكثر مرونة، تواجه الحكومة الإسبانية صعوبة متزايدة في سدة الحكم.

وخلال الأسبوع الماضي حصلت حكومة رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، بهامش ضئيل للغاية، على موافقة لتقليل النفقات بمقدار 15 مليار يورو إضافية (18.4 مليار دولار) في محاولة لتقليل عجز الميزانية إلى 6 في المائة من الإنتاج الاقتصادي القومي بحلول 2011، في مقابل 11 في المائة العام الماضي. وعلى ضوء الخلاف القائم بين الاتحادات العمالية وقيادات سوق العمل، من المتوقع أن يقدم ثاباتيرو خطة خلال الأسبوع الحالي لجعل قواعد العمل أقل شدة.وقبل ثلاثة أشهر، وصفت حزمة سهلت من عملية توظيف وتسريح العمال وقللت من رواتب موظفي الحكومة، بأنها تحولية، لا سيما في ظل الاقتصاد الذي يعاني من ركود منذ عامين وبه معدل بطالة وصل إلى 20 في المائة. ومع ذلك ينظر إلى المقترحات على أنها محاولة يائسة من جانب حكومة لا تحظى بشعبية، من أجل البقاء في السلطة.

ويوم الجمعة عانت إسبانيا من تراجع في التصنيف الائتماني لديونها وعلت أصوات تدعو لإجراء انتخابات مبكرة بعد التصويت على الميزانية الختامية. ويوحي الأمران للقيادات السياسية في مختلف أنحاء أوروبا أن الناخبين والمستثمرين سئموا غياب الحزم والقيادة في التعامل مع الوضع الاقتصادي. ويقول جوردي سيفيلا، أحد وزراء ثاباتيرو السابقين: «ارتكبت الحكومة خطئا كبيرا بالتأخر في الاعتراف بالأزمة والاستمرار وعندما اتخذت إجراءات غير كافية لحل الأزمة. ويمكن للمرء أن يحظى بمصداقية من خلال تقديم حزمة متماسكة وقوية»، ولا يعد القيام بشيء قوي ومتماسك منطقيا ويرضي الناخبين المتنوعين كافة أمرا سهلا. ويعاني ثاباتيرو من ضغوط من الاتجاهات كافة.

وعلى ضوء حزمة الإنقاذ الدولية التي حصلت عليها اليونان، يريد المستثمرون أن تبرهن إسبانيا على أنها تستطيع تقليل عجزها الكبير بسرعة لتجنب الحصول على مساعدات طوارئ. ونظرا لحجم الاقتصاد الإسباني، فإن أي حزمة إنقاذ ستكون أكبر تكلفة من مساعدات الإنقاذ التي حصلت عليها اليونان. بيد أن العجز عن السداد أو إعادة الهيكلة سيكون أسوأ، وسيشل مصارف أجنبية عززت قروضها من مشكلة الديون داخل إسبانيا.

وعلى الساحة السياسية المحلية، تعرف معارضة الحزب الشعبي (يمين وسط) أنه يمكنها الاستفادة من هذا الوضع. وتشير المراجعة البرلمانية الأسبوع الماضي لتقليل النفقات، التي مررها ثاباتيرو بفارق صوت واحد فقط، إلى أن مشكلة أكبر ستظهر خلال النقاش بشأن الميزانية نهاية العام الحالي، وربما يفرض عليه ذلك الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وفي الواقع، يقول معظم الإسبان في الوقت الحالي إنهم يودون إجراء الانتخابات مرة أخرى، وذلك حسب ما أفاد به استطلاع رأي أجرته «شيغما دوس» ونشر يوم الأحد في صحيفة «إل موندو».

ويتعين على ثاباتيرو، الذي تنتهي ولايته في 2012، الحصول على دعم أحزاب أصغر من أجل تمرير أي تشريع لأن حزبه الاشتراكي ليست لديه أغلبية في البرلمان. وعزز من الصعوبات أمام الحكومة أن بدأت الاتحادات العمالية - وهي دعامة أساسية للاشتراكيين - في الوقوف ضد خطط ثاباتيرو من أجل التغيير.

ومن المتوقع أن يدخل الموظفون الحكوميون في إضراب الأسبوع المقبل بسبب تقليل الرواتب بنسبة 5 في المائة. وحذرت الاتحادات العمالية الأسبوع الماضي من أنهم سيردون على أي تعديلات «مؤذية» في سوق العمل بإضراب عام.

ويقول خوسيه ماريا أثنار، رئيس الوزراء السابق الذي تولى انضمام إسبانيا إلى اليورو، إنه على الرغم من أن الانتخابات المبكرة شيء نادر في إسبانيا، فهناك حاجة «مطلقة» لها. ويضيف: «المشكلة ليست هل لدينا حكومة من اليمين أم من اليسار، ولكنها مسألة كفاءة وفي الوقت الحالي ليس لدينا حكومة تتسم بالكفاءة. والبقاء لمدة ستة أشهر بهذه الحكومة يدفع بالبلاد إلى مخاطر جمة».

ويعد معدل البطالة الذي يبلغ نسبة 19.7 في المائة داخل إسبانيا تقريبا ضعف متوسط المعدلات في منطقة اليورو، الذي يبلغ 10.1 في المائة، وتواجه الشركات الإسبانية تكاليف كبيرة مع عمليات تسريح العمال الذين لديهم عقود مفتوحة، وذلك حسب ما أفاد به البنك الدولي. وفي محاولة لتجنب قواعد العمل الصارمة، قام أصحاب العمل بتحويل ربع قوة العمل في إسبانيا إلى عقود مؤقتة، ويساعد ذلك على فهم التحول الحاد في مستوى التوظيف داخل إسبانيا. وكانت النتيجة هي مواجهة الموظفين الشباب صعوبات أكبر؛ إذ إن الموظفين الأكبر سنا يحظون بحماية جيدة.

ويقول أنخيل توريس توريس، الأمين العام للشؤون الدولية السياسة الاقتصادية في وزارة الاقتصاد الإسبانية: «كنا في منظومة خلق الوظائف داخل أوروبا على مدى 10 أعوام، وتحولنا في الوقت الحالي إلى منظومة تدمير الوظائف».

وتعهد ثاباتيرو بأن يقلل عجز الميزانية إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2013 بالمقارنة مع 11.2 في المائة عام 2009. وقال المصرف المركزي الإسباني يوم الاثنين إن إجراءات التقشف الأخيرة «عززت بدرجة كبيرة» من احتمالية الوصول إلى هذا الهدف. ولكن قامت الحكومة بتقليل توقعاتها بخصوص النمو في عام 2011 يوم الأحد إلى 1.3 في المائة في مقابل 1.8 في المائة. وعلاوة على ذلك، فإن لدى كثير من الاقتصاديين شكوكا بشأن هذه التوقعات، التي تشير إلى أن إسبانيا يمكن ألا تحقق أهدافها المرتبطة بتقليل العجز. وقال ثاباتيرو إنه يجب أن يتوقع الأغنياء فرض ضرائب أعلى، في إشارة إلى أن حزم التقشف لم تنته بعد.

ويدافع عن الحكومة خوسيه مانويل كامبا، نائب وزير المالية، ويقول إن المسؤولين لم يتصرفوا بتردد، ولكنهم تمكنوا من إجراء تعديلات بالسرعة التي يسمح بها السياق السياسي المنقسم داخل إسبانيا. ويقول: «نحن حكومة ليس لديها أغلبية برلمانية، ولذا نحتاج إلى التفكير في الوقت المناسب لاتخاذ أي إجراء».

وفي البرتغال المجاورة، وافقت الأحزاب المتنافسة الرئيسية أخيرا على حزمة تقشف، ولكن في إسبانيا صوت الحزب الشعبي ضد تقليل النفقات الأسبوع الماضي من دون أن يقنع معظم المحللين بأن لديه شيئا أفضل يمكنه تقديمه.

وعلى ضوء حلول موعد إعادة تمويل قيمتها 25 مليار دولار في يوليو (تموز) وبعد زيادة التكلفة التي تتحملها إسبانيا لإصدار دين جديد في الوقت الحالي بأكثر من نقطة مئوية، يعترف كامبا أن أفضل الجهود من جانب الحكومة ربما لا ترضي المستثمرين الذين نفد صبرهم.

ويرجع جزء من أسباب القلق لدى المستثمرين إلى قروض العقارات الكبيرة التي تضعف ميزانية المصارف داخل البلاد. ويقدر خوسيه غارسيا مونتالفو، وهو اقتصادي في برشلونة، أنه من بين 450 مليار يورو في صورة ديون لقطاع العقارات، تواجه 165 مليار يورو مشكلات، ومن المحتمل أن يرتفع هذا الرقم إذا استمرت أسعار العقارات في التراجع.

واستشهد كامبا باختبار ضغط أجراه صندوق النقد الدولي خلص إلى أن المصارف الإسبانية ستحتاج إلى الحصول على نحو 25 مليار يورو مقابل قروض سيئة. وفي السابق، كان الإسبان يرون بلدهم محمية بدرجة كبيرة من أزمات الديون مثل تلك التي وقعت داخل أيرلندا واليونان.

وعلى ضوء النزعة الادخارية داخل إسبانيا، بالمقارنة مع اليونان والبرتغال، بدأ الإسبان في ادخار المزيد. وارتفعت مدخرات الأسر بمقدار الضعف تقريبا خلال عامين إلى 19 في المائة، حسب ما أفادت به بيانات من المصرف المركزي الإسباني.

وفي الوقت الحالي، يتساءل البعض هل يستطيع ثاباتيرو - الذي وجهت له انتقادات على نطاق واسع لعدم الاعتراف بخطورة الأزمة - دفع نفسه ومسؤولين آخرين، لا سيما في حكومات المحافظات، إلى القيام بالمثل.

ويقول أدريانو موليانا، وهو محام متقاعد داخل مدريد: «إنه ينفق المال على كل شيء، بدءا من السيارات لوزرائه وصولا إلى منشآت الاستجمام للاتحادات التجارية. ولكن لم يعد في استطاعتنا تحمل ذلك».